يخطئ من يظن أن المعركة التي تدور رحاها الآن في وزارة الثقافة اليسارية (المصرية سابقًا) هي شأن خاص مثلها مثل المعارك التي تدور في كثير من الوزارات، والتي حملت عنوانًا خادعًا وهو مناهضة الأخونة. فإذا كانت معارك الوزارات الأخرى تتمركز حول مكافحة الفساد المالي ومعالجة الترهل الإداري، فإن معركة وزارة الثقافة يضاف إليها بعد آخر، وهو استنقاذ الوزارة من الاحتلال العلماني (الماركسي بصفة خاصة)، والذي تمكن من غرس أنيابه في جسد الثقافة المصرية إثر الصفقة الحرام الشهيرة التي تمت مع نظام عبد الناصر برعاية الاتحاد السوفيتي حينها، والتي خرج "الرفاق" بمقتضاها من السجون، وكفوا عن مشاغبتهم للنظام آنذاك، واختاروا في مقابل ذلك الاستيلاء على المنابر الثقافية والإعلامية! لذا فمن الغبن أن نعتبر أن حركة التطهير التي بدأها الوزير الجديد د.علاء عبد العزيز معركته الخاصة بل هي معركة الوطن بأسره فقد تمكن "المغتصبون" على مدار عقود من تحويل الوزارة من منبر معبر عن هوية البلاد وحضارتها وثقافتها إلى محضن لكل الكارهين لعروبة مصر وعمقها الإسلامي، وصارت تجسيدًا لثقافة الإقصاء التي تغلغلت في أوصال غلاة اليساريين والحداثيين الذين مارسوا حالة من "التكفير الثقافي"، بعد أن تمكنوا من صياغة مفهوم جديد للثقافة والمثقف على أساس الانحياز الفكري والأيديولوجي فبات المثقف في عرفهم هو من انتمى إلى أهل "اليسار" حتى ولو كانت بضاعته من العلم والمعرفة والفهم محدودة، بل وتطور المفهوم حتى صار حكرًا على المنضمين لحظيرة "فاروق حسني" التي استطاع أن يجمع فيها أغلبية المناضلين والثائرين ويجري له عملية "تدجين" واسعة النطاق نالت من براءتهم الثورية ونقائهم النضالي .. والغريب أن البعض يريد الرهان على ضعف الذاكرة الوطنية التي يراد منها أن تنسى أن الذي أضاع الثقافة في مصر على مدار الثلاثين سنة ليسوا أولئك الإسلاميين "الأشرار"، فقد تم إقصاؤهم عن جميع مرافق الثقافة في مصر لصالح شلة اليسار، وأن الذي أحال مطبوعات وزارة الثقافة إلى ما يشبه المنشورات السرية التي لا يكاد يسمع بها أحد ليسوا بالطبع أصحاب الفكر الإسلامي، فقد ظلت هذه المطبوعات محرمة عليهم تحريم الأم على ابنها في الوقت الذي استباحها الحداثيون والبنيويون والفوضويون... إلخ بل وأنصاف المتعلمين فمن النوادر التي تتردد في أروقة وزارة الثقافة أن واحدًا من أصحاب الحظوة والمكانة والذي يشرف بمفرده على ثلاث مطبوعات دورية حاصل على دبلوم تجارة! وزارة الثقافة تحولت إلى "سبوبة" استرزاق لصالح فئة محدودة ومعروفة وتم توجيه "خيرها"، ومميزاتها لمن ترضى عنهم الدولة ممثلة في شخص فاروق حسني (بالمناسبة لم يؤلف فاروق حسني كتابًا واحدًا) وذلك عن طريق منح التفرغ وجوائز الدولة المختلفة، والتي شهدت فضائح من العيار الثقيل على مدار العقود الماضية، فقد تم منحها لحاملي الشهادات العلمية "المضروبة" وأصحاب القصائد المشبوهة التي تسب الذات الإلهية وتنتقص منها. وللأسف فقد تم اغتيال الحالة الثقافية المصرية عن عمد فأهملت قصور الثقافة في المدن والمراكز التي كانت بمثابة المحضن الذي تتفجر فيه المواهب منذ نعومة أظافرها، مما ترتب عليه إهمال مبدعي الأقاليم وما أكثرهم، وتمت محاربة المواهب الشابة إما حسدًا من قبل "عواجيز الحظيرة"، وإما رفضًا إن كانت تحوم حوله أدنى شبهة بتصالحه مع دينه وعقيدته فهناك من المواهب الكثيرة التي رفعت اسم مصر عاليًا في المحافل الأدبية الخارجية، ولكنها تعرضت للطرد من "جنة" وزارة الثقافة اليسارية بسبب إيمانهم واعتزازهم بالإسلام وقيمه وعقيدته. ومن هنا يمكننا فهم حالة الهياج التي انتابت رواد الحظيرة بعد تعيين الوزير الجديد فحتى الآن لا يريدون أن يصدقوا أن "التكية" التي ظلوا ينهبونها على مدار عقود قد آن لها أن ترجع إلى الشعب، كما أنهم أدركوا أن الوزير جاء رافعًا شعار "لا تصالح"، لذا بادروا بتقديم استقالاتهم قبل قرارات الإقالة المتوقعة وليس من باب الاعتراض على أخونة الوزارة، كما يرددون من باب بيدي لا بيد غيري! الوزير علاء عبد العزيز في معركة من العيار الثقيل.. معركة ضد الفساد الذي يملأ أركان الوزارة ومعركة أشد أهمية تتمثل في الحفاظ على هوية الأمة وثقافتها، لذا فمن الغبن أن نتركه بمفرده ونكتفي ب "الفرجة " فهي ليست معركته بل معركة الوطن. قلبي وقلمي معك .............. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.