يبدو أن مجلس الشعب استيقظ أخيراً من نومه العميق علي كابوس مزعج وهو ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي يلجأ إليها الشباب هرباً من شبح البطالة الذي يطاردهم أملاً في تحسين أحوالهم المعيشية.. يبدو ان مجلس الشعب سمع أخيراً عن الكوارث التي يتعرض لها الشباب أثناء محاولتهم السفر إلي بعض البلدان الأوروبية بطرق غير شرعية.. يبدو ان مجلس الشعب شعر بمعاناة الأسر المصرية التي تفقد ذويها ويبتلعهم البحر. لجنة الاقتراحات بمجلس الشعب وافقت في اليومين الماضيين علي مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العمل بهدف الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتم احالة مشروع القانون إلي لجنة مشتركة من لجنتي القوي العاملة والشئون التشريعية لمناقشة التعديلات الجديدة لعرضها علي المجلس. التعديلات الجديدة تتضمن اضافة مادة جديدة في القانون تنص علي: "مع عدم الإخلال بأية عقوبات أشد في أي قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات بغرامة لا تقل علي خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز نصف مليون جنيه أو بإحدي العقوبتين كل جهة أو فرد شرع أو ساعد أو توسط أو اشترك في هجرة أي فرد للعمل بالخارج بطرق غير مشروعة وإذا ترتب علي هذا الفعل وفاة أحد الأشخاص تضاعف العقوبة". من وجهة نظري الشخصية ان المادة السابقة في التعديل لا تحقق الردع المطلوب للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية خصوصا في الفترة الأخيرة التي تنص علي "وإذا ترتب علي هذا الفعل وفاة أحد الأشخاص تضاعف العقوبة".. وأري ان الفقرة الأخيرة تحتاج إلي تشديد أكثر بحيث تصل العقوبة إلي السجن 15 عاماً علي الأقل في حالة وفاة أحد الأشخاص. التعديلات الجديدة تتضمن كذلك نصاً بمعاقبة أي فرد هاجر أو شرع في الهجرة للعمل بالخارج بطرق غير شرعية بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز خمسة آلاف جنيه. اعتقد ان المادة السابقة لا تحقق الردع المطلوب كذلك للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية فالحبس ثلاثة أشهر أو غرامة ألف جنيه عقوبة هزيلة جداً ويجب تشديدها لتصل إلي 3 سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه. التعديلات الجديدة تتضمن أيضاً "يعاقب بالحبس لمدة ستة أشهر ولا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدي العقوبتين لكل من زاول مهنة إلحاق المصريين بالعمل بدون ترخيص. كذلك كل من تقاضي مبالغ مالية من العامل نظير إلحاقه بالعمل بالداخل أو بالخارج أو استقطع من أجره عن عمله بالداخل والخارج.. وفي جميع الأحوال يحكم برد المبالغ التي تم تقاضيها أو الحصول عليها دون وجه حق.. كما تقضي المحكمة بالتعويض للمتضرر من الجريمة عما اصابه من أضرار". من وجهة نظري ان العقوبة في المادة السابقة يمكن أن تحقق الردع المطلوب للحد من ظاهرة انتشار سماسرة تسفير العمالة للخارج بدون ترخيص. ويمكن القول ان الهجرة غير الشرعية تحولت إلي ظاهرة خطيرة ومرعبة.. يكاد لا يمر أسبوع إلا ويصل إلي مطار القاهرة المئات من الشباب المرحلين عقب سقوطهم في قبضة سلطات الدول الأوروبية والعربية المختلفة.. يكاد لا يمر عام الا ونفاجأ بكارثة مروعة يتعرض لها فوج من الشباب الحالم بالسفر إلي شاطئ الثراء علي الجانب الآخر من البحر المتوسط وتعود إلينا جثثهم بعد أن يغرق مركبهم وتضيع أموالهم وتتلاشي أحلامهم. ويمكن القول ان غرق الشباب المصري في أعماق البحر المتوسط جريمة لا يجب أن تمر بدون توجيه الاتهام إلي السياسات الحكومية الخاطئة في التعامل مع مشكلة البطالة. كما لا يجب أن تمر دون انتقاد سياسة الاتحاد الأوروبي التي تعتمد فقط علي الحلول الأمنية لمواجهة تفاقم ظاهرة الهجرة بالقوارب المطاطية للوصول إلي السواحل الأوروبية. ويمكن القول كذلك إن تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية يأتي كرد فعل طبيعي من جانب الشباب علي فشل السياسات الحكومية.. فاستمرار الحكومة في سياسة الاعتماد علي القطاع الخاص فقط لتوفير فرص عمل جديدة تؤدي إلي تفاقم كارثة البطالة التي تدفع الشباب إلي الانتحار الجماعي في أعماق البحر المتوسط.. وفي ظل العمل باقتصاد السوق تم إلغاء تعيين الخريجين منذ عام 1984 سواء الحاصلون علي المؤهلات المتوسطة أو العليا الذين يمثلون الشريحة الأكبر من محاولي الهروب إلي أوروبا وهؤلاء الخريجون تركتهم الحكومة نهبا للبطالة لعدم قدرتها علي طرح حلول حقيقية وجذرية لمشكلة البطالة المتفاقمة ونتيجة لتخلي الحكومة عن مسئوليتها تجاه هؤلاء الشباب الذين يواجهون تراجع معدلات النمو الاقتصادي بسبب الخصخصة وانسحاب الدولة من المشروعات الانتاجية وضعف القطاع الخاص وعدم قدرته علي استيعاب العاطلين بتوفير فرص عمل لهم. وفي النهاية أتمني أن يقر مجلس الشعب في دورته الحالية التعديلات الجديدة بقانون العمل للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.. أتمني ألا يصدر المجلس حكما بحبس هذا المشروع بالأدراج.. أتمني ألا نستيقظ علي كارثة غرق فوج من الشباب بالبحر المتوسط لا قدر الله.