مدير مرصد الأزهر تحذر من تجنيد التنظيمات الإرهابية عناصر جدد من «الذئاب المنفردة» (تفاصيل)    الرقابة المالية تحذر من التعامل في أدوات ومنتجات استثمارية وتمويلية مخالفة للقانون    وزير البترول يبحث مع مجموعة موانئ أبو ظبي سبل تعزيز التعاون المشترك    الأجهزة الرقابية تسحب عينات عشوائية من بنزين 92 و95    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار: نستهدف زيادة الاستثمارات في مصر    وسائل إعلام تركية: أنقرة أحبطت شحنة مفخخة من أجهزة البيجر إلى لبنان    الأمم المتحدة تدعو إلى تجنب المواجهات العسكرية بين الهند وباكستان    فضيحة جديدة بسبب سيجنال ووزير الدفاع الأمريكي.. إليك الكواليس    سقوط تاجري مخدرات في القاهرة بمواد تتجاوز 16 مليون جنيه    طقس حار يسيطر على الأقصر.. ودرجات الحرارة تلامس ال34 نهارا    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 500 بلاغ في المحافظات خلال أبريل الماضي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    الضويني: الصهيونية تقزم الصراع إلى خلاف بين الفلسطينيين والاحتلال لإبعاد الشباب عن نصرة فلسطين والقدس    «متحدث الوزراء» يكشف تفاصيل طرح المطارات للشراكة مع القطاع الخاص    ختام فعاليات التدريب الجوي المصري الصيني المشترك «نسور الحضارة - 2025»    رسميًا.. جداول امتحانات النقل للمرحلة الثانوية 2025 في مطروح (صور)    ختام فعاليات التدريب الجوي المصري الصيني المشترك «نسور الحضارة - 2025»    فشل فريدريش ميرتس فى الحصول على الأغلبية المطلقة لانتخابه مستشارا لألمانيا    فى أول زيارة إلى أوروبا.. ماكرون يستقبل غدا الرئيس السورى    إيران تدين بشدة الضربات الإسرائيلية في اليمن    وزير السياحة: قريبا إطلاق بنك للفرص الاستثمارية السياحية بمصر    إيران: نحتاج الطاقة النووية للاستخدام السلمى وعلى الطرف الآخر إثبات حسن نيته    الخامس له.. ريليفو: تعيين هيرنانديز هيرنانديز حكما للكلاسيكو    «ظالم وشمتان».. رسالة نارية من شوبير لجماهير الزمالك    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    منتخب شباب اليد يقص شريط مواجهاته في كأس العرب بلقاء العراق    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    وزير الري يتابع خطة التكيف مع التغيرات المناخية ودراسات حصاد مياه الأمطار    الداخلية: تنفيذ 164 حكمًا قضائيًا متنوعًا خلال 24 ساعة    جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 في القاهرة والجيزة لكل الصفوف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    ثورة الرقمنة.. منظمة العمل الدولية تكشف عن تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل الوظائف    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «ليه محدش بيزورني؟».. تفاصيل آخر لقاء ل نعيم عيسي قبل رحيله    القائم بأعمال سفير الهند يشيد بدور المركز القومى للترجمة    45 صورة من حفل زفاف الفنانة رنا رئيس بحضور نجوم الفن    فى بداية التعاملات الصباحية.. ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة    كامل الوزير: الحكومة مستعدة للشراكة مع القطاع الخاص لتوطين صناعة التكييف    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    وزير قطاع الأعمال يبحث مع رئيس هيئة الرعاية الصحية تعزيز التعاون المشترك لدعم الصناعة    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    النيابة تأمر بإيداع 3 أطفال بدار إيواء بعد إصابة طفل بطلق ناري بكفر الشيخ    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    "هذه أحكام كرة القدم".. الجزيري يوجه رسالة لجماهير الزمالك بعد التعادل مع البنك الأهلي    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    تامر عبد الحميد: لابد من إقالة بيسيرو وطارق مصطفى يستحق قيادة الزمالك    وزارة الصحة: حصول 8 منشآت رعاية أولية إضافية على اعتماد «GAHAR»    علي الشامل: الزعيم فاتح بيته للكل.. ونفسي أعمل حاجة زي "لام شمسية"    "تمريض قناة السويس" تنظم ندوة حول مشتقات البلازما    19 مايو.. أولى جلسات محاكمة مذيعة بتهمة سب المخرج خالد يوسف وزوجته    محافظ أسوان يترأس إجتماع المجلس الإقليمي للسكان بحضور نائب وزير الصحة    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطان أردوغان!
