التراجيديا الكبرى ليست الاضطهاد والعنف الذي يرتكبه الأشرار، بل صمت الأخيار على ذلك. كلمات أطلقها الثائر الراحل مارتن لوثر كنج تذكرتها وأنا أشاهد هذا الثوب الأسود تلفحت به أجواؤنا العربية ذلك الثوب الذي نسجه الآباء الأولون للجن وإبليس اللعين فخيوطه نسجت من الحقد والكراهية وألوانه مشبعة الدم يخرج لنا من بين ثناياه جثث القتلى وآهات الجرحى وعويل الثكلى وصراخ الأطفال وانكسار الكبار. فحينما يصبح تناثر الأجساد وتحولها إلى أشلاء ثقافة!! وحينما يصبح إزهاق الأرواح عادة ولا تدمع عيناك ولا تأخذك بها رحمة ولا شفقة!! وحينما لا تفكر فيما أزهقت هذه الأرواح أوهي ظالمة أم مظلومة!! وحينما تري النار تلتهم الأخضر واليابس و لا يتحرك من يطفئ جذوتها!! فحينما تري كل هذه المشاهد والمآسي فاعلم إنك في بلد الشيطان. ذلك البلد زرعت وترعرعت فيه الطائقية الدينية. نعم الطائفية ذلك المصطلح الكريه الذي وددت لو لم يكتب في قواميس الدنيا وما عرفته البشرية لما تفوح منه كل ألوان الكراهية للجنس البشري. وهل هناك أشد بؤسًا من شعب ارتضى أن تكون لغته كل مفرداتها الإقصاء والحقد والكراهية تحت اسم الطائفية؟! وهل هناك أشد بؤسًا من شعب ارتضى أن يقسم نفسه إلى شيعي وسني ويرتضي لنفسه أن يرتدي الثوب الأسود؟! وهل هناك ثوباً أكثر سواداً مما ترتديه العراق من منذ تسع سنوات وتستعد لارتدائه سوريا ؟! لا أعرف لماذا الإصرار على ارتداء هذا الثوب اللعين والبغيض؟! لماذا لا نتعلم من تجارب الأمم الأخرى وننشر لغة التسامح والعيش في سلام؟! لماذا الإصرار على اجترار ثقافة الاستئصال للآخر؟! لا أعلم من زرع فينا هذه الكراهية المقيتة للآخر؟! دراسة علمية متخصصة في شئون الأديان أثبتت أن الغالبية العظمى من الناس لديها معلومات سطحية عن الطوائف الإسلامية، وغالبًا هي معلومات خاطئة، لكنهم يعتمدون عليها في بناء عداء ضخم لبعضهم، لا يتناسب مع حجم المعرفة التي يمتلكونها، فضلًا عن غياب تجربة سابقة أو أي احتكاك مباشر مع أي فرد من الطائفة الأخرى، لقد تنامى العداء بين السنة والشيعة بشكل ممنهج، حتى شكّل شرخًا واضحًا في المجتمع الإسلامي، والواقع أنه صنيعة السياسة، وليس صنيعة الإسلام نفسه. فكلمتا سنة وشيعة، هما كلمتان عامتان تشملان عدة طوائف؛ فعند أهل السنة هناك أهل الحديث، والصوفية بطرائقها، والسلفية التي تقسم إلى: السلفية الجهادية، والعلمية. وعند الشيعة هناك الزيدية، إضافة إلى الإمامية التي تقسم إلى: الإثني عشرية، الإسماعيلية، والعلوية. ويتفرع من الإثني عشرية والإسماعيلية عدة فروع. وبالمرور السريع على الديانة المسيحية، نجد أن طوائف المسيحية الرئيسية (الأرثوذوكسية، الكاثوليكية، والبروتستانت) تختلف عقائديًا في مسائل مهمة مثل الروح القدس، طبيعة السيد المسيح، ومريم العذراء. كما أن هناك كثير من الخلافات في التعاليم الدينية، وهذا ينسحب على الطوائف اليهودية أيضًا، رغم أن الخلافات العقائدية لديهم أكثر تعقيدًا. إذن الأديان السماوية الأخرى لديها نفس التقسيمات والطوائف لكن لا تظهر تلك الخلافات علنًا بل وصلت إلى قناعة بضرورة وحتمية العيش معنا بسلام. اليوم، لدى المسلمين حالة شمولية خطيرة تعتمد على آليات التدمير الذاتي، يسببها سبات التفكير؛ فأصبح سلوك سني واحد هو حجة على السنّة جميعهم، والأمر نفسه بالنسبة للشيعي. تستدعي تلك الحالة استحضار الواجب الديني الذي يفرض على المسلمين فهم تعاليم دينهم، وتفاصيل الطوائف، من مصادر متنوعة، تجنبًا للفتنة والعصبية، ومن أجل منع أعداء الإسلام من تحقيق غاياتهم. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فالنتيجة الحتمية هي الدمار والخراب. "علينا أن نتعلم العيش معًا كإخوة، أو الفناء معًا كأغبياء"