لم أشعر بالراحة من التوصيات التي تمخضت عن لقاء عدد من الأحزاب الإسلامية قبل يومين والذي انتهى إلى ضرورة النزول في الشوارع قبل أسبوع أو عشرة أيام من مظاهرات للمعارضة آخر الشهر، بطبيعة الحال لا أحد يصادر على حق أي قوة سياسية في أن تحتج وتتظاهر، وكلي أمل أن يلتزم الجميع بالسلمية في تلك التظاهرات، رغم أننا في كل مرة نجد أننا أمام عنف واشتباكات ودم أحيانًا، وذلك نظرًا لأن الواقع ما زال في توابع التوتر الذي يصاحب ثورة كبيرة بحجم ثورة يناير، أقول، لا يمكن أن نصادر على حق الأحزاب الإسلامية في التظاهر، ولكن اللحظة الحالية التي نحياها في مصر تحتاج لما هو أهم وأولى من استعراضات القوة في الشوارع، فتظاهرات الإسلاميين تهدف بوضوح كامل إلى إظهار عضلات شعبية أكثر من هدف الاحتجاج على دعوات بعض الأحزاب إلى إسقاط الرئيس محمد مرسي، وما زلت على قناعتي بأهمية وضرورة أن يكمل أول رئيس منتخب مدته الرئاسية لأن هذا في حد ذاته مكسب للثورة، رغم فجيعتنا في طريقة إدارة الرئيس لتلك المرحلة الحرجة، مع الضغط عليه من أجل تصحيح المسار والالتزام باحترام الشرعية ووقف تغول جماعته على أجهزة الدولة ومؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، أما الدعوة لإسقاطه بعد عام واحد ففي اعتقادي أن ذلك يضر بالمسار الديمقراطي والثقافة الجديدة التي نريد أن تترسخ في مصر بعد ثورة يناير. كنت أتمنى أن يكون هناك دور للأحزاب الإسلامية في تفكيك حالة العنف وتخفيف الاحتقان بجهد دؤوب ومخلص في التواصل مع كل الكتل السياسية في السلطة والمعارضة، وأن تبحث عن قواسم مشتركة ولو قليلة، وأن تطرح مبادرات الحلول الوسط لنزع فتيل المواجهة التي يحشد لها الطرفان بدلًا من أن ينحصر دورها في سكب المزيد من البنزين على الحريق، نحن نلوم على الإخوان وعلى الرئيس العجز التام عن تقديم أي مبادرات حقيقية والتحجر التام أمام الغضب المتنامي في الشارع والانصراف إلى الاستعداد للمواجهات والحشد للعنف المتوقع، وتلك ليست طريقة "المسؤولين" عن إدارة دولة ووطن، وهنا يكون دور الأحزاب الإسلامية التي ينظر لها العالم كله بحساسية شديدة وينظر كيف تتصرف في أول تجربة ديمقراطية تشارك فيها، هل يتصرفون بإحساس عالٍ من المسؤولية أم ينسحبون من جديد إلى غواية العنف والصدامات، لأن من يتهور في تلك المواجهات ستكون عواقب تهوره أكثر خطورة في الشأن الإقليمي والدولي، وهذا ما يستدعي من الأحزاب الإسلامية أن يكون نشاطها وجهدها أكثر عمقًا وجدية ومشبعًا بالعقلانية السياسية، مسألة الاصطفاف "القبائلي" تضر كثيرًا بصورة الأحزاب الإسلامية، أتمنى أن تتحمل تلك الأحزاب مسؤوليتها خلال الأوقات الحرجة كالتي نعيشها الآن، وتقوم بدور حقيقي وجاد ومسؤول لكسر الجمود والتصلب السياسي بين الإخوان وأحزاب المعارضة، وأتمنى أن تكون هناك مبادرات جماعية من الأحزاب الإسلامية الرئيسية مثل مصر القوية والنور والبناء والتنمية والوسط والوطن تضغط على الطرفين لوقف هذا الاستقطاب الحاد والمشحون بالعنف والكراهية وتطرح مبادرات من نقاط محددة تدعو الطرفين للالتزام بها وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم، لا يصح أن ينحصر دور بعض الأحزاب الإسلامية فيما يشبه مقاولي أنفار لمواجهات الشوارع القبائلية، كما لا يكفي البعض الآخر الإعلان عن الامتناع عن النزول حقنًا للدماء، وهو موقف جيد ومسؤول، ولكن الوطن يحتاج إلى جهد آخر، جهد أكبر، أعتقد أن الوقت لم يفلت من الجميع، وإن كان يضيق ويزيد الأمور توترًا وينشر الهواجس ويعمق مشاعر الكراهية والشحن النفسي الخطير، فأتمنى أن أسمع عن نشاط مكثف للأحزاب الإسلامية خلال الأيام بل الساعات المقبلة، يتمخض عن مبادرات وطنية شجاعة للبحث عن مخرج من هذا الانسداد الخطير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.