عندما ظهرت حركة تمرد – وإن كان من المبكر أن نطلق عليها حركة – استقر فى أوهام بعض البسطاء أن تلك التوقيعات التى يجمعونها كفيلة بإسقاط الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية!! ومن هنا جاء الرد من الرافضين لهذه الحركة بأنها ليست قانونية أو دستورية ولا قيمة لها ولا تأثير.. فقام بعض أقطاب المعارضة – وللأسف منهم قانونيون – ليقولوا إن حركة تمرد هى حركة قانونية، ثم سكت بعضهم بدون أن يوضحوا كيف تكون قانونية ودستورية؟! وحتى عندما تكلم البعض الآخر حاول استخدام المنطق السياسى فى التبرير للحركة وإيجاد غطاء سياسى وإعلامى لها أكثر من الارتكاز على السند القانونى والدستوري، وما إلى ذلك للتدليس على الرأى العام والبسطاء وجعلهم يتقبلون هذه الحركة ويتفاعلون معها. أما عن (قانونية) حركة تمرد فلابد أن نفرق بين شيئين، الأول هو (قانونية الفكرة)، أى أن هناك سندًا قانونيًا للتوقيعات التى تقوم بها الحركة، والثانى هو (قانونية الأثر والنتيجة)، أى جدوى هذه التوقيعات فى عزل الرئيس أو سحب الثقة منه، فإذا كان ما يقصده أقطاب المعارضة من قانونية الحركة أنها وسيلة مشروعة من وسائل التعبير والاعتراض، فلا مانع من ذلك شكليًا أو صوريًا أو رمزيًا، خاصة إذا كتبت الأوراق بصيغة استبيان، وإذا تمت بطرق سلمية وبقناعات شخصية من الموقعين على التوكيلات وبشفافية فى مسألة التمويل وبدقة فى إجراءات التوقيع وبمصداقية فى أعداد الموقعين الحقيقية. فإذا توافرت تلك المقومات (السلمية والقناعات الشخصية والمصداقية فى التمويل وأعداد الموقعين)، كان من الممكن اعتبار أن ما تقوم به الحركة قانونيًا ويمكن الاعتداد به كوسيلة من وسائل الاستبيان وجمع المعلومات والتعبير عن الرأى والاعتراض السلمي، وكل هذا مكفول بحكم القانون. لكن المشكلة أن الواقع غير ذلك مما يثير الطعن فى (قانونية الفكرة) أو التوقيعات ذاتها، و(قانونية الأثر والنتيجة) المترتبة عليها، فهذه التوقيعات لو كانت من باب الاستبيانات واستطلاعات الرأى لجاءت بصيغة التأييد أو المعارضة والرفض لسياسات رئيس الجمهورية وليس بصيغة العزل أو سحب الثقة، فلا يوجد استبيان أو استطلاع رأى يبنى على صيغة مثل التى جاءت به أوراق حركة تمرد، فالصيغة باطلة لأنها لا تستند إلى قانون أو دستور، وما يبنى عليها يكون باطلاً بالتبعية. وهنا يطرح التساؤل: منذ متى واستطلاعات الرأى تسقط رئيسًا بعيدًا عن الطرق القانونية والدستورية؟ كل رؤساء العالم تقام من أجلهم الاستبيانات واستطلاعات الرأى، ومنهم من يتقدم أو يتأخر فى نتائجها سواء فى فترة الانتخابات أو فترة الرئاسة، لكن ذلك لا يعنى على الإطلاق عدم الاعتراف بشرعية الرئيس لمجرد نزول نسبة الاستطلاعات المؤيدة وصعود نسبة الاستطلاعات المعارضة له!! وإذا اعتبرنا هذه التوقيعات من باب الوكالة مثلما هو فى القانون المدنى والتجارى، فمن شروط الوكالة أن تكون عقدًا يقوم الوكيل بموجبه بعمل قانونى لحساب الموكل، والعمل هنا غير قانوني، فلا يجوز