في مرحلة من مراحل حياتي التي عشتها في الخليج العربي تعرفت علي مذهب الشيعة عن قرب واطلعت علي كتبهم وأفكارهم وتناقشت معهم فيها. وأزعم أنني علي قدر من الثقافة الدينية تأسست بداخلي في كتاب القرية شأني في ذلك شأن العديد من المصريين يؤهلني للخوض في نقاش من هذا النوع الذي ينتهي عادة إلي رؤية سياسية أحادية النظرة للتاريخ الإسلامي تجعل كل طرف يتشبث بموقفه خصوصا أن الشيعة يعتقدون في ضرورة الثأر لآل البيت قبل إجراء أي مصالحة تاريخية مع السنة. ومن عاش أو يعيش في الخليج قد يتعرض لمناقشات من هذا النوع لكن ما يعلق في ذهني حتي اللحظة ولا يغادره قول محدثي وهو من رموز الشيعة وأقطابها أن القرن العشرين يعد علامة فارقة في تاريخ الشيعة منذ عهد الإمام علي بن أبي طالب وحتي الآن. فمنذ قيام حسن البنا بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر في ثلاثينيات القرن العشرين ومن ثم نشرها في الدول العربية والعالم أصبحنا نعتبر أن الشيعة تتكون من 13 فرقة بعد أن كنا تاريخيا نحصيها ب12 فرقة والأخيرة نعدها الأكثر تطرفا ونرمز إليها بالاثني عشرية. وحينما قاطعته بأن الإخوان المسلمين ينتمون إلي السنة قال لو أن حسن البنا واتباعه قالوا للمصريين بأنهم شيعة لوئدت الفكرة في مهدها. ولكن الرجل تحلي بالتقية التي نعرفها عندنا في الشيعة وهي التظاهر بعكس الحقيقة حتي تكونت الجماعة التي نراهن عليها في عودة مصر إلي المذهب الشيعي بعد أن قضي عليه صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري. وإذا دققت وتمحصت في التاريخ المعاصر فسوف تجد من أول وهلة وحدة المواقف بين الإخوان المسلمين والشيعة في إيران حتي ولو تباينت وسائلها لكن غايتنا واحدة، وهذا كلام القطب الشيعي. وحتي لا يزايد علي أحد فأصغر أطفالي يحفظ من القرآن الكريم نفس القدر الذي يحفظه مرشد جماعة الإخوان المسلمين. ولكني هنا أريد أن أفرق بين أن يكون الإنسان المصري متدينا وهو كذلك بطبيعته لأنه عرف التوحيد قبل الأديان، وآخر يرتدي وشاح الدين وأعطي لنفسه الحق في إقصاء الآخر أي آخر مادام لا ينضوي تحت كنف الجماعة التي مارست في تاريخها كل فنون الزيف السياسي، وانقلبت علي كل مجتمع عاشت فيه، واتخذت موقفا مناقضا ضده. فقد وقفت مع الحوثيين الشيعة في حربهم الأخيرة ضد المملكة العربية السعودية التي احتضنتهم وفتحت لهم أبوابها للعيش والعمل وقت أن ضيق عليهم الرئيس جمال عبدالناصر وخلفه الرئيس السادات قبل أن ينعموا بحرية الفكر والحركة التي أتاحها لهم الرئيس مبارك. كما أنهم انحازوا لصدام حسين في احتلاله للكويت وباركوا تشريد أهله رغم أن الآلاف منهم كانوا يعيشون في الكويت ويعملون في جامعاتها ومدارسها ومصانعها. وإذا تمحصنا ودققنا في الداخل المصري سنجدهم ضد كل مشروع وطني يتفق عليه المجتمع. وفي تقديري أن الدولة المصرية في بدايات القرن الماضي أخطأت خطأ جسيما بأن تركت الجماعة تطلق علي نفسها لفظ الإخوان المسلمين في دلالة مباشرة علي إقصاء الآخر ونفيه. وتوارثت الحكومات المصرية المتعاقبة سياسة غض الطرف عن الجماعة التي تسللت بأفكارها طوال العقود الماضية إلي عقول الشباب الغض في المدارس والجامعات والقري والنجوع تحت ستار الدين مستغلة مناخ الحرية الذي تعيشه مصر. إلي إن جاء الوقت التي فطنت فيه الحكومة المصرية في السنوات القليلة الماضية إلي خطر وخطأ التسمية التي دغدغت بها الجماعة الوازع الديني لدي بعض الشباب وبهم استطاعت الجماعة في السنوات القليلة الماضية توظيف الدين لتحقيق اطماع سياسية حتي صعدوا إلي مجلس الشعب في انتخابات قد تؤدي بهم «من وجهة نظرهم» إلي إعتلاء السلطة وتأديب وقمع كل من يخالفهم الرأي والفكر. كما كان اعتقاد الخوارج في بداية العصر الإسلامي الذين تجمعهم أوجه شبه كثيرة مع جماعة الإخوان خصوصا فيما يتعلق بالشكل فكل منهما أحدث دويا لكن دون فعل ولم يكن لأي منهما أثر فكري أو عقائدي في المجتمعات التي عاشوا فيها ولكن الفارق أن الخوارج عاشوا عدة قرون تميزوا فيها بآراء ومعتقدات وأنظمة لفتت إليها أنظار علماء التاريخ والفرق الإسلامية بينما لم تترك جماعة الإخوان أثرا يذكر غير الصدام والانقلاب علي مجتمعاتها وتفريخ التطرف الديني. وفي تقديري أنه طبقا لما يسمونه في الغرب بمعدل التسارع في الزمن فأنا أتنبأ بأن جماعة الإخوان علي وشك الانقراض لأنها تحمل في داخلها عوامل فنائها، ولن يأتي اليوم الذي تنتظره الجماعة لتحتفل فيه بمرور قرن من الزمان علي تأسيسها.