مصر الآن تعيش أجواء التحول نحو الديمقراطية وبناء مؤسساتها وترسيخ المقومات الأساسية للدولة الحديثة، وفى مقدمتها التعددية السياسية والحق فى الاختلاف واحترام حرية التعبير والقبول بالتداول السلمى للسلطة، وكل هذه المعانى لا يمكن أن تترسخ فى مجتمع يمور بالعنف الكلامى والتراشق البغيض بالاتهامات، وقد ساءنى جدا تلك الكلمات غير الحكيمة التى أطلقها داعية إسلامى معروف ضد الليبراليين المصريين ووصفهم بالكفر والإلحاد، وأتصور أن مثل هذا الكلام يضر ولا ينفع، كما أنه يصب المزيد من الزيت والبنزين على نيران الغضب والتوتر والقلق فى المجتمع ويبعد به عن السلم والسلام الاجتماعى الضروريين للانتقال بالسلطة إلى مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها وترسيخ الديمقراطية فيها، أتمنى أن يتحلى الجميع بروح الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والوفاء لثورة يناير التى فتحت لنا أبواب التغيير الموصدة، ووضعت فى أيدينا مفتاح بناء الدولة الحديثة التى طالما حلمنا بها، وأخشى أن نضيعه بمثل هذه الممارسات غير المسؤولة، وحسنا فعل نشطاء وسياسيون عندما لجأوا إلى القضاء ضد صاحب تلك الأقوال الطائشة، على الجانب الآخر أرجو أن يفصل خصوم التيار الإسلامى بين الأحزاب والقوى السياسية الإسلامية وبين الإسلام نفسه وشريعته وقيمه وعقائده، لأن الخلط بين الاثنين لا يقل خطورة وتهورا عما فعله الداعية الإسلامى المشار إليه، فبعض الأحزاب والقوى اليسارية والليبرالية تتورط فى مواقف وتصريحات عدوانية تجاه قواعد إسلامية وقيم إسلامية لمجرد العناد مع التيار الإسلامى وقواه السياسية، وهو ما يورط هذه القوى اليسارية أو الليبرالية فى خصومة حقيقية مع الإسلام نفسه، كما أن مثل هذا السلوك يتيح المجال أمام الغيورين على الإسلام أن يتخذوا مواقف عنيفة وصارمة تجاه تلك القوى، ويتحول الخلاف والصدام من خلاف سياسى إلى صراع دينى، هم الذين اختاروه بأنفسهم، دعونا نتفق على أننا نتعامل مع شعب جوهره وتاريخه وحضارته الدين، فأى عاقل يشتغل بالسياسة لا بد وأن يدرك أن مساسه بهذه النقطة تحديدا يمثل انتحارا سياسيا له، ليس مسؤولا عنه الأحزاب والقوى الإسلامية، لأنها لم تدع كما يشاع زورا أنها تحتكر الإسلام أو الحديث باسمه، وإنما المسؤول عنه رعونة تلك القوى اليسارية أو الليبرالية، والبلادة السياسية والاجتماعية التى تتعامل بها مع مقدسات الناس وحرماتهم ودينهم. [email protected]