أبدى عددٌ من الساسة والمراقبين العراقيين تشكَّكهم من إمكان إتمام قوات الاحتلال الأمريكية لانسحابها المقرر من المدن العراقية إلى قواعد ثابتة بنهاية الشهر الحالي، كما هو مقررٌ بموجب الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية المُوقَّعة في خريف العام الماضي 2008م، التي حددت جدولاً زمنيًّا للانسحاب الأمريكي من العراق، حتى موعد خروجها النهائي في نهاية العام 2011م. وشكك محمد دبدب القيادي السابق في حزب البعث في موضوع الانسحاب التام هذا، وقال: إن هناك مؤشرات بدأت تظهر على الشارع العراقي في الأيام الأخيرة تُشير إلى عدم نية الاحتلال في الانسحاب، ومن بينها (بحسب دبدب)، ظهور قوات غير معروفة تعتقل المواطنين وتقتل عددًا منهم، إضافةً إلى الانهيار الأمني الذي حدث خلال الشهرين الماضيين، وابتعاد الحكومة عن تحقيق مصالحة وطنية حقيقية. وقال: إن مناطق العراق كلها ملتهبة، "فالأخبار تشير إلى انهيار أمني في أغلب محافظات العراق من الجنوب إلى الشمال، والاعتقالات مستمرة، استباقًا من الحكومة للتوتر الذي تتوقعه في حال كانت أمريكا جادة في انسحابها من المدن". وأضاف أنه "إذا كان الأمريكيون جادين في الانسحاب إلى قواعدهم التي بُنيت وفق منهج إستراتيجي نتيجة الضربات الشديدة للمقاومة العراقية خلال الفترة الماضية، فإنهم سيقفون موقف المتفرج لما سيجري؛ لعلمهم بأنَّ التدهور الأمني سيبلغ أقصى مداه بسبب ضعف الأجهزة الأمنية والجيش الحكومي، وسيعودون بقوة عندما يلمسون أنَّ الحكومةَ التي نصَّبوها لن تتمكَّن من السيطرة على الوضع الأمني وبطلبٍ من الحكومة نفسها". من جانبه قال الباحث العراقي عبد الحسين شعبان: إنَّ هناك عقبات جدية أمام انسحاب فعلي كامل إلى خارج المدن في قواعد خاصة بالقوات الأمريكية، مُرجعًا ذلك إلى أسباب لوجستية وأمنية، مع عدم قدرة القوات العراقية على ضبط الأمن، حتى في وجود القوات الأمريكية. وقال شعبان: إن قوات الاحتلال الأمريكي في العراق تُحاول إعادة انتشار قواتها في قواعد قريبة من المدن، وعدم الظهور في التجمعات الرئيسية والسكانية الكبيرة مثل الأسواق والشوارع المزدحمة، وأشار إلى أنَّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد لا ينفذ ما وعد به في حملته الاتخاتبية الرئاسية من أنه بصدد الانسحاب من العراق في غضون 16 شهرًا؛ حيث ربط أوباما خطة الانسحاب برأي القيادات العسكرية في الميدان. وقال شعبان: إنّ الأمريكيين يعلمون قبل غيرهم أن الجيش العراقي غير مؤهل لكي يواجه التحديات الخارجية، وكذلك التحديات الداخلية. كما أشار إلى التقارير الأمريكية التي تتحدث عن تأهيل 10% فقط من القوات العراقية طيلة السنوات الماضية للاحتلال، مُضيفًا أنَّ هناك أكثر من جهة متنفذة في القوات العسكرية العراقية وولاءات عديدة، فقسم ولاؤهم "لبدر" وآخر "للتيار الصدري" وثالث "للبشمركة" بحسب ما قال شعبان. وذكر: "أن قرار دمج 20% من الصحوات سيكون أيضًا مصدر تنازع وعدم استقرار بالنسبة للقيادات العسكرية العراقية، وأعتقد أن إعادة انتشار القوات الأمريكية سيأخذ وقتًا أكبر مما هو مقدر له". ومن وجهة نظر عسكرية يقول الفريق أول ركن رعد الحمداني القائد السابق في الحرس الجمهوري: إنه من "الممكن أن تنسحب القوات الأمريكية إلى قواعدها، ولكن وحسب الاتفاقية أعتقد أن القوة التي ستنسحب بنسة 70% فقط من القوات الأمريكية، وستبقى نسبة 30% تساند القوات الحكومية". وقال: إن هناك مائة واجب يومي روتيني ومبرمج للقوات الحكومية كواجبات نقاط التفتيش وعمليات المداهمة والاعتقال والبحث عن المطلوبين وغيرها، و70% من هذه الواجبات تشارك فيها قوة من الأمريكيين حسب الحاجة والأهمية. وأضاف أنَّ القواعد الأمريكية ستكون في المدن وفي أطرافها، وأشار إلى أنَّه حسب الاتفاقية فإن القوات الأمريكية مُلزَمة بتقديم الدعم والإسناد للقوات الحكومية في حال الحاجة إليها وخاصةً في الحوادث الكبيرة. ورجح أنْ تكون القوات الأمريكية في حالة مراقبة للوضع من داخل قواعدها، وستلجأ للتدخل في أحداث كبيرة لا تستطيع القوات الحكومية السيطرة عليها.