مولانا الذي في الحظيرة يصر على إشغال الرأي العام بما لا يفيد. عقد قبل فترة قليلة مائدة مستديرة بالمجلس الأعلى للثقافة حضرها عدد من مثقفي الحظيرة, وكما نشرت الصحف فقد استعرض فضيلته الوضع الثقافي الراهن وعلاقته بالمتغيرات الراهنة وموقف الوزارة تجاه ما يسمى التحديات الراهنة والمستقبلية وكيفية التعاون بين وزارة الثقافة والمثقفين من أجل رسم استراتيجية ثقافية مستقبلية لمصر والإعداد لعقد مؤتمر عام للمثقفين ومراجعة أداء الوزارة وتشكيل رؤية مستقبلية كاملة لوزارة الثقافة وكيفية الحفاظ على الفن والإبداع. وتم الاتفاق بين المجتمعين على عقد ملتقى للمثقفين المصريين لبحث هوية مصر الثقافية(؟) وذلك في النصف الأول من شهر يناير (لم يعقد هذا الملتقى!), في الوقت ذاته سوف يتم تناول هذا الموضوع الذي تعنى به قطاعات وزارة الثقافة بدءًا من المجلس الأعلى للثقافة فضلًا على الهيئة العامة لقصور الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب سواء على مستوى النشر أو على مستوى الفعاليات الثقافية. مشكلة السادة الذين يديرون الحظيرة الثقافية أنهم يعيشون بعيدًا عن الأرض والواقع، ويدورون في فلك المغانم والمنافع التي تدرها الحظيرة بغزارة، وتصل إلى جيوبهم المنتفخة وحساباتهم المكتظة، ومن ثم لا تعنيهم الثقافة ولا المثقفون. كل ما يعنيهم هو إطلاق بعض الشعارات عن حرية التعبير والتفكير ومواجهة القوى الظلامية، أي القوى الإسلامية، ومكافحة الإسلام بوصفه رمز الظلام والتخلف والرجعية. من يتأمل ما تستعرضه الحظيرة الموقرة عن الوضع الثقافي وعلاقته بالمتغيرات أي الثورة وفوز الإسلاميين في الانتخابات، والحديث عن رسم سياسة مستقبلية لمصر، وعقد مؤتمر (عام) للمثقفين... إلخ، يشعر أن القوم يستهينون بعقول الشعب، ويصرون على خداعه والضحك عليه، وهو الذي اشتهر أنه يفهمها وهي طايرة، ويصعب أن يضحك أحد عليه أو يستغفله. الوضع الثقافي الراهن الذي صنعته الحظيرة منذ خمسة وعشرين عامًا، لا يبشر بخير أبدًا، لأنه فاسد وضد هوية الدولة، ويتبنى رؤية فصيل واحد هو الفصيل اليساري وأشباهه ممن وضعوا نصب أعينهم إقصاء الإسلام وتهميشه واستئصاله وإعلان الحرب عليه في كل المناسبات، مع السعي لتغيير هوية الدولة الإسلامية لصالح التغريب والتبعية والاستلاب. لا ندري ما ذا تعني الدعوة إلى رسم سياسة مستقبلية لمصر الآن؟ ألم يكفكم ربع قرن من الزمان لتضعوا سياسة مستقبلية؟ ما ذا كنتم تفعلون بالضبط طوال هذه الفترة؟ هل كنتم ترتعون وتلعبون وترقصون على جثة الشعب المصري؟ أم إن هذا اعتراف بأن ربع قرن من الزمان شهد جريمة كبرى ضد عقل الإنسان المسلم ووجوده وفكره وتصوراته من خلال ما كنتم تفعلونه به في شتى الأنشطة التي كنتم تمارسونها بدءًا من إهدار المال العام – وهو كثير – فيما لا يفيد، حتى الحرب القبيحة التي شنت ضد الإسلام وقيمه ومفاهيمه دون حياء أو مواربة؟ تريدون الآن عقد مؤتمر للمثقفين يبحث أمر الوزارة والثقافة. حسنًا .. هل المثقفون الذين سيدعون إلى المؤتمر العام سيكونون من عموم الحظيرة التي لا تمثل خمسة في المائة من مثقفي مصر الحقيقيين؟ أم إن الحظيرة ستعترف بالشعب المصري ومثقفيه الذين لم يلتحقوا باليسار وأشباهه؟ لا ريب أن فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية والنقابية والرئاسية قد أزعج الأقليات المهيمنة على حياتنا الثقافية والفكرية، فجُمِّعت الجموع وسيّرت المسيرات وأصدرت البيانات، ورفعت شعار لا للأخونة لإرهاب الإسلاميين، ومنعهم من العمل، والحيلولة دون اختيار من يخافون الله في الإدارة والقيادة، ودفعهم إلى اختيار عناصر من الحظيرة أو السائرين على فكرها وثقافتها، وقد رأينا نتيجة ذلك عند اختيار مستشاري الرئاسة ومساعديها، فقد رأينا أغلبهم يعلنون استقالاتهم ويغادرون السفينة ظنًا منهم أنها ستغرق، وأن الأشرار سيعودون من جديد، وذلك في مشهد من المشاهد التي أعف عن وصفها. الحظيرة على تعدد مشاربها ووسائلها تتفق على استئصال الإسلام وتغييبه، وتتحالف ضد وجوده في أي نشاط من أنشطة الدولة، لأنهم يرونه خطرًا عليهم وعلى مصالحهم غير المشروعة، ولذا انحرفوا بالثقافة المصرية عن طبيعتها الإسلامية، وبعضهم يتعطف ويتلطف ويجعلها رافدًَا من روافد الثقافة المصرية، ويتناسون أن الثقافة الإسلامية هي الجذع والفرع، لسبب بسيط وهو أنها ثقافة هاضمة، تفيد من الثقافات الأخرى وتستوعب الصالح منها وتؤسلمه، وترفض ما لا يتفق مع معتقداتها وخصوصيتها، فقد هضمت ما سبقها من حضارات محلية وعالمية وأبقت على الصالح منه، وجعلته جزءًا من نسيجها العام لأن فيه نفعًا لها وللإنسانية جميعًا. قبل انقلاب يوليو 1952 لم تكن في مصر وزارة ثقافة ولا جيش عرمرم من الموظفين والمسئولين الثقافيين، ومع ذلك نجحت مصر أن تصنع مشهدًا ثقافيًا رائعًا وعظيمًا يضم أعلامًا حقيقيين في شتى التخصصات الثقافية والفكرية، وإنتاجًا ثقافيًا متنوعًا في وسائط راقية ومتقنة، من خلال جو تنافسيٍّ بديع، يتحرك في إطار من الحرية والحق بالمشاركة لجميع أطياف الثقافة والأدب والفكر، ودون مصادرة لأحد أو استبعاده أو تهميشه أو إقصائه كما تفعل الحظيرة وأعلامها ضد مخالفيهم ومنافسيهم. الثقافة الحقيقية هي التي يصنعها الموهوبون والدارسون، وليست الحظيرة الموالية للنظام البوليسيّ المستبد البائد، وهي التي يمكنها أن تكون سفيرًا فوق العادة إلى البلاد العربية والعالم. أما الحظيرة فلا يمكنها أن تتحرك بالثقافة قيد أنملة. *** عبير