يدهشنى أن الأزهر حتى الآن لم يبد رأيه فى مسألة عرض فيلم "شفرة دافنشى" الذى وافقت الرقابة على عرضه، وأعتقد أن الواجب يحتم على الأزهر الشريف إبداء رأيه، فهو بحكم طبيعته ودوره التاريخى الأمين على العقائد فى مصر، لا بالنسبة للمسلمين وحدهم، بل للأقباط أيضا، وقد كان لهم رواق فى الأزهر، وكانوا (فى ذمة) الإسلام، أى فى عهده وجواره وحمايته، يبسط لهم ما ضمنه الحديث الشريف "من آذى ذمياً فقد آذانى". والأزهر هو وريث هذا التراث كله والقائم على حماية هذه القيم، والكنيسة الأرثوذكسية عبرت عن انزعاجها من السماح بعرض الفيلم، كما سبق أن أبدت استياءها من الرواية التى استمد منها الفيلم أحداثه والتى تحمل العنوان نفسه "شفرة دافنشى". وقبل هذا فإن الفيلم يناقض صورة المسيح كما يعرفها الإسلام لا كما تعرفها المسيحية فحسب وأحداثه تفترض أن المسيح عليه السلام تزوج من "مريم المجدلية"، وأن السلالة التى نتجت من هذا الزواج ما زالت تعيش إلى اليوم، وهو كلام يبقى الأزهر مدعواً إلى إبداء رأيه فيه، حيث إن المعلوم من الإسلام أن المسيح عليه السلام لم يتزوج حتى خاطبه الله عز وجل قائلاً "إنى متوفيك ورافعك إلى"، أى حتى نهاية حياته على الأرض، ولو كان قد تزوج لأشار القرآن إلى هذا، خاصة وأن الزواج قد أثمر ذرية وسلالة، وهو مبحث حرى بالأزهر، وهو الهيئة العلمية الإسلامية رفيعة المقام، أن يدلى فيه بدلوه. وإذا كانت المسألة من الناحية التاريخية وبمعيار العلم ليست إلا افتئاتاً وافتراء على سيرة المسيح عليه السلام، فالأزهر مدعو إلى كشف المفتريات عن رسول كريم هو عيسى عليه السلام، كلمة الله التى ألقاها إلى مريم الصديقة البتول رسول قال خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم إنه أولى الناس به، لأنه ليس بينهما نبى. فنبى الإسلام أولى الناس بالمسيح، والمسلمون أولى الناس بما تولاه نبيهم، والأزهر أرفع هيئة علمية إسلامية أولى من يتولى ما تولاه المسلمون، وعلى هذا فالأزهر أولى بعيسى بن مريم عليه السلام وأحق بالدفاع عنه وكشف ما تردد حول سيرته من ظنون. وأؤكد أننى من حيث المبدأ أقف مع حرية الإبداع، بمعنى أن كل مبدع حر فى تقديم ما يريد، والناس أيضاً أحرار فى تلقى ما يشاءون. وإذا كانت حرية المبدع فى إبداع عمله الفنى مسألة مبدأ، فإن قدرته على توصيل هذا العمل إلى الناس هى مسألة واقع، واقع تحكمه العوامل الاقتصادية، إذ لا بد من وجود تمويل كاف إنجاز الفيلم أو الكتاب أو اللوحة، وواقعياً فإن هذا التمويل يتدخل فى الأغلب الأعم من الحالات ويعمل على "توجيه" الإبداع، أى جعله "يلتفت" إلى وجهته، وهناك أيضاً العوامل السياسية، والقانونية، والأمنية، وكلها عواما تقضم أطرافاً من "كعكة" حرية الإبداع، التى يمكن تصورها تامة كاملة الاستدارة بعين الخيال، لكن الواقع يطرحها باستمرار وفيها نقص. وفى مصر هناك عملياً جهة مهمتها الرقابة على الأفلام التى يصرح بإنتاجها، والتى يصرح بعرضها أيضاً، وهناك هيئة علمية أعطاها القانون حق إبداء الرأى، هى "الأزهر الشريف"، ورأيه له قوة إلزامية كبيرة، بحكم الثقل الأدبى الكبير الذى يمثله الأزهر. والحال كذلك فإن الأزهر مدعو إلى إبداء رأيه فى فيلم "شفرة دافنشى" باعتبار أن الفيلم يمس شأناً إسلامياً، مرة بالنظر إلى ما يذكره عن سيرة المسيح، ومرة لأنه يؤذى الأقباط. ولا يقولن أحد إن هناك بعض الهيئات المنتسبة للمسيحية فى مصر كرمت فنانين ومبدعين عن أعمال كان للهيئات الإسلامية فيها رأى سلبى، لا يقولن أحد هذا، أولاً لأن الأمر فى هذه المرة أيضاً يتعلق بشأن إسلامى، هو سيرة المسيح عليه السلام، وثانياً لأن من حق كل هيئة أن تعبر عن رأيها وأن ترضى بالمنزلة التى يضعها فيها هذا الرأى، فإذا كانت هناك هيئات لم تغضب لابتذال الفضائل مثلاً فهذا رأيها وحجمها وقَدْرُها أما الأزهر فقدره يلزمه بحماية العقائد، وحراسة الفضائل، ولهذا كنت ومازلت مدهوشاً من صمته وعدم إبداء رأيه فى عرض فيلم "شفرة دافنشى". [email protected]