فى غرفة مكتبى، أحتفظ بسلة كبيرة، ألقى فيها بما يعن لى من أسئلة واستفسارات.. وهذه عادة ورثتها من أبى، فقد كان يقول لى { معللاً الاندهاشة بأنها من علامات الذكاء}، الطفل المندهش دائمًا ما يطرح الأسئلة ويحاول الإجابة عليها، فإن لم يستطع، فعليه أن يسلطