كانت قمة سرت كاشفة لحقيقة عبرت عن نفسها فى كل قرارات القمة وخطبها، هى أن العرب فقدوا إرادة القرار والفعل ولذلك فإن الذين يطالبون بخيار المقاومة لابد أن يدركوا هذه الحقيقة، أما الذين يرون أن الإرادة موجودة ولكن الخيارات ضعيفة أو أن التمزق العربى يحول دون موقف موحد، فهم ينضمون إلى مذهب الذرائع الذى يقوم أصلاً على قرار رفض مواجهة الواقع. فقد أحسن الجميع فى تصوير خطورة الحال فى فلسطين، وما تسببه إسرائيل من إحراج للجميع، وأنه بين الألم لما يجرى والعجز عن وقفه تضيع القدس والأقصى، ولذلك كنت أتمنى أن يحسم العرب أمرهم فى هذه القمة فيكفوا عن الهروب من الواقع، وأنهم ماداموا قد خلصوا إلى سوء الحال، فلابد أن يسلموا بفساد المآل، وأن يتوقفوا عن توليد آمال زائفة بحلول فى الأفق ولو البعيد. فمن الواضح تماماً أن مصير العرب ارتهن بإسرائيل ولكنه بيد واشطن، وأن ما يدور الآن ويردده الإعلام الإسرائيلى والأمريكى حول علاقة إسرائيل بأمريكا وفزع إسرائيل من تحول الموقف الأمريكى وإتجاهه إلى إحراج إسرائيل بسبب حرصه على تسوية لا ترضاها إسرائيل إنما هى بضاعة فاسدة وإمعان فى القهر النفسى واللا أخلاقى للشعوب العربية. فقد عمدت قمة سرت إلى الهروب من الواقع ولكنها حاولت أن يكون الهرب أنيقاً. فالقمة عندما تعلن أنها قمة دعم صمود القدس تعلن التبرع بخمسمائه مليون دولار لصناديق القدس والأقصى ولاندرى من سيدفع المبلغ وإلى من يؤول ومن المسئوول عن توزيعه، وما دوره فى تحقيق صمود الفلسطنيين العزل الذين يخلون بيوتهم ويسلموها لليهود تحت قهر السلطة الإسرائيلية. والقمة اكتفت بإدانه إعلان إسرائيل أن القدس عاصمة لإسرائيل، ولكن الفارق بين الموقفين العربى والإسرائيلى هو أن إسرائيل تتبع الإعلان بالعمل لأنها الحائز الغاضب للأرض والقادر على تشكيل الواقع بما تتمتع به من دعم أمريكى غير محدود، رغم ما يردده المسئولون الأمريكيون إمعان فى الاستخفاف بالعرب بأنهم ضد الاستيطان، بينما ترصد الأموال الأمريكية للشركات الأمريكية العاملة فى بناء المستوطنات وتقدم الحوافز السخية فى أمريكا لهذه الشركات على حساب دافع الضرائب الأمريكى، حتى صار البناء فى أراضى القدس مسئولية المواطن الأمريكى أيضاً، كما سبق أن استثمرت بعض قيادات السلطة فى رام الله مع قيادات السلطة فى مصر أموالها فى بناء الجدار العازل الذى يلعنه الجميع صباح مساء. والقمة من ناحية ثالثة رفضت أن تبدأ المفاوضات مع استمرار الاستيطان وهو القرار الوحيد المعقول لأنه من مظاهر تهرب قمة سرت من مواجهة المشكلة رابعاً أنها هددت باللجوء إلى مجلس الأمن وهى تعلم أن مجرد انعقاده يتطلب موافقة أمريكية وحتى هذه الموافقة قد تضمن بها إكراما لإسرائيل. أما ما تسرب فى سياق القمة فى الإعلام الأمريكى بأن أوباما غاضب وأنه يفكر فى عدم استخدام الفيتو لإدانة إسرائيل فى مجلس الأمن، فهدفه تبرير اتجاه القمة إلى استمرار الرهان على واشنطن والقمة تعلم جيداً أن نتانياهو أقوى فى الولاياتالمتحدة من أوباما وهو ما كشف عنه لقاؤه فى الكونجرس بعد لقائه فى الإيباك، ولذلك قررت القمة أن تناشد أوباما أن يظل على موقف الرفض للاستيطان وهو إن صح فإنه موقف نظرى. وحتى لو أدان مجلس الأمن إسرائيل جدلاً فما قيمة الإدانة ومعاول الهدم والتهويد لاتكف عن العمل. ومن مظاهر تخلى القمة خامساً وسادساً بعد الرهان على واشنطن وبغيرها لاستقام موقف إسرائيل، فهو قرار القمة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية وهو موقف يثير العجب، لأن القمة يجب أن تكون مدركة أن اللجوء إلى المحكمة تشكو إسرائيل فلابد أن ترفع دعوى من دولة لها صفة ومصلحة فى الدعوى، وأن تقبل إسرائيل اختصاص المحكمة. وإن كانت تقصد أن المحكمة تصدر رأياً استشارياً فى هذا الصدد، فقد سبق أن صدر مثل هذا الرأى فى 9 يوليو 2004 وأغفله العالم العربى قبل غيره بما فى ذلك الأممالمتحدة. كما أن طلب الرأى الاستشارى تقدمه الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو من ترخصان له من أجهزة المنظمة الدولية. وأما اللجوء إلى الجمعية العامة حسبما قررت القمة فلاندرى الموضوع المطلوب بحثه فى الجمعية اللهم إذا كانت القمة تريد من الجمعية العامة معاقبة إسرائيل، وفى هذا المقام تستيطع الجمعية العامة أن تفعل الكثير مما يؤثر على إسرائيل مثل فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية عليها إسرائيل، وتحويل تقرير جولدستون إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذا كان اجتماع الجمعية العامة تطبيقاً لقرار الاتحاد من أجل السلم وهو ما يتطلب عجز مجلس قبل إحالة المسألة إلى الجمعية العامة. كما تستطيع الجمعية العامة أن تراجع عضوية إسرائيل فى المنظمة الدولية على ضوء إغفالها لقرارات الأممالمتحدة وعدم وفائها بشروط العضوية عام 1949 . من ناحية ثانية تهربت القمة من تحديد موقفها من عملية السلام أو البدائل لها أو مبادرة السلام العربية. هكذا يتضح أن قمة سرت قد تهربت من مواجهة المشكلة التى تطرق بشدة أبواب العرب وهى موقف إسرائيل من فلسطين وخاصة القدس والأقصى. فهل تواضع الرد العربى إلى هذا الحد على هذا التحدى الواضح والقاطع، ولماذا كانت الاستجابة العربية لاعلاقة لها بهذا التحدى، وهل يرى البعض أن فى هذه القرارات إغواء لإسرائيل وتشجيعاً لها على التمادى؟. انفضت القمة والتحدى لايزال قائماً والشقاق الفلسطينى مستمراً والعجز العربى فى اضطردا، فما جدوى عقد قمم أخرى استثنائية أو عادية سوى أنها تؤدى إلى مزيد من الانكشاف العربى وإلى مزيد من الإذلال للشعوب العربية!.