ما حدث أمام وزارة الثقافة أول أمس والدماء التي سالت هو مجرد بروفة صغيرة لما يمكن أن يحدث مستقبلًا، سواء في 30 يونيه أو بعده أو قبله، مصر الآن في حالة التحضير للحرب الأهلية وكل الأطراف مشحونة بما يكفي للانفجار في الطرف الآخر، والخاسر هو مصر والمهزوم هو ثورتها، من المسؤول ومن المخطئ ومن الذي يتحمل مسؤولية ما انتهى إليه حال الثورة؟ أخشى أن يكون ذلك الكلام قد فات أوانه، وأشبه بالتحليلات التاريخية لأحداث مضت، ولكني لا أستطيع أن أخفي استعجابي الشديد من حديث رئيس الجمهورية عن المصالحة الوطنية ودعوة الرئاسة مجددًا للحوار الوطني، أعتقد أن هذا الكلام هو نوع من الاستهزاء بالوضع كله، ويبدو أن رئاسة الجمهورية لديها مخزون زائد من الشاي والسكر وتفكر في تصريفه في لقاءات أخرى للدردشة لن يحضرها إلا من حضروا سابقًا من الموالين والقوى الهامشية التي يسعدها كثيرًا أن تدخل القصر الجمهوري وتلتقط صورًا تذكارية لهذا الحدث السعيد، والحقيقة أن الرئيس مرسي ما زال غير مدرك لطبيعة دوره كرئيس جمهورية، ومسؤوليته كمفتاح لحل الأزمات وليس لصناعة المزيد منها، كان محمد مرسي يدعو القوى السياسية قبل ذلك ورموزها فيأتون إليه في اليوم التالي مباشرة أملًا في أن يكون هناك شيء جدي، وبعد ذلك لم يعد هناك أحد يذهب أو يجيء، لأن اللقاءات أصبحت مضيعة للوقت واستهزاءً بالأطراف الأخرى، ومجرد صور تلتقط للتسويق الخارجي ليس أكثر، ودون أن يتغير شبر واحد في أرض الواقع، ولو أراد الدكتور مرسي أن يدشن مصالحة وطنية فعلًا فهو يعرف مسبقًا مفاتيحها، وما هو المطلوب عمليًا من أجل إنقاذ الوطن ومنع وصوله إلى حافة الاحتراب الأهلي، الناس شبعت كلامًا، وشبعت خطبًا، وشبعت أحاديث من مثل "أنتم في القلب" ولن أنام ولن يغمض لي جفن، هذه الخطب أصبحت مثارًا للسخرية من المواطنين العاديين في الشارع الآن، وكلنا يعرف ذلك، الإخوان ورطت الرئيس عندما صورت له أن الشعب المصري الذي منحه صوته قد انتخبه هو وجماعته ودافعوا عن تلك الفرضية باستهبال سياسي غير مسبوق، فأصبح الناس في حيرة عمن يحكمهم فعلًا، هو أم جماعته، والإسلاميون الموالون لمرسي أسرهم الإخوان بالخوف من "الأعداء"، حيث تحولت حتى مصطلحات الصخب السياسي إلى مصطلحات الحروب وليس مصطلحات الخلاف السياسي بين أبناء منظومة وطنية واحدة للدولة، وبح صوتنا من تكرار النصيحة للرئيس مرسي بأنك رئيس لكل المصريين وينبغي أن يكون سلوكك وقرارك وموازينك وليس كلامك في إدارة الدولة وفق هذا الأمر، وينبغي أن تكون أكثر حذرًا من الخضوع لضغوط الجماعة لتمكين كوادرها في وزارات أو محافظات أو مفاصل الدولة متميزين عن أي حزب أو قوة أخرى، لأن ذلك سيبعث بالرسالة الأشد خطورة عليك أنت شخصيًا، وبح صوتنا من تذكير الرئيس بأن مصر في مرحلة انتقالية وشعب ثائر وقوى وطنية متعددة صنعت الثورة ولن تقبل أن يختطفها أي فصيل وحده تحت أي مبرر وأن الأمور لا تؤخذ في هذه المرحلة انتزاعًا وإنما إقناعًا وثقة ومشاركة وطمأنينة تصل إلى الجميع بأن البلد في يد أمينة وغير منحازة، ذهبت أصواتنا في الهواء، وتصور الإخوان أن "بيع الكلام" واللف والدوران واللت والعجن في الجدل العقيم يمكن أن يحل المشكلات أو أن يرفع عن كاهلهم مسؤولية ما انحدرت إليه أحوال الوطن، لأنهم يعرفون أن الحل هو ما يجري في الواقع والسلوك العملي وليس فيما يبيعه كل طرف من كلام في الصحف والفضائيات وبيانات رئاسة الجمهورية، مع الأسف السلوك العملي والواقعي الوحيد الذي يستجيب له الإخوان بحماس واهتمام هو مواجهات الشوارع والميادين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.