"البهاريون" كلمة قد يستغربها القارئ، فهم غير "البهائيين" الذين هم أتباع ديانة مبتدعة منحرفة تناقض عقيدة المسلمين بختم الرسالة، وهم كذلك غير "البهرة" الذين هم من تجار الهند الأثرياء ويتبعون أحد المذاهب الشيعية الباطنية، ولهم تواجد تجاري بارز في شرق إفريقيا وبعض دول الخليج. أما البهاريون هؤلاء فلهم قصة مأساوية دامية، بدأت عندما استقلت شبه القارة الهندية عن بريطانيا عام 1947، يوم توصلت نتيجة الاستفتاء إلى الفصل بين المسلمين والهندوس في دولتين مستقلتين، الهندوس في الدولة الكبرى "الهند"، وفيهم بالطبع أقلية كبيرة من المسلمين الذين لم يسمح وضعهم الجغرافي والاقتصادي بالالتحاق بالكيان المسلم الجديد "باكستان" والتي اجتمع فيها معظم مسلمي الهند، ولكن طبيعة التوزيع الجغرافي لتجمعات المسلمين الكبرى؛ أدت إلى انقسام هذا الكيان الناشئ جغرافيًا إلى إقليمين، سُمّيَا باكستانالغربيةوباكستانالشرقية؛ وتفصل بينهما الهند (الدولة العدو)، وعاش الإقليمان لربع قرن في كيان سياسي واحد هو "باكستان"، التي قامت على أساس إسلامي؛ ولكن هذا الوضع لم يكن يملك بالطبع المقومات السياسية للبقاء والاستمرار والاستقرار، حيث كان الوضعُ شبيهًا بفترة "الجمهورية العربية المتحدة"؛ التي جمعت "مصر" و"سوريا" في كيانٍ واحد، رغم كونهما إقليمين جغرافيين منفصلين، ويقع بينهما كيانٌ معادٍ هو الكيان الصهيوني. ونظرًا لأن الكيان الشرقي كان الأضعف اقتصاديًا وعسكريًا، وكانت نسبة الأغلبية المسلمة أقل (نظرًا لوجود أقلية كبيرة من الهندوس والسيخ والبوذيين)، فقد عملت الهند على استهدافه تمامًا؛ واحتضنت طائفة من مثقفيه العلمانيين (خاصة اليساريين)، وبخطة صبورة ومحكمة وطويلة المدى، استطاعت تأليب بعض القيادات العسكرية والسياسية والثقافية على باكستان "الأم"، حتى وقع انقلاب "مجيب الرحمن" عام 1972 على يد حزب عوامي (الشعب) اليساري؛ المطالب بالاستقلال عن باكستان وإعلان دولة "بنجلاديش". وبالطبع، تحركت قوات الجيش الباكستاني لحماية إقليم من دولتها يتعرض لحركة انفصالية، ودارت حربٌ حامية الوطيس، ما كان لبنجلاديش قط أن تنتصر فيها وفق المقاييس العسكرية؛ لولا التدخل الصريح للجيش الهندي الذي تدخل بموجب نداء نُصرة واستغاثة من قادة الانقلاب الجديد، باعتباره كيانًا مستقلًا وليس إقليمًا متمردًا، وهكذا نشأت دولة "بنجلاديش". نسينا البهاريين (كما نساهم العالم)، البهاريون كانوا من أصول باكستانية انتقلوا أثناء فترة الوحدة كمواطنين للعيش في جزء من بلادهم (أصبح لاحقًا بنجلاديش)، وعندما وقعت الحركة الانفصالية كانوا (وغيرهم الكثيرون) من مناوئي الانفصال الداعمين للوحدة والشرعية ولباكستان، باعتبارها الكيان الواحد الذي يضم الجميع، ولكن جرت الرياح بما لم تشتهِ سُفنُهُم، وآلت الأمور للانفصال والاستقلال، فإلام إذن آلت أمور هؤلاء البهاريين (الوحدويين)؟ في ظل صمتٍ وتعتيمٍ عالميين تعرض البهاريون لواحدة من أكبر مآسي التاريخ في التطهير العرقي والعقاب الجماعي، اتهام بالجاسوسية والخيانة العظمى؛ إعدام على الهوية؛ مصادرة الأموال والممتلكات؛ تهجير قسري؛ سجن وتعذيب وهتك عرض؛ حرمان من جميع حقوق المواطنة كالتعليم والتوظيف والحصول على وثائق رسمية؛ إذلال واستعباد لهم في ديارهم وبلادهم. سنوات طويلة جدًا استمر فيها هذا الصمت عن مأساة البهاريين، عندما كانت الهند لاعبًا مهمًا على ساحة السياسة الدولية خلال الحرب الباردة، وبعد عقود انكشفت حقيقة المجازر والمصادرات والاستعباد، وعندما واجه العالم "بنجلاديش" بهذه الحقائق المخيفة، ردت بمنتهى البساطة: "هؤلاء ليسوا مواطنين بنجاليين بل لاجئين باكستانيين وليس لهم حقوقٌ عندنا.. وإذا كانت باكستان تريدهم فلتأخذهم.. ولكن بنجلاديش لن تسهم بدولارٍ واحد في نفقات ترحيلهم". كان هذا الرد بمثابة العقدة في المنشار، وبدأت الجهود الدولية لمناصرة البهاريين المضطهدين تيأس وتتراجع رويدًا رويدًا، حتى اقتصر الأمر على بعض المنظمات الإسلامية الخيرية التي لا تزال تتسول لصندوق خُصص (لأملٍ) يتطلعون إليه لإنقاذ عشرات الألوف من البهاريين المشردين، ومساعدة باكستان على إيوائهم لتخليصهم من ذُل العبودية. وحيث إن المتمردين في مصر يدقون الآن طبول الحرب الأهلية، ويسعون للانقلاب على الشرعية، وقد بدت البغضاءُ من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، فإنني أحذر الإسلاميين بكل تياراتهم ومختلف أطيافهم؛ بأن هذا السيناريو الأحمق يُنذرهم بمستقبلٍ مشئوم، فهؤلاء القوم لا يرقبون في مؤمنٍ إلاً ولا ذمة، وهاهم يشحذون أسنانهم ومخالبهم للفتك بكل إسلامي (شخصٍ أو فكرٍ أو مظهر)، ولهم في القضاء والشرطة والإعلام شرُ معينٍ وظهير. أنا لستُ خائفًا قط على الشرعية، ولا على رئيسنا المنتخب، ولا على مسيرة الثورة باتجاه التطهير والتنمية، وواثقٌ بأن الشعب المصري الأبي؛ سيدحرُ البغاة بإذن الله، ولكنني خائفٌ في المقام الأول على مصرنا الحبيبة مما يخططه لها هؤلاء الانقلابيون من تدمير وتخريب؛ وخائفٌ كذلك على بعض المُضللين؛ الذين غررت بهم الوعود الزائفة بنصيبهم من الكعكة حال تأييدهم للانقلاب، أو أدى بهم نفاد صبرهم من تحقيق توقعاتهم على يد أشقائهم الإسلاميين؛ إلى إلقاء أنفسهم في خندق أعداء الشرعية كالمستجير من الرمضاء بالنار. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.