كان انفراج أزمة المختطفين دليلاً قاطعًا على قدرة مؤسسة الرئاسة على إدارة الأزمة بنجاح باهر بالتنسيق مع الجيش والشرطة والمخابرات، وكان تحرير الجنود دون إراقة أى دماء دليلاً على إمكانية حل الأزمات سياسياً بعقل راشد بعيداً عن تعاسة الحلول الأمنية العنيفة التى مارسها النظام البائد قمعاً وبطشاً بأبناء سيناء، وفى هذا الإطار تبدو بصمة الرئيس مرسى المميزة واضحة على أسلوب التعامل مع الأزمة، خاصة أن القيادات ذاتها كانت تعتمد الحل الأمنى كبديل أوحد للتعامل مع قضايا أقل خطورة من اختطاف الجنود، وهو ما نتمنى أن يسرى على كافة أزمات الوطن الأمنية فى سيناء وفى غيرها من بقاع المحروسة. لكن السؤال الأهم إذا كانت جهود الرئاسة المصرية قد نجحت فى فك أسر الجنود المختطفين، فمتى تنجح مصر فى فك أسر سيناء وتحريرها فعلياً لتعود جزءاً حيوياً من الوطن؟ فبالرغم من انسحاب الصهاينة من سيناء منذ 1982((باستثناء احتلالهم لميناء أم الرشراش (إيلات) منذ 1956))، إلا أن وضعها لم يتطور كثيراً على مدى 30 عاماً من حكم المخلوع، فلم يتم إعداد مشاريع تنموية ضخمة أو توجيه استثمارات مناسبة لتنمية أرض الفيروز واستغلال مواردها الطبيعية الجمة المتنوعة. ورغم عبور مياه النيل إلى شرق قناة السويس فلم يتم إقامة أى مشروعات زراعية كبرى تستقطب المصريين من أبناء الوادى والدلتا كى يستثمروا ويعملوا على أرض سيناء، وهو ما يمثل هدفاً استراتيجياً مزدوجاً بزيادة الرقعة الزراعية المتآكلة وبتوطين عشرات الآلاف من المصريين هناك، إذ أن تعمير سيناء وزيادة الكثافة السكانية بها تُعدُ الوسيلة الأساسية لحمايتها من أى عدوان صهيونى فى المستقبل. بينما تم التركيز على إقامة المنتجعات السياحية فى جنوبسيناء (شرم الشيخ – طابا – رأس محمد –دهب) مع إهمال كامل لوسط وشمال سيناء، حيث الأراضى الجاهزة للاستصلاح والزراعة، أما شرم الشيخ فكانت مقراً دائماً للمخلوع فى الأعوام الأخيرة، مما جعلها مدينة خاصة بالسلطة وبالسياح الأجانب، بينما يحتاج المواطن المصرى إلى موافقة مكتوبة كى يتمكن من تخطى حدودها! وبينما كان الصهاينة يعبرون للسياحة فى طابا بهوياتهم المحلية كان المصريون من أبناء سيناء يذوقون الأمرين على يدى زبانية النظام البائد. لم يسمح النظام لأبناء سيناء بتملك أراضيهم بدعوى حماية الأمن القومى، وتم إهمال تنمية سيناء أو إنشاء أى مشاريع خدمية لأهلها (مدارس – جامعات – مستشفيات.. وغيرها)، لكن الأدهى هو اعتماد النظام لمنهج أمن الدولة الوحشى فى التعامل مع القبائل دون مراعاة للدين أو العرف، وهو ما ظهر بوضوح عقب تفجيرات طابا يوليو 2004، ثم زاد البطش والتنكيل العشوائى بأهالى سيناء عقب تفجيرات شرم الشيخ يوليو 2005 وهو ذات الأسلوب الإجرامى الذى استخدمته الأجهزة الأمنية مع الجماعة الإسلامية فى الثمانينيات والتسعينيات من اعتقال عشوائى للكبار بل والأطفال، ومن خطف للآباء والأمهات والزوجات حتى يقوم المشتبه به بتسليم نفسه للأمن ومن قتل عشوائى بالاشتباه فى الهوية، وهى ممارسات أدت إلى حرب طويلة استمرت ما يزيد عن 15 عاماً بين النظام وبين الجماعات الإسلامية العنيفة (الجماعة الإسلامية – الجهاد)، لكن العقليات السادية لم تتغير ولم يكن لمثل هذا النظام الجهول أن يتدارك أخطاءها، فكرر نفس الإرهاب الأمنى مع أبناء القبائل السيناوية، مما أدى لانتشار الفكر الجهادى والتكفيرى ضد أجهزة الأمن، مع وجود توتر دائم مع قبائل سيناء لوجود أبرياء معتقلين دون حكم قضائى وبسبب انتهاك حرمة البيوت واختطاف النساء وغيرها من الجرائم التى لم تراع حقوق المواطنين ولا خصوصية المكان الاستراتيجى الهام. ومع التزام مصر ببنود اتفاقية كامب ديفيد التى تنتقص من السيادة المصرية، فلا تسمح إلا بوجود حرس حدود مُسلحين تسليحاً خفيفاً فى كامل سيناء، ما عدا مسافة 12 كم، فقط غرب قناة السويس يسمح فيها بوجود القوات المسلحة والدبابات والأسلحة الثقيلة، فمما لا شك فيه أن العوامل السابقة تعنى فراغاً سكانياً وأمنياً وعسكرياً فى معظم مساحة سيناء، وبالتالى أصبحت سيناء أسيرة لكامب ديفيد التى تحظر على القوات المسلحة المصرية التوغل فيها، كما أنها أسيرة إهمال الدولة وضعف الخدمات والفراغ السكانى والفقر التنموى المتعمد لإبقائها خالية من الكثافة السكانية التى تعوق التوسع الصهيونى، ولم يكن هذا بغريب فى ظل حكم المخلوع الذى كان كنزاً استراتيجياً لإسرائيل باعتراف الصهاينة أنفسهم فقد حالفهم وخدم مصالحهم لثلاثة عقود مثلت مصر فيها مركزاً أساسياً للحلف الصهيوأمريكى بالشرق الأوسط. إن تعديل اتفاقية كامب ديفيد كى تتمكن مصر من بسط كامل سيادتها على سيناء يُعد ضرورة استراتيجية لا مفر من إدراجها على جدول مهمات مصر الثورة، لكن الأكثر حتمية هو التخطيط العاجل لتنمية سيناء بإقامة مشروعات زراعية وصناعية واستثمارية ضخمة ومدن جديدة تجذب الشباب للاستقرار بها، لتصبح منطقة حيوية جاذبة سكانياً، وهو ما يُعدُ هدفاً استراتيجياً لمصر الثورة التى حطمت أغلال التبعية، ولا مفر من ذلك حتى تعود سيناء المختطفة لتكون كنزاً استراتيجياً للوطن. @ShahinFawzy