اتصلت بوزير حبيب إلى قلبي، وكنت أعرفه – قبل تقلده الوزارة - عن قرب، والكل يعرف نزاهته، ولا يستطيع أحد أن يزايد على ذلك، وهو ماهر فى تخصصه.. ولكن ممارسته للعمل الإدارى ليست بالدرجة المطلوبة، وهذا ليس عيبًا قبل أن يكون وزيرًا، ولكن الآن هو عيب كبير؛ لأن هناك طائفة تحوطه مدربة تدريبًا ماهرًا فى إدارة الوزارة إدارة فكرية، (أى احتكار الإدارة وما يتبعها لخدمة فكر بعينه)، وقد بلغت الإدارة من الاحتراف أن توهم سيادة الوزير أنها تعمل بنزاهة ودون تحيز، مما جعل الوزير يعتقد ذلك بل ويدافع عنه!! وعندما تأكدت - بالبرهان والأدلة - أن هذا الاحتكار الفكرى قد طغى، اتصلت بسيادة الوزير كما كنت أتصل به من قبل أن يكون وزيرًا فلم يرد عليّ، وبعد محاولات متكررة جبر سيادته بخاطرى ورد عليّ، وعندما سألته عن عدم رده على الهاتف، قال لي: "الدنيا اتغيرت"!! فكرت فى هذه الكلمة، ولكن أخذت أتكلم معه، والكلمة تطعن فى قلبى وفكرى حائر، وكان استمرار الكلام معه لأننى أريد أن أبلغه النصيحة التى هى عماد الدين: "الدين النصيحة". يا سيادة معالى الوزير: هل معنى الدنيا اتغيرت أن أتنكر للناس، وقد كان معلمى ومعلمك تأخذ الأمة بيده حيث شاءت، ويسلم على الصغير والكبير، ولا ينزع يده من يد من يسلم عليه حتى يكون هو الذى ينزع! وهل الدنيا تغيرت عند حضرتك عما وصفها القرآن الكريم (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، وعما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها لا تساوى جناح بعوضة.. الدنيا لم تتغير يا سيادة الوزير ولكن الإنسان هو الذى تغير، الذى تغير هو الذى لم يقبل النصيحة سرًا بل اعتبرها إساءة.. يا سيادة الوزير رغم ما فعلته معى وإصرارك على موقفك وأنك على صواب أنت والإدارة التى تحوطك، رغم كل ذلك ما زالت النصيحة سرًا، ولم أبين لأحد ولن أصرح من هو الوزير، والذى دفعنى إلى كتابة هذه النصيحة ونشرها حتى يحذر الكل من المنصب الزائل الذى لا يساوى جناح بعوضة، كما أننى خشيت ألا ترد علىّ مرة أخرى على الهاتف، مما جعلنى آسفًا أن أبلغها عبر الجريدة لأن الدنيا اتغيرت!!