لن أعلق على ما قاله بخصوص أن الحملة تمثل إرادة شعبية وتعبر عن موقف جماعى، لأن هذه عبارة مطاطية عامة تصلح كشعار سياسى أكثر من كونها سنداً قانونياً، لكن ما طرحه وأكده من أن (التوقيعات صحيحة وموثقة بالاسم والإمضاء والرقم القومى وستنجح فى الحصول على شرعيتها إذا تم الحصول على أكثر من 8 ملايين توقيع)، فهذا هو محل الاستغراب والدهشة، فكيف تجزم بأنها صحيحة وموثقة؟ هل هناك جهة رسمية لها صبغة قانونية للتوثيق تستند إلى قانون مثل القانون رقم 70 لسنة 1964م بشأن التوثيق والشهر المعدل بالقانون رقم 83 لسنة 2006م الذى يتحدث عن توثيق المحررات والتصديق على التوقيعات والبحث فى السجلات والفهارس وإثبات التاريخ والمراجعة وتحصيل رسوم على التوثيق .... إلخ، هل ذلك ينطبق على توثيق توقيعات حركة تمرد؟ وما دلالة الرقم 8 ملايين توقيع؟ هل له دلالة قانونية أو دستورية؟ فماذا لو كان 7 ملايين أو 6 ملايين؟!! ومن أغرب ما قرأت أيضاً وهو رأى لمستشار ورئيس جمعية قانونية أن موضوع التوقيعات هو (عرف سياسى وقوانين عفوية وهو بمثابة تعبير عن الرأى يقترب من مسار الثورة ومن ثم تحكمه القواعد الثورية وليس الدستورية)، وذلك كلام شديد الغرابة لأنه يطرح فكرة غريبة وهى (القوانين العفوية)، والتى أفهم منها كما وردت عند قائلها، أن هذه التوقيعات وهذه الحركة قد أوجدت قانوناً عفوياً يترتب عليه عزل الرئيس حتى ولو لم يرد ذلك فى أى مادة من مواد الدستور، بل ويجب أن يصلح الدستور من العوار الذى أصابه بأن يضم به مادة تؤكد سقوط شرعية الرئيس لوجود هذه التوقيعات أو استطلاعات الرأى أو مطالب بسحب الثقة!! والأغرب من ذلك أن السيد المستشار رئيس الجمعية القانونية يوسع المفهوم ليجعل هذه القوانين العفوية لها صفة الدولية، لأنها فى زعمه رسالة توجهها مصر للعالم على أن الرئيس المصرى مرفوض شعبياً ولا يصلح له أن يكون قائماً على أى اتفاق بين مصر وبين أى دولة خارجية! ولا يختلف ما طرحه (الفقيه الدستورى) و(المستشار رئيس الجمعية الحقوقية) فى كلامهما السابق من غرائب دستورية وقانونية عما ورد فى نص الورقة التى أعدتها حركة تمرد، ولنحاول قراءة ديباجة الورقة وفقرتها الأهم التى تقول: (أعلن أنا الموقع أدناه بكامل إرادتى وبصفتى عضواً بالجمعية العمومية للشعب المصرى سحب الثقة من رئيس الجمهورية محمد مرسى عيسى العياط، وأدعو الشعب لانتخابات رئاسية مبكرة، وأتعهد بالتمسك بأهداف الثورة والعمل على تحقيقها ونشر حملة تمرد بين صفوف الجماهير، حتى نستطيع معًا تحقيق مجتمع الكرامة والعدل والحرية)!! ولعلنا نلاحظ على هذه الصيغة عدة أمور تدعو للدهشة، أولها: التأكيد على (كامل إرادة) الموقع وهى غير متحققة فى ظل غياب جهة رسمية لتوثيق هذا التوقيع ومدى معرفة (حرية الإرادة) هنا من عدمه سواء بالإغراء ودفع مبالغ مالية أو بالتزوير والتزييف، فهذه الجملة تكفل عدم قانونية الحملة، لأنها ستجعل من الحملة الخصم والحكم فى وقت واحد، فهى خصم للدكتور مرسى بطبيعة الحال، فكيف يقوم هذا الخصم – الذى لا ينكر خصومته – بالحكم على الرئيس بالعزل أو سحب الثقة؟ ومن الذى يراجعه فى حكمه أو يتأكد من إجراءاته؟ ثم لاحظ أن نص التوكيل يعترف بالدكتور محمد مرسى رئيساً للجمهورية، وهذا اعتراف بالشرعية غير مقصود، فإذا كان شرعياً بنص الورقة ذاتها فكيف يمكن الخروج على شرعيته بإجراء غير شرعى؟! ولاحظ أيضاً أن الورقة، وبالتالى الحركة تعطى لنفسها الحق فى دعوة الشعب لانتخابات رئاسية مبكرة، وهنا تتحول الحركة بموجب هذه الجملة إلى مؤسسة رسمية دستورية تمامًَا مثل مؤسسة الرئاسة أو البرلمان أو المحكمة الدستورية أو الجيش!! من حقها أن تدعو جموع الشعب لهذه الانتخابات المزعومة بدون معرفة متى ستقام ومن سيشرف عليها، وما الخطوات الإجرائية والزمنية لعقد هذه الانتخابات؟! ثم نرى هناك ممن يدافعون عن الحركة من يتخطى مسألة قانونية أو دستورية الحركة، ليؤكد أن الحركة (تفوق القانون والدستور لأنها تعبر عن إرادة جموع شعب ولو حصلت حركة تمرد على موافقة أغلبية الشعب فستكون لها قوة ثورية تفوق القوة القانونية)، هذا ما أكد عليه وما طرحه المستشار أمير رمزى مشبهاً حركة تمرد بالحركات التى كانت قبل الثورة، مثل حركتى كفاية والوطنية للتغيير ولم يكن لها سند قانونى حينها.. وقد نسى المستشار أن حركتى كفاية والوطنية للتغيير لم يقوما بجمع توقيعات أو توكيلات لسحب الثقة من الرئيس السابق حتى نقارن بين حركة تمرد وبينهما، أضف إلى ذلك عبارة "فوق القانون والدستور" التى تتكرر كثيراً عند من يؤيدون الحركة، والتى تعطى الشرعية الزائفة لكل حركة ولكل مجموعة تفعل ما تراه مناسباً فى رأيها وفى توجهها السياسى، فهذه التوقيعات ستفتح الباب أمام مجموعة أخرى قد تجمع توقيعات لعزل محافظ، ومجموعة أخرى لعزل رئيس وزراء أو وزير، ومجموعة ثالثة تجمع توقيعات لتعيين رئيس ما للدولة ترضى عنه!! وبذلك سنعيش فى المرحلة المقبلة تحت مظلة (دولة التوقيعات) وليس (دولة القانون والدستور)!! وفى النهاية فإننى لا أملك نفسى من الدهشة، بل ومن الحيرة مما يبديه كثير من أقطاب المعارضة الذين تبنوا ودعموا حركة تمرد، خاصة هؤلاء الذين يعلنون ليل نهار، وصباح مساء، أنهم لا يقرون بشرعية الدكتور مرسى، وينتهزون كل فرصة لكى يعلنوا سقوط شرعيته فى زعمهم.. وهنا نتساءل: إذا كنتم لا تقرون بشرعيته فلماذا تتعبون أنفسكم وترهقون أتباعكم فى الوصول إلى النتيجة التى تؤمنون بها؟! وإذا كانت لديكم كل هذه المقدرة من حيث التمويل والتنظيم والتجاوب الشعبى فى الشارع والثقة فى النفس من أنكم ستجمعون 15 مليون توكيل!! إذا كان كل ذلك صحيحاً فلِم الخوف من الانتخابات البرلمانية التى قد تصل بكم إلى ما تريدون؟! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.