مثلًا أن يقوم شخص بتوكيل آخر بقتل أو سرقة أحد ما، إضافة إلى أن هناك من ربط نجاح الوكالة بالواقع وليس بأمر يستحيل تحقيقه، كرجل قام بتوكيل شخص لشراء القمر مثلًا، أضف إلى ذلك أن التوقيعات لو كانت من باب الوكالة لعرفنا الشخص أو الجهة الموكل بها تنفيذ ما نص عليه العقد أو التوكيل، وهنا لا يوجد مؤسسة أو أشخاص لهم صفة رسمية وقانونية يمكن أن يخولوا بتنفيذ ما هو موجود بصيغة التوكيل!! لكننا على المستوى السياسى والأمنى، يمكننا أن نعتبر ما تقوم به الحركة أفضل بكثير من إغلاق الشوارع والميادين وإعلان العصيان المدنى المزعوم ومن رمى المولوتوف ومن إحراق المؤسسات ومن تخويف الآمنين ومن تعطيل حركة الإنتاج. وعلى الرغم من التأكيد على عدم قانونية الفكرة، كما قلنا بالشكل الذى تمت به، إلا أن ما يهمنا هنا هو البحث فى المفهوم الثانى وهو (قانونية الأثر والنتيجة)، بمعنى هل يترتب على هذه التوقيعات أى أثر قانونى أو دستورى فى مسألة عزل الرئيس أو إسقاط شرعيته؟! ونحن سنقوم هنا بالإجابة عن ذلك التساؤل الأساسى من خلال الرد على مجموعة آراء لبعض مؤيدى الحركة من قانونيين وغير قانونيين، ورصد ما فى هذه الآراء من تجاوزات ومبالغات ستظهر لنا قانونية أو عدم قانونية هذه الحركة، وما يترتب عليها من نتائج.. وفى الحقيقة من أغرب ما قرأت فى هذا السياق من فريق المدافعين عن حركة تمرد، ما نسب للدكتور شوقى السيد (الفقيه الدستوري)، فقد قال فيما يخص قانونية حركة تمرد: (الحملة تتمتع بقيمة دستورية وقانونية وتمثل إرادة شعبية وتعبر عن موقف جماعى والطعن عليها غير ممكن، وذلك لأن التوقيعات صحيحة وموثقة بالاسم والإمضاء والرقم القومى، وستنجح فى الحصول على شرعيتها إذا تم الحصول على أكثر من 8 ملايين توقيع)!! هذه عبارة فقيه دستورى من المفترض أنه يعلم ما يقوله وأنه دقيق فى استخدام مفرداته ومصطلحاته، لكن الغريب أنك لو فككت هذه العبارة ستجد أنها تتسم بعدم القانونية وعدم الدستورية وعدم الدقة، فالجملة الأولى تؤكد أن الحملة تتمتع بقيمة دستورية وقانونية، ولا يوجد فى القانون ما يسمى (قيمة) سوى القيمة الإيجارية بالنسبة لقانون الإيجارات، والقيمة المضافة بالنسبة لقانون الضرائب.. أما ما يقصده الفقيه الدستورى فهو أن يكون للفكرة قيمة معنوية، لكنه نسى أن هذه القيمة سواء أكانت مالية أو أدبية أو معنوية لا يمكن أن يستأثر بها شخص أو عدة أشخاص إلا من خلال القانون فلابد لهذه القيمة من حماية قانونية، أما جملة (والطعن عليها غير ممكن) فهى عبارة غريبة وغير قانونية، لأن مفهوم الطعن فى القانون هو إمكانية ممنوحة من المشرع إلى المحكوم عليه، لمحاولة تغيير حكم قضائى أو قرار إدارى، بإظهار عدم الرضا به وطلب عرضه على جهة أعلى لإعادة البت فى شأنه.. هذا هو مفهوم الطعن، فهل ينطبق ذلك على حركة تمرد وهى ليست مؤسسة إدارية أو قضائية يمكن الطعن فى قراراتها أو أحكامها؟! وللحديث بقية بإذن الله.. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.