هذا أسوأ وأردأ مسلسل يتابعه الجمهور، فقد خصصت الفضائيات الحكومية والخاصة أوقات وبرامجًا لمتابعة الخلاف بين مقدم البرامج الرياضية أحمد شوبير والمستشار مرتضى منصور أكثر مما خصصت وتحدثت عن استفزازات إسرائيل في القدس ومحاولات تهويدها وطمس هويتها العربية والإسلامية. وأكثر مما خصصت للحديث عن قضايا داخلية ملحة وعاجلة مثل قضايا الأجور والغلاء واعتصامات البؤساء على رصيف مجلس الشعب للمطالبة بتعديل رواتبهم التي لا تزيد عن مائة جنيه شهريًا. ولا أدري حقيقة ما هو سر قوة أحمد شوبير وما هي قيمته التأثيرية في المجتمع، وما هو سبب الاهتمام بمرتضى منصور واستضافته في كل الفضائيات، وما الذي يدعو أحد شيوخ الدين إلى أن يعرض وساطة على الهواء وأن يدخل في دائرة شائكة من الاتهامات المتبادلة التي تتعلق بالشرف والكرامة وتشمل قضايا عديدة للسب والقذف. وإذا كان هذا الشيخ يبحث عن عمل صالح لوساطة خير ومصالحة فلماذا لم تكن في جلسة خاصة بعيدا عن الأضواء والإعلام والمزايدات..! إننا أمام مسلسل سخيف تافه لا قيمة له صنعه الإعلام بلا هدف ولا رسالة ولا احترام للناس ومشاعرهم وهمومهم واهتماماتهم التي بالتأكيد لا تنصب على شوبير ومرتضى لأن هناك شعورًَا عامًا بين الناس بأن ما يحدث هو نوع من معارك تكسير العظام بين الحيتان التي لها معاركها الخاصة والتي لا علاقة للناس بها. فنحن أمام إعلام جديد يتسم بالشللية والمصالح، وهو إعلام يجعل الصغار نجومًا، ويصنع من المغمورين وأنصاف المثقفين والمتعلمين قادة للرأي، ويفرض على المجتمع ثقافة جديدة متدنية تشيد بأبو الليف وتمجد شعبان عبد الرحيم وتهتف لمشبوهين وتجار اللحوم البيضاء وترفع هذا وتسقط ذاك بنوع من المزاجية والتقلب ودون أي معايير. وكان غريبًا أن تستمر حالة الفوضى وقتًا طويلاً دون أن تسترعي انتباه مجلس الشعب أو مجلس الشورى، إلى أن كانت حلقة "مصر النهادرة" التي جذبت الانتباه بما ورد فيها من عبارات خارجة على الآداب العامة في الحلقة التي كانت بهدف إجراء مصالحة بين مرتضى وشوبير. وجاءت مناقشات مجلس الشورى لتؤكد أن الإنفلات قد وصل إلى أقصاه وأنه لم تعد هناك معايير ولا سياسات إعلامية واضحة ولا حتى وزيرًا للإعلام..! ولم يرضى مرتضى منصور بالطبع بأن يناقش مجلس الشورى تجاوزاته وألفاظه المؤذية، فشن هجومًا مضادًا لفتح جبهة أخرى حين حاول في حديث تلفزيوني مع "القاهرة اليوم" أن يقول أن مناقشات مجلس الشورى ربما كان الهدف منها وزير الإعلام أو أنها تتم لأن ابن رئيس مجلس الشورى صديق لأحمد شوبير..! والكلام والتلميحات والاتهامات دليل آخر على مناخ مليء بالسموم يستطيع فيه كل من يظهر في برنامج أو يملك قلمًا أن يصيب الجميع بالطلقات في أي لحظة وفي أي مكان، مما يجعل الجميع يفضلون التواري خوفًا واحترامًا لأنفسهم، ومما يسفح المجال تمامًا الآن في هذه المرحلة لأصحاب الحناجر المرتفعة، وأصحاب العلاقات المتشعبة، وهذه هي المشكلة الحقيقية للمجتمع الآن.. فقد توارى أصحاب الخبرة والكفاءات.. وأصبح المجال مفتوحًا على مصراعيه لنوعيات جديدة تستأثر بالنجومية والانتشار والثروة وتفعل ما يحلو لها.. ولا عزاء لمجتمع أصبح عاجزًا في مواجهة هؤلاء..! [email protected]