النيل أطول أنهار الدنيا - 6825 كيلو مترًا بس- يحضرني ما لا أنساه عن خير الله وبركته فيه، من الأسماك، والقراميط التي كانت متكاثرة بشكل عظيم جدًّا، ولو كنت قارئي العزيز تعرف أن زراعة الأرز تحتاج ماءً غامرًا طاميًا، فلن تندهش إذا قلت لك إن الأرز كان من مصادر الثروة السمكية بشكل غير متوقع؛ إذ كان الفلاحون يفتحون الماء على الحقل ليُغمر بالماء تمامًا، وأثناء ذلك تنسرب البسارية أو الزقازيق (صغار السمك) مع الماء، وتعيش فيه، حتى ينضج المحصول، ويحين الحصاد، فيبدأ صرف الماء ثانية إلى الترع، لترى هذه البسارية أو الزقازيق وقد صارت (قراميط) بطول الذراع، وقد حوصرت في الأرض عاجزة عن الانسياب إلى النيل ثانية، فيأتي الفلاح بجوالات (وأغبطة) ومقاطف يملؤها من هذه القراميط الوفيرة السمينة، ويوزعها على أهل الحارة والأقارب والجيران (هذا طبعًا قبل أن ينزع الله البركة من النيل، وقبل تلويثه، وتحويله لمزبلة) ثم حان علينا حين من الدهر نرى فيه شريان مصر فقيرًا، قليل المحصول من السمك (ظهر الفساد في البر والبحر؛ بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا!) وبلغ الفساد حد تصريف المجاري، وإلقاء فضلات المصانع فيه، وتكديس الزبالة على شاطئيه! هل سمعت قارئي الكريم عن مخرّ السيل، أو ترعة كيما، وتصريف مياه الصرف الصحي منه إلى نهر النيل مباشرة، في جريمة هي من أخطر بؤر التلوث – كما ورد في تحقيق عن أكبر كارثة بيئية وإنسانية يتعرض لها نهر النيل – حيث أجرى السيد صلاح عبد الله المنسق العام لجنة السلامة والبيئة في محافظة أسوان تحاليل في معامل خاصة مثل معمل القياسات البيئية، ووجد نسبة كبيرة جدًّا من المواد العالقة، بجانب نسبة كبيرة جدًّا من الأمونيا، ونسبة كبيرة جدًّا من البكتريا القولونية، والسموم الموجودة في البراز الآدمي، ما يؤدي إلى أمراض الفشل الكلوي، والسرطانات، كما ورد في موقع محيط!؟ إذن فحال النيل صار (نيلة) من حيث محصوله، ومن حيث رائحة مائه، ومن حيث نقائه وصفائه، ومن حيث سلامته، ومن حيث تملح شاطئيه خصوصًا جنوبي الوادي (رأيت ذلك قبل أكثر من خمس عشرة سنة في برنامج وثائقي أنتجته ناشونال جيوجرافك) بسبب الإهمال الدائم، والجهل الفاجع بأهميته، وتحول بعض جوانبه للابتزاز لصالح الأغنياء ومراكب اللهو والرقص والخمر والهباب كله، وتحويله إلى (مصرف) للنفايات، وعوادم بعض المصانع، والجور على شاطئيه، واستخدامه مقبرة للماشية والدواب النافقة، ومغسلة للهدوم، ومزبلة للجهلة.. فما الحل؟ شاركوني واقترحوا وأفيدوني أفادكم الله تعالى.. وخذوا هذه الأفكار، لعلها تشحذ مخيلتكم بما هو أبدع مقترحًا وأنجع نتيجة: أولاً: إنشاء حزب بيئي مهتم بالبيئة بشكل عام، والنيل بشكل خاص، مهمته التمثيل الرسمي في الحكومة، للنيل ومشاكله، يتابع، ويطالب، ويعارض، لصالح النيل، حتى يستعيد عافيته، وخيره، وبركته.. وأنا أول أعضائه من الآن.. ثانيًّا: إنشاء جهاز قانوني على مستوى دولي، يحمي النيل، بعد انقلاب دول الحوض على مصر أيام المحروس مبارك، وامتداد اليد الصهيونية لدول الحوض، ودفع أميركا للبنك الدولي لتمويل إقامة سدود على النيل، في عدد من بلاد الحوض، لخنق مصر وقتلها عطشًا، وتكون من مهمات هذا الجهاز: رصد ما يجري في دول الحوض، وتشجيع إقامات علاقات راشدة معها، ومتابعة النشاط الصهيوني في المنطقة، ورصد القوانين التي تتعامل مع المسطحات المائية وتطويرها، وحقوق الارتفاق بالنيل، وتوفير الحماية القانونية، ومقاضاة كل معتدٍ من خارج مصر، يؤذي النيل بأي شكل من أشكال الأذى، والدعائية العالمية لحماية نهرنا الخالد. ثالثًا: ترك حرم للنيل على شاطئيه، وبطوله من حدود السودان حتى دمياط ورشيد، بعرض خمسين مترًا على الأقل، ليتحول إلى حدائق، ومتاحف، ومواقع إبداعية، وأماكن للتفاكر، ومعالم حضارية يمكن أن نباهي بها الدنيا كما يفعل غيرنا! رابعًا: هناك آدميون لا يخافون إلا (من العين الحمرا) والعين الحمرا هنا هي عين القانون، وسلطة الدولة (الراشدة/ المتوازنة/ المرنة) لذا فأتمنى أن تُرصد أنواع المخالفات، وأشكال العدوان على النيل داخل مصر، وتوضع لها جزاءات رادعة، مانعة من مزيد من الانتهاكات والإساءة لنهر من أنهار الجنة (أرجو حضرتك أن تشارك الآن بذكر شكل تعرفه، من أشكال الإساءة للنيل). خامسًا: صار النيل أفقر كثيرًا – فيما أظن – في محصوله السمكي، بسبب التلوث، وكهربة المياه، والمخلفات، والسموم (بعض الناس يرمون السموم أحيانًا ليموت السمك فيصيدوه!) لذا فإنني أتمنى أن ننشر الوعي البيئي في المصريين، ونعمل على عدم صيد السمك الصغير، ولا أثناء مواسم التكاثر بشكل عام إن كان للأسماك النيلية موسم معلوم للتكاثر. ونفكر في استراتيجية ليعود نهرًا مباركًا مليئًا بالخير، وإني لأعجب من بلدي التي لا تجعل السمك من طعامها الرئيس، لكونها محاطة بالمسطحات المائية: البحر الأبيض شمالاً، والأحمر شرقًا، والنيل بطولها، والبحيرات داخلها.. أنعاني من أزمة سمك رغم وجود هذه المسطحات الهائلة؟ أعلموني لماذا!؟ سادسًا: عمل حملات توعية شاملة في وسائل الإعلام، والجامعات، والمدارس، والمساجد، وإقامة مسابقات في الرسم، والشعر، والقصة، حول النيل، وضرورة حمايته. سابعًا: استئناف رحلات سياحية على طول الوادي، لتعريف الناس به، وبيان جماله، وعدم قصر النشاط على القاهرة والجيزة وبعض مدن الجنوب، فالجمال ممتد، وهناك مدن على شاطئي النيل لها تاريخ مجيد ومليئة بالمعالم التاريخية والحضارية، مثل أسوان، والأقصر، وقنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، وبني سويف، والفيوم، وبنها، وشربين، وزفتى، وميت غمر والمنصورة، ودسوق؛ وصولاً إلى دمياط ورشيد. ثامنًا: تجريم العدوان على شاطئي النيل، بالبناء، والتلويث، والاستيلاء على ما يسمى طرح البحر، وإغلاق المصانع القريبة على ضفتيه، أو قريبًا من الضفتين – بأسرع ما يمكن. تاسعًا: حماية الجزائر الموجودة وسط النيل - خصوصًا الكبيرة غير المغمورة منها - والتي لا يعرف حتى المسؤولين عددها، وتقدير قيمتها بيئيًّا، وسياحيٍّا، وسكانيًّا، وزراعيًّا! ومعالجة إشكالياتها الصعبة، كالمجاري، ومياه الشرب، والقمامة. تاسعًا: ترشيد، وتوجيهُ، وضبط عملية توسعة الشاطئين، والجزائر، وتعميق القاع، لخلق بيئة جيدة بيولوجية في القاع. وتقليل الفاقد من المياه الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، وتوجيهه لخدمة مشروعات زراعية؟ عاشرًا: الاستفادة من بحيرة ناصر والمواقع حولها: في جانب صيد السمك وإطعام مصر، والسياحة، والإعمار، وغير ذلك. طبيعي أن كلامي هذا مجرد أفكار أولية، يمكن نقضها، أو ردها، أو قبولها، والانفعال بها، أو الإضافة عليها، لكن إذا وقعت من حضرتك موقعًا إيجابيًّا، فأتمنى عليك قارئي الكريم أن تبدأ معي تحركًا لتكوين جمعية، أو هيئة، أو حزب، لحماية النيل.. قبل أن يموت لا قدر الله، وتعطش مصر وتجوع.. وربما - لا قدر الله - تنتهي! وللموضوع بقية إن شاء الله تعالى.. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.