في العاصمة البريطانية لندن كان هناك أشخاص من الجماعات الدينية المتشددة مثيرون للتوتر ودائمي الحضور الإعلامي الهائج والجارح والمستبيح لنظم الحكم في بلادهم التي خرجوا منها لاجئين إلى بريطانيا ، كثير منهم لم يحصل على اللجوء ، وبعضهم أصدر وزير الداخلية البريطاني قرارا بإبعادهم عن البلاد ، فما الذي حدث ، تقدم هؤلاء بطعن على القرار أمام القضاء البريطاني ، وبعد عدة أشهر من تداول أمرهم حكم القضاء ببطلان قرار وزير الداخلية القاضي بإبعادهم ، فقامت الوزارة باللجوء إلى القضاء من جديد ، وهكذا تم تداول هذه المشكلات لمدد تصل إلى خمس سنوات أو أكثر ، ولم تستطع الحكومة البريطانية إبعاد هؤلاء الذين تعتبرهم "مشاغبين" عن البلاد ، خسر وزير الداخلية البريطاني قضيته ، ولكن بريطانيا ربحت احترام العالم كله ، ونظر لها خصومها قبل مؤيديها بوصفها دولة عظيمة ، رغم شيخوختها ، ودولة مؤسسات ودولة قانون ودولة حقوق الإنسان ، أسوق هذه الواقعة لأذكر أهلنا في الكويت ، وفي مقدمتهم صاحب السمو الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت ، بأهمية وضرورة إصدار توجيهاته الإنسانية العاجلة بوقف عملية ترحيل من تم توقيفهم من المواطنين المصريين العاملين في الكويت والمؤيدين للدكتور محمد البرادعي ، وأن يصدر بحسه الإنساني الذي تعودناه أوامره "الإنسانية" بالسماح لمن تم ترحيلهم على تلك الخلفية بحق العودة إلى الكويت من جديد وتوجيه سفارة دولة الكويت الشقيقة في القاهرة بتلك التوجيهات ، أنا لا أتحدث من موقف مؤيد أبدا للسلوك السياسي لهؤلاء المواطنين المؤيد للبرادعي أو غيره ، ذلك حقهم واختيارهم ، كما لا أنكر على الحكومة الكويتية توقيفهم لمخالفات إدارية أو قانونية ، فهذا حقها كما هو حق أي حكومة أخرى لها سيادتها على أراضيها ، ولكني أتحدث من بعد إنساني وأخلاقي ، ومن عشم الأخوة وروابط التاريخ ، كان بالإمكان توجيه أي عقوبة بديلة مخففة دون ترحيلهم إلى بلادهم وقطع أرزاقهم أو أسبابها التي وجدوها في "وطنهم" الثاني الكويت ، هذه عقوبة شديدة القسوة على الإنسان ، وهي عقوبة تلحق بأهلهم وأطفالهم والتزاماتهم وأحيانا ديونهم وتدمر حياة بعضهم ممن له أبناء في سلك التعليم ونحو ذلك ، كان من الممكن أن توجه إليهم التحذيرات المشددة بعدم الخروج على النظم المرعية في البلاد أو إحراج الدولة مع حكومة صديقة للحكومة الكويتية مثلا ، وكان يمكن توقيفهم أياما للتحقيق ، لكن أن يتم التعامل معهم بكل هذه القسوة وقطع أرزاقهم لمجرد أنهم التقوا في مقهى أو غيره تأييدا لمرشح معارض في بلادهم ، فهذا ما لا أظن أنه يرضي أحدا ، وأثق أنه لن يرضي صاحب السمو الأمير صباح الأحمد الجابر ، وهو الرجل الذي تسامح حتى مع بعض من أضروا بالكويت أثناء غزو قوات صدام لها ، ترفعا عن الأحقاد ، فكيف بهؤلاء الأبرياء الذين كان كل ذنبهم أنهم تفاعلوا مع التطورات السياسية في بلادهم ، يا سمو الأمير إن برلمان مصر ناقش هذا الأسبوع حق المغتربين المصريين في أن يشاركوا في التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة ووافقت إحدى لجان البرلمان من حيث المبدأ على الاقتراح ، فكيف يشاركون في التصويت دون أن يكون لهم تشاور وتحاور وموقف ، إنهم لم يرتكبوا في ذلك جريمة ، بل ظنوا أنهم يمارسون حقهم ، كما أن أجواء الحرية والانفتاح السياسي والإعلامي في الكويت الذي ترعاه وتدعمه سموكم بكل تأكيد شجعهم على التفاعل مع قضايا بلادهم ، وهذا يحسب للكويت وأميرها وحكومتها وانفتاحها السياسي بدون شك ، يا سمو الأمير أناشدك الله أن تأمر بإعادة النظر في هذا القرار القاسي ، وأن "تطبب" تلك النفوس الحزينة المنكسرة والتي أخذت على غرة لم تتوقعها أبدا ، وحتى إن كان لبعضهم مشكلات في نظم الإقامة أن يمنحوا مساحة وقت لتصحيح أوضاعهم ، يا سمو الأمير ، إن أمرك بإعادة النظر في القرار وإلغاء ما ترتب عليه ، من شأنه أن يعلي من مكانة الكويت وحكومتها وشعبها في نفوس ملايين المصريين ، وهم الأبقى لأشقائهم في الكويت من أي حكومة مصرية سابقة أو حالية ، بل ويكبر الكويت في عيون العالم كله ، يا سمو الأمير أخشى أن تكون تلك الواقعة "بؤرة مرارة" يتوارثها إخوانكم في مصر بعد تغير الأيام وتداول الدول ، فتفخخ علاقات الشعبين الشقيقين بدون داع ، يا سو الأمير : الله الله في هؤلاء الأبرياء الشرفاء . [email protected]