نشر في المصريون يوم 05 - 06 - 2013

إنه "الربيع التركي". هكذا بادر كثيرون إلى وصف الاحتجاجات التي انطلقت بشكل عفوي ومحدود (نحو 500 متظاهر) في ميدان تقسيم بإسطنبول في 27 من شهر أيار/مايو، ثم اتسعت رقعتها لتشمل مناطق واسعة من تركيا. يبدو مضحكاً أن توصف أي تظاهرة احتجاجية في أي مكان في العالم بالربيع، وهو تصوير لم يرق بالطبع لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الذي صرّح قائلاً إن "أولئك الذين يصنعون الأخبار ويُسَمّون هذه الأحداث ربيعاً تركياً لا يفهمون تركيا. نحن لدينا ربيع في تركيا، لكن ثمة من يريد أن يحيل هذا الربيع إلى شتاء". بدا أردوغان غاضباً ومحبطاً وهو يهاجم المحتجين أو مثيري الشغب الذين وصفهم ب"حفنة من الناهبين...يسيرون ذراعاً بذراع مع الإرهابيين". اللافت أنه ألقى باللوم على تويتر قائلاً: "هناك الآن وباء اسمه تويتر. أفضل نماذج الأكاذيب يمكن العثور عليها هناك. الميديا الاجتماعية، في نظري، هي أسوأ خطر على المجتمع".
تفجرت التظاهرات في ميدان تقسيم احتجاجاً على عزم سلطات إسطنبول إزالة منتزه عام، يُعرف بمنتزه جيزي، لتؤسس مكانه ثكنات عسكرية عثمانية (كانت قد بُنيت عام 1780، ثم هدمها مصطفى كمال عام 1940)، وافتتاح مركز تسوق داخلها. اتسعت الاحتجاجات إلى نحو نصف محافظات البلاد، وشهدت بعض المدن كأنقرة وأزمير مواجهات بين الشرطة والمحتجين. اعترف أردوغان بتدخل الشرطة "المبالغ فيه"، ووعد بتحقيق، مؤكداً في الوقت ذاته عزمه على المضي قدماً في مشروع إزالة المنتزه، الذي وضعه في إطار تطوير شامل لساحة تقسيم، يحقق لها الازدهار، ويكسبها من جديد ألقها العثماني. بل أعلن رئيس الوزراء أنه سيبني مسجداً وسط تقسيم، قائلاً إنه لن يحتاج لتنفيذ ذلك إلى إذن من حزب الشعب الجمهوري المعارض ولا إلى "بضع متسكعين" بحسب تعبيره. وأنكر أردوغان تهمة الاستبداد التي حاولت المعارضة إلصاقها به قائلاً: "إذا كانوا يسمون الذي يخدم الشعب دكتاتوراً، فليس بوسعي قول شيء".
أردوغان معه حق. لقد فاز حزبه؛ حزب العدالة والتنمية، ثلاث مرات في الانتخابات، واستطاع تحويل تركيا إلى الاقتصاد رقم 17 في قائمة أكبر اقتصادات الكون. عندما جاء إلى الحكم عام 2002 كانت البلاد ترزح تحت وطأة ديون بلغت 26 بليون دولار، سددتها الحكومة في شهر أيار (مايو) المنصرم، ثم قامت بإقراض دائنها، صندوق النقد الدولي، 5 بلايين دولار. ارتفع دخل الفرد من 2700 دولار سنوياً عام 2002 إلى 12 ألف دولار عام 2013، وقفز الاحتياطي إلى 135 بليون دولار، بينما ارتفعت الصادرات من 32 بليون دولار عام 2002 إلى 154 بليون، وانخفضت البطالة إلى أقل من 9 في المئة، وانتشرت الجامعات في تركيا لتبلغ 170 جامعة، بعد أن كانت 70 فقط عام 2002. في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، أبلغ أردوغان معهد بروكنغز ما يلي: "تركيا لا تتحدث الآن عن العالم. العالم هو الذي يتحدث عن تركيا" (مجلة فورن بوليسي، 2 حزيران/يونيو).
كيف إذن يحتج مواطنون أتراك على حكومة قدمت لهم كل هذه الإنجازات، وصنعت ما يمكن وصفه بالمعجزة الاقتصادية؟ الأسباب تبدو محيرة، لكنها في حقيقتها مفهومة. ثمة أسباب عدة تشكل بمجموعها قلقاً لدى شريحة من الأتراك حول مستقبل بلادهم. في الأسبوع الماضي أقر البرلمان قانوناً (لو صدّق عليه الرئيس عبد الله غول) سيحد من بيع الكحول وشربها في البلاد. ينص القانون على منع كل إعلانات الكحول، وعدم السماح بفتح حانات جديدة على بعد 100 متر من المساجد والمدارس، ومنع بيعها بين العاشرة مساء والسادسة صباحاً (وقت الذروة). صحيفة الغارديان نشرت تقريراً بعنوان: "قوانين الكحول التركية قد تسدل الستار على حياة الليل في إسطنبول"، التقت خلاله بمالك محل خمور، اسمه رافي سيروبيان، أبلغها أن معظم مبيعاته تكون بعد العاشرة مساء، وأن عائلته تدير المحل منذ 40 عاماً، لكنه قد يضطر إلى البحث عن "بدائل". الصحيفة التقت أيضاً بحيدر طاس، مدير إحدى الحانات في المدينة، الذي قال لها: "أماكن كهذه لا تدخل في رؤية حزب العدالة والتنمية لإسطنبول. أية قيود على استهلاك الكحول، ستجعل الأمور أصعب علينا". بعض أعضاء حزب الشعب الجمهوري قارن الذين اقترحوا مشروع قرار تقييد الكحول بالسلطان العثماني مراد السادس الذي كان صارماً ضد الخمر، وكان يجوب شوارع إسطنبول متخفياً لمعاقبة المخالفين. تقول الغارديان إنه سيجري التعتيم في الأفلام على تناول الخمر، وهو ما يحدث الآن في التدخين. ويخشى أنصار العلمانية من "حظر" كامل للخمور، بينما تصر الحكومة على أن هدفها "تحسين الصحة العامة"، و "حماية الأطفال" (31 أيار/مايو).
وعلى غير بعيد من منتزه جيزي (نصف ساعة بالسيارة شمالاً) يجري تشييد جسر السلطان سليم الأول، الذي يربط جانبي إسطنبول الآسيوي والأوروبي. تبلغ تكلفة الجسر، الذي أجازه البرلمان، 3 بلايين دولار، وسيكون أطول وأوسع جسر في العالم. هنا يجادل أنصار البيئة بأن الجسر سيتسبب في "مذبحة" للمساحات الخضراء تجتث 2.5 مليون شجرة من جذورها. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بالاسم، فالأتراك السنة، وهم الأغلبية الساحقة من الشعب، ينظرون إلى السلطان سليم بوصفه بطلاً فاتحاً مزق الصفويين في معركة جالدران الشهيرة، بينما تتهمه الأقلية العلوية/النصيرية بارتكاب مذبحة ضد أبناء طائفتها، وهو ما ينفيه مؤرخون وأكاديميون. الرئيس غول برر تسمية الجسر بالقول إنه وفاء لسلطان عظيم "وسّع حدود إمبراطوريتنا، وجلب آثاراً مقدسة" للنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى إسطنبول (موقع بلوم بيرغ، 31 ايار/مايو).
كثير من العلمانيين يشعرون أن حزب العدالة والتنمية ليس وفياً للقواعد التي أرساها مؤسس الجمهورية، أتاتورك. من ذلك مثلاً توجيه بلدية أنقرة المواطنين من خلال لافتات توعوية في محطات مترو الأنفاق إلى الإحجام عن تبادل القبلات في العلن، و"التصرف وفق القيم الأخلاقية". في 25 من شهر أيار (مايو) الماضي شهدت إحدى محطات الأنفاق تظاهرة، شارك فيها 100 من الرجال والنساء، قاموا بتبادل القبل، ووضعوا على أفواههم أشرطة لاصقة احتجاجاً على اللافتات (هفنغتن بوست، 25 أيار/مايو). تطور آخر اثار أيضاً حفيظة العلمانيين، وهو منع الخطوط الجوية التركية موظفاتها من وضع أحمر الشفاه، ومن طلي الأظافر باللونين الأحمر أو الوردي، ومنعهن من الظهور بشعر لا يبدو لونه طبيعياً (حريات ديلي نيوز، 3 حزيران/يونيو). أخيراً، دعا أ ردوغان الشعب التركي إلى إنجاب 3 أطفال على الأقل، وتعمل حكومته على تقديم حوافز لتشجيع الشباب على الزواج والإنجاب.
الانتفاضة إذن لم يشعلها مجرد الغضب على إعادة بناء ثكنات عثمانية، ولا الخوف على البيئة. إنها القلق العميق لدى شرائح علمانية في المجتمع من تفكيك بنية النظام الاجتماعي الذي ساد عقوداً. آنا لوي سوسمَن كتبت في الفاينانشال تايمز قبل عام عن استخدام حكومة أردوغان ذريعة "التجديد الحضري" لتنفيذ أجندة محافظة في العاصمة أنقرة، مُستهدِفةً تحديداً "تجارة الجنس" التي طالما نظمتها الدولة، ومُصدرةً تعليماتها للشرطة بملاحقة المومسات بتهم "زائفة"، وإزالة مواخير الدعارة من أجل بناء أحياء جديدة وراقية.
هل أحرق أردوغان وحزبه المراحل في برنامجهم الرامي إلى تخفيف قيود العلمانية الصارمة؟ لا. حسناً فعل أردوغان عندما أصر على استمرار مشروع إعادة تشكيل ميدان تقسيم. يجب أن يستمر في برنامجه الذي انتُخب لتحقيقه، وقد عبر عن ذلك بقوله إن الأمة التركية "انتخبتنا لنستعيد تاريخنا". ليس بوسع زعيم منتخب التراجع أمام تظاهرات يغلب عليها الشغب، ويؤججها الخوف من تهاوي بقايا نموذج متطرف من العلمانية، مصادم لهوية البلاد، ومتنكر لتاريخها.
هل ثمة خوف على "جمهورية أردوغان" التي تشكلت بمجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم؟ لا، فقيادة الحزب استطاعت إعادة العسكر إلى ثكناتهم، وتحجيم المحكمة الدستورية، بينما نضج المجتمع المدني التركي كثيراً، وضربت الثقافة الديموقراطية بجذورها في الممارسة السياسية، ولم يعد أحد في تركيا يقبل بفكرة الانقلاب، أو يبحث عن إجابات في إطار النموذج القديم، بما في ذلك المعارضة العلمانية. هل أفرط أردوغان في الثقة بنفسه؟ ربما. وعليه أن يحسب خطواته جيداً، وأن يتعامل مع نبض الشارع، بعيداً عن الزهو، وبعيداً عن العنف بالطبع.
ربما يفكر أردوغان الآن بطرح مشروع الدستور الجديد الذي ينص على تحويل الدولة من النظام البرلماني إلى الرئاسي قبل نهاية العام الجاري، لتدخل البلاد مرحلة أخرى جديدة من مراحل التحرر من أغلال الكمالية. الدستور الجديد يمنح الرئيس سلطات أكبر، ويُعد أردوغان المرشح الأوفر حظاً بالمنصب.
تركيا تتجه إلى الاستقرار، و "سلطانها" يدفع ضريبة تغيير لم تكن قط في المتناول. وبتعبير مجلة الإيكونومست، فإن أردوغان ربما "يتساءل عما إذا كان هو ضحية نجاحه".

*أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود
https://twitter.com/LoveLiberty


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.