رُبّما شكَّل قرار وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات مالية على الدكتور مثنى حارث الضاري مفاجأةً في هذا التوقيت مع ظهور نتائج الانتخابات العراقية، لا سيَّما أنه قرار يتجاوز الحيثيات التقليدية المتعلّقة باستهداف الرجل ماليًّا، وهو الذي لا يملك الكثير من الأصول التي يمكن الحجزُ عليها، اللهم إلا إذا قرّروا الحجز على بيته، وربما على بيت أبيه في بغداد. مثنى الضاري هو المسئول الإعلامي في هيئة علماء المسلمين، وما قاله الأمريكان حول علاقته بالقاعدة كمبرّر لاستهدافه ليس صحيحًا بحال، بل إنه لم يسلم، لا هو ولا والده من هجمات التنظيم الإعلامية، وإن تراجع ذلك بعض الشيء خلال الأعوام الأخيرة بسبب أولويات القاعدة في الساحة العراقية. للأمريكان ثأر وأي ثأر مع الشيخ حارث الضاري، وهيئة علماء المسلمين، وبالضرورة الدكتور مثنى كصوت إعلامي مهم للخط الذي تمثّله، ولذلك جملة من الأسباب التي لا تخفى على المراقبين، لعل أولها من دون شك هو تبنِّي خيار المقاومة الذي يثير انزعاج الولاياتالمتحدة إلى حدّ كبير، وهو الذي فرض عليها الفشل والتراجع، مع العلم أن إحياء المقاومة لا زال هاجسًا للقيادة الأمريكية التي تحتفل بتراجع خسائرها في العراق، وتسعى إلى لجم أية أصوات تدفع في اتجاه عودة المقاومة، أو تصعيدها من جديد. والحق أن الهيئة هي الصوت الأصيل للمقاومة، من دون إنكار حقيقة تراجع فعلها (أعني المقاومة) خلال العامين الأخيرين، ليس فقط الكتائب والمجاميع التي خوّلت الشيخ حارث الضاري النطق باسمها، ولكن أيضًا المجموعات التي تنضوي تحت ما يسمى المجلس السياسي للمقاومة، حتى أن الجيش الإسلامي الذي كان الأكثر نشاطًا في ميدان المقاومة خلال الأعوام الأولى لم يعد له وجود يذكر بعد توزع عناصره بين الصحوات وأحزاب وقوائم العملية السياسية (التراجع يشمل نشاط القاعدة أيضًا). لا خلاف على أن غياب الدعم والإسناد الخارجي للمقاومة كان سببًا أساسيًّا في تراجعها، لكن ظاهرة الصحوات كانت بالغة التأثير أيضًا، لا سيَّما إثر انحياز قطاع كبير من العرب السنة (حاضني المقاومة) إلى العملية السياسية رغم أنها لم تعطهم الكثير، وها هم يغيّرون البوصلة من جبهة التوافق التي أثبتت فشلها الذريع في حمايتهم من الاستهداف والتهميش، إلى قائمة إياد علاوي التي فازت بالمرتبة الأولى من دون أن يكون بمقدورها فعل الكثير في مواجهة السيطرة الواسعة للقوى الشيعية على القرار السياسي، والأهم على الجيش والأجهزة الأمنية. إلى الإصرار على مسار المقاومة، تضيف هيئة علماء المسلمين، وشيخها والناطق الأكثر بلاغة باسمها (الدكتور مثنى)، تضيف رفضًا للعملية السياسية ومخرجاتها، تلك التي لم تعطِ العراق سوى الطائفية والبؤس بكل تجلياته، وهو رفض لم يتوقف إلى الآن، ويبدو أنه سيواصل تأثيره في الساحة ما دام الاستقرار بعيد المنال في ظل المواقف الإيرانية مقابل ضعف الموقف العربي من جهة، وفي ظل إصرار بعض القوى الشيعية على المضيّ في برنامج الهيمنة الطائفية من دون النظر إلى مصالح الوطن واستقراره من جهة أخرى. من أجل ذلك كله لم يكن غريبًا أن يلاحق الأمريكان مثنى الضاري، بينما يتخصص أذنابهم في الساحة العراقية في استهداف الهيئة وشيخها، بل ومعظم القريبين منها، وفيما يرى بعض قصار النظر أن انحياز الناس إلى العملية السياسية ومشاركتهم الواسعة في الانتخابات قد جاء تأكيدًا على خطأ المسار الذي خَطَتْه الهيئة، فإن واقع الحال لا زال يؤكد أن كل المصائب القائمة إنما هي نتاجُ أخطاء الحزب الإسلامي ومن داروا في فلكه، بدليل معاقبة العرب السنة لهم. ولولا سلوك هؤلاء لما كان بوسع الأمريكان أن يفرضوا المسار الذي فرضوه، ولكان بوسع المقاومة أن تفرض رؤيتَها وبرنامجها. خلاصة القول هي أن مثنى الضاري يدفع ثمن مواقفه، وما جرى دليل على صواب مساره، ولن يختلف مع ذلك سوى أولئك الذين يعتقدون أن واشنطن تبحث حقا عن مصالح العراقيين، ومن ضمنهم العرب السنة. المصدر: الإسلام اليوم