...... ولقد كان فرعون مصر لعنه الله يباهي الناس بالنيل، أطول أنهار الدنيا - 6825 كيلو مترًا بس- ويدل بخيراته الكثار، قائلاً: (أليس لي مُلك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي؟!) وعلى ضفافه ظهر إبراهيم ويوسف ويعقوب والأسباط وموسى وهارون وعيسى ومريم وهاجر ومارية القبطية عليهم السلام أجمعين، وأعلام يصعب أن يحصرهم العد! وعنه قال صلى الله عليه وسلم في صحيح الجامع: نهران من الجنة: النيل والفرات، كما ورد الحديث عنه في البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى! فكيف بُلنا في نهر من الجنة مبارك عظيم، ونجسناه، ووسخناه!؟ ويحضرني هنا ما لا أنساه عن خير الله وبركته فيه، من الأسماك، والقراميط التي كانت متكاثرة بشكل عظيم جدًّا، ولو كنت قارئي العزيز فلاحًا تعرف أن زراعة الأرز تحتاج ماءً غامرًا طاميًا، فلن تندهش إذا قلت لك إن الأرز كان من مصادر الثروة السمكية بشكل غير متوقع؛ إذ كان آباؤنا الفلاحون يفتحون الماء على الحقل ليُغمر بالماء تمامًا، وأثناء ذلك تنسرب البسارية أو الزقازيق (صغار السمك) مع الماء، وتعيش فيه، حتى ينضج المحصول، ويحين الحصاد، فيبدأ صرف الماء ثانية إلى الترع، لترى هذه البسارية أو الزقازيق وقد صارت (قراميط) بطول الذراع، وقد حوصرت في الأرض عاجزة عن الانسياب إلى النيل ثانية، فيأتي الفلاح بجوالات (وأغبطة) ومقاطف يملؤها من هذه القراميط الوفيرة السمينة، ويوزعها على أهل الحارة والأقارب والجيران (هذا طبعًا قبل أن ينزع الله البركة من النيل، وقبل تلويثه، وتحويله لمزبلة) ثم حان علينا حين من الدهر نرى فيه شريان مصر فقيرًا، قليل المحصول من السمك (ظهر الفساد في البر والبحر؛ بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا!) وبلغ الفساد حد تصريف المجاري، وإلقاء فضلات المصانع فيه، وتكديس الزبالة على شاطئيه! هل سمعت قارئي الكريم عن مخرّ السيل، أو ترعة كيما، في أسوان، وتصريف مياه الصرف الصحي منه إلى نهر النيل مباشرة، في جريمة هي من أخطر بؤر التلوث – كما ورد في تحقيق عن أكبر كارثة بيئية وإنسانية يتعرض لها نهر النيل – حيث أجرى السيد صلاح عبد الله المنسق العام لجنة السلامة والبيئة في محافظة أسوان تحاليل في معامل خاصة مثل معمل القياسات البيئية، ووجد نسبة كبيرة جدًّا من المواد العالقة، بجانب نسبة كبيرة جدًّا من الأمونيا، ونسبة كبيرة جدًّا من البكتريا القولونية، والسموم الموجودة في البراز الآدمي، ما يؤدي إلى أمراض الفشل الكلوي، والسرطانات، كما ورد في موقع محيط!؟ إذن فحال النيل صار (نيلة) من حيث محصوله، ومن حيث رائحة مائه، ومن حيث نقاؤه وصفاؤه، ومن حيث سلامته، ومن حيث تملح شاطئيه خصوصًا جنوبي الوادي (رأيت ذلك قبل أكثر من خمس عشرة سنة في برنامج وثائقي أنتجته ناشونال جيوجرافك) بسبب الإهمال الدائم، والجهل الفاجع بأهميته، وصارت أجزاء من شاطئيه غنيمة لبعض الأغنياء والنافذين، ومراكب اللهو والرقص والخمر والهباب كله، وتحول في مساحات منه إلى (مصرف) للنفايات، وعوادم بعض المصانع، وتُعدي على شاطئيه، واستخدم مقبرة للماشية والدواب النافقة، ومغسلة للهدوم، ومزبلة للجهلة.. فما الحل؟ شاركوني واقترحوا وأفيدوني أفادكم الله تعالى.. وخذوا هذه الأفكار، لعلها تشحذ مخيلتكم بما هو أبدع مقترحًا، وأنجع نتيجة: أولاً: إنشاء حزب بيئي مهتم بالنيل، مهمته التمثيل الرسمي في الحكومة، للنيل ومشاكله، يتابع، ويطالب، ويعارض، لصالح النيل، حتى يستعيد عافيته، وخيره، وبركته. ثانيًّا: إنشاء جهاز قانوني على مستوى دولي، مهمته حماية النيل، بعد انقلاب دول الحوض على مصر أيام المحروس مبارك، وامتداد اليد الصهيونية لدول الحوض، ودفع أميركا للبنك الدولي لتمويل إقامة سدود على متنه، في عدد من بلاد الحوض، لخنق مصر وقتلها عطشًا، وتكون من مهمات هذا الجهاز: رصد ما يجري في دول الحوض، وتشجيع إقامات علاقات راشدة معها، ومتابعة النشاط الصهيوني في المنطقة، ورصد القوانين التي تتعامل مع المسطحات المائية، وتطويرها، وتحديد حقوق الارتفاق بالنيل، وتوفير الحماية القانونية، ومقاضاة كل معتدٍ من خارج مصر، يؤذي النيل بأي شكل من أشكال الأذى، والدعاية العالمية لحماية نهرنا الخالد، والإفادة منه. ثالثًا: هناك آدميون لا يخافون إلا (من العين الحمرا) والعين الحمرا هنا هي عين القانون، وسلطة الدولة (الراشدة/ المتوازنة/ المرنة) لذا فأتمنى أن تُرصد أنواع المخالفات، وأشكال العدوان على النيل داخل مصر، وتوضع لها جزاءات رادعة، مانعة من مزيد من الانتهاكات والإساءة لنهر من أنهار الجنة (أرجو حضرتك أن تشارك الآن بذكر شكل تعرفه، من أشكال الإساءة للنيل). رابعًا: ترك حرم للنيل على شاطئيه، وبطوله من حدود السودان حتى دمياط ورشيد، بعرض خمسين مترًا على الأقل، وجعله حدائق، ومتاحف، ومواقع إبداعية، وأماكن للتفاكر، ومعالم حضارية يمكن أن نباهي بها الدنيا كما يفعل غيرنا! خامسًا: صار النيل أفقر كثيرًا – فيما أظن – في محصوله السمكي، بسبب التلوث، وكهربة المياه، والمخلفات، والسموم (بعض الناس يرمون السموم أحيانًا ليموت السمك فيصيدوه!) لذا فإنني أتمنى أن ننشر الوعي البيئي في المصريين، ونعمل على عدم صيد السمك الصغير، ومنعه أثناء مواسم التكاثر بشكل عام إن كان للأسماك النيلية موسم معلوم للتكاثر. ووضع خطة خمسية يعود بعدها نهرًا مباركًا مليئًا بالخير كالعهد به، وإني لأعجب من بلدي التي لا تجعل السمك من طعامها الرئيس؛ فهي محاطة بالمسطحات المائية: البحر الأبيض شمالاً، والأحمر شرقًا، والنيل بطولها، والبحيرات داخلها.. أنعاني من أزمة سمك رغم وجود هذه المسطحات الهائلة؟ أعلموني لماذا!؟ سادسًا: عمل حملات توعية شاملة في وسائل الإعلام، والجامعات، والمدارس، والمساجد، وإقامة مسابقات في الرسم، والشعر، والقصة، حول النيل، وضرورة حمايته. سابعًا: استئناف رحلات سياحية على طول الوادي، لتعريف الناس به، وبيان جماله، وعدم قصر النشاط على القاهرة والجيزة وبعض مدن الجنوب، فالجمال ممتد على النهر الخالد، وهناك مدن على شاطئيه ذات تاريخ مجيد، مليئة بالمعالم الحضارية، مثل أسوان، والأقصر، وقنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، وبني سويف، والفيوم، وبنها، وشربين، وزفتى، وميت غمر، والمنصورة، ودسوق؛ وإدفينا، وصولاً إلى دمياط ورشيد. ثامنًا: تجريم العدوان على شاطئي النيل، بالبناء، والتلويث، والاستيلاء على ما يسمى طرح البحر، وإغلاق المصانع القريبة على ضفتيه، أو قريبًا من الضفتين – بأسرع ما يمكن. تاسعًا: حماية الجزائر الموجودة وسط النيل - خصوصًا الكبيرة غير المغمورة منها - والتي لا يعرف حتى المسؤولون عددها، وتقدير قيمتها بيئيًّا، وسياحيٍّا، وسكانيًّا، وزراعيًّا، ومعالجة إشكالياتها الصعبة، كالمجاري، ومياه الشرب، والقمامة. تاسعًا: ترشيد، وتوجيهُ، وضبط عملية توسعة الشاطئين، والجزائر، وتعميق القاع، لخلق بيئة جيدة بيولوجية في القاع. وتقليل الفاقد من المياه الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، وتوجيهه لخدمة مشروعات زراعية؟ عاشرًا: الاستفادة من بحيرة ناصر والمواقع حولها: في جانب صيد السمك، وإطعام مصر، والسياحة، والإعمار، وغير ذلك. طبيعي أن كلامي هذا مجرد أفكار أولية، يمكن نقضها، أو ردها، أو قبوله بعضها، أو الإضافة عليها، لكن إذا وقعت من حضرتك موقعًأ إيجابيًّا، فأتمنى عليك قارئي الكريم أن تبدأ معي تحركًا لتكوين جمعية، أو هيئة، أو حزب، لحماية النيل.. قبل أن يموت لا قدر الله، وتعطش مصر وتجوع.. وربما - لا قدر الله - تنتهي! واللا إيه رأي جنابك!؟ ---------- أبيات منتقاة من قصيدة الوجع (النيل.. يرفع راية العصيان) لفاروق جويدة: أنا من جنان الله أحمل سرها ..... وكم انتشيتم من رحيق جناني نام الزمان على ضفافي آمنًا ..... وبقيت وحدي كعبة الأوطان الله سطرني على وجه الوري ..... نهرًا يصلي بعد كل أذان فحملت للدنيا رسالة خالقي ..... ورسمت نهر الحب والإيمان أنا لم أكن نهرًا وضل طريقه ..... بل كنت دمًّا ذاب في شريان في كل شبر كنت أغرس نخلة ..... وعلى الضفاف يتيه سحر جناني في كل ركن عقد فل عاشق ..... وحبيبة رحلت.. وطيف حنان هل يصبح الماء الجسور وليمة ..... للشامتين على ثرى جثماني؟! هل يخفت الضوء العتيق وتختفي ..... فوق السنابل فرحة الأغصان؟! هل ينتهي صخبي وتخبو أنجمي ..... وتكف أطياري عن الدوران؟! ماذا سيبقى للحياة إذا اختفى ..... وجهي. وسافر في دجى النسيان؟! أأكون تاريخًا.. توارى باكيا ..... بين السفوح ولوعة الأحزان؟! سأزوركم في كل عام كلما ..... حنت حنايا الأرض للفيضان أنا لن أكف عن المجيء لأنني ..... كالأرض ما كفت عن الدوران عودوا إلى الحب القديم، وعلموا ..... أبناءكم أن يحرسوا شطآني أعطيتكم عمري، وهانت عشرتي ..... والآن أرفع راية العصيان لو كنت أعلم ما طواه زماني ..... لاخترت أرضًا غيركم أوطاني [email protected]