ظلت الأقصر عبارة عن مدينة مميزة تابعة لمحافظة قنا حتى صدور القرار الجمهوري رقم 378 لسنة 2009، فأصبحت محافظة مستقلة في 9 ديسمبر من تلك السنة، تبلغ مساحتها 2959.6كم2، في حين يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 2012 حوالي300 ألف نسمة، يعيشون على 714.3 كم2 من المساحة المذكورة سابقًا، تبعد الأقصر عن العاصمة المصرية حوالي 670 كم، وتضم خمسة مراكز رئيسية، أرمنت واسنا والطود والزينية والقرنة والبياضية، فضلًا عن مدينة الأقصر، غالبية سكانها قبائل عربية صرفة، وتعيش بينهم أقلية قبطية مميزة، يعيشون في ود وتسامح بصورة تصلح أن تكون نموذجًا عبر أنحاء الجمهورية. وكانت المحافظة من أولى محافظات الصعيد مشاركة في الثورة المصرية، وتأييدًا لها، غير أنها بالرغم من ضخها للوطن معظم دخل السياحة من العملة الصعبة، إلا أنها كانت من أكثر المحافظات تهميشًا وفقرًا، بعيدًا عن الحزام الأثري والسياحي الذي لا يتعدى مساحته أكثر من 5كم مضروبة في 10 كم، شرق النيل وغربه. وباعتباري ابنًا لهذه المحافظة أدرك تمامًا أن الحديث عنها يحتاج لعشرات الكتب والمقالات، لكن ما يعنينا في هذا المقام أنه منذ إعلان اسم محافظ الأقصر الجديد، عادل أسعد الخياط، ولم تنته تداعيات هذا التعيين بعد، فلم تأت ردود الفعل على هذا التعيين في سياق الاحتجاجات والرفض لحركة المحافظين الأخيرة فقط، بل تم التركيز على المحافظة داخليًا وخارجيًا، كما لو كانت الأقصر مستعمرة لا تملك من أمرها شيئًا، وأن قوى خارجية تحرك الأمور داخلها كما تريد وتبغي بل إن ردود فعل المنتفعين من السياحة والعاملين بها في القاهرة وأسوان، خرجت هي أيضًا لتحتج ضد هذه التعيين وتنتفض أمام مبنى السياحة في العباسية، شملت هذا التداعيات تقديم وزير السياحة استقالته وإصراره عليها، وصاحبتها ردود فعل دولية وغربية، وتم إلغاء حجوزات سياحية كثيرة، ومنعت معظم المنح الخارجية والمساعدات، بصورة تجعلك تتأكد تمامًا بأن أهالي الأقصر ليس لهم من الأمر في بلدهم شيء، وأن أمور المحافظة تحركها أيدٍ خارجية وداخلية، وأنها عبارة عن مستعمرة مرهون أمرها برضاء أطراف القوى المستعمرة للحزام الأثري والسياحي، بالطبع نحن ندرك قيمة المدينة تاريخيًا وأثريًا وسياحيًا على المستوى العالمي، لكن نسيان أن في الأقصر شعب من حقه أن يستفيد من محافظ، يهتم بأموره وأحواله مثلما يهتم بمصالح القوى المسيطرة على السياحة ومستلزماتها هو الذي نستهجنه ونستنكره، صحيح أن قطاعًا من أهالي الأقصر خرجوا رافضين للمحافظ الجديد خوفًا من انتماءاته الأيديولوجية، كما لو كان سيغلق أبواب السياحة والرزق بمجرد تسلمه لمهام وظيفته، إلا أن الصحيح أيضًا أن هذا القطاع نظر لانتمائه الفكري والعقدي، دون النظر لسجل أعماله وملف إنجازاته في العمل المحلي من قبل. ثلاثة سيناريوهات لا رابع لها وراء هذا التعيين: السيناريو الأول، أن من اختاره كان يقصد التداعيات الجارية الآن، وأن له أهدافًا خبيثة من وراء اختياره لهذه المحافظة تحديدًا، وإلا لكان قد ولاه مقاليد أي محافظة أخرى، ربما كان هدفه ضرب العلاقة بين حزب البناء والتنمية، وحزب الحرية والعدالة، تحت حجة أن الحكومة والإخوان لم يدافعوا عن اختياراتهم، ووضعوهم في حرب مع الشارع الأقصري والسياحي، ليجبروهم على الزهد في أي مناصب في المستقبل. السيناريو الثاني، أن سيرة الرجل الإدراية جيدة، وبحكم أنه من أبناء الصعيد، سوهاج، وعمل في قناوالأقصر قبل اختياره محافظًا، فإنه يعرف احتياجات المنطقة والأهالي أكثر من أي شخص آخر، ومن ثم فإن اختياره كان مقصودًا لكشف الفساد القائم في عاصمة السياحة الأولى في العالم، بهدف القضاء على المافيا المتحكمة هناك، وخدمة أهالي المحافظة بجانب الاهتمام البديهي بالسياحة. السيناريو الثالث، أن انتماء المحافظ الفكري يصب في صالح التيار الإسلامي المتهم دومًا بالإرهاب، ليقول بأن الجماعة الإسلامية التي ينتمي لها الرجل قد غيرت من أيديولوجيتها بالفعل، ولديها استعداد لتحمل محافظة سياحية كبيرة بحجم الأقصر، وأن مواقفهم من السياحة قد تغير للأبد، السؤال الأهم هل المحافظ الجديد يملك التأثير على الآثار والسياحة، ويملك إغلاق أي معبد أو تغطية أي تمثال وخلافه؟ وهل لديه من القوانين والتشريعات والصلاحيات ما تجعله يتحكم في المحافظة بمجرد قدومه؟ أم أن السياحة والآثار لديها من الإدارات والهيئات ما يكفل لها الاستمرارية في استقلال إدارتها بنفسها، ولا شأن للمحافظ بها، إلا في تذليل المعوقات التي تعترض طريقها؟ ما حدث من احتجاجات دولية على التعيين الجديد، ومن استهجان الصحافة الغربية لهذا الأمر، ومن تذكية للاحتجاجات ضد الرجل ومنعه من تسلم مهام وظيفته، تشعرك بأن محافظ الأقصر المستقبلي، لابد ألا تكون له علاقه بأبناء المحافظة ممن لا يعملون بالسياحة، وأن يخضع للمافيا الخارجية والداخلية المتحكمة في المدينة، ولابد أن يكون بجانب ذلك منحلًا ومتهتكًا، وفي سجله ما يسمح بقبول ما هو مفروض من شروط معروفة وتوازنات، بالفعل يشعر الكثير من أبناء الأقصر بأن محافظتهم عبارة عن مستعمرة ليس لهم من أمرها شيء، وأن أمورهم مرتهنة بأيدي غيرهم، فمتى يتحقق أمل الأهالي في استقلال حقيقي عن المستعمرين القدامى والمحدثين؟ ومتى يتخلصون من هؤلاء الذين رهنوا أمر المحافظة بأيديهم، ولم يسمحوا للأهالي بالاستفادة من إمكانيات بلدهم إلا بالقدر المسموح من قبلهم؟ د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة. Ahmedabdeldaim210@hotmail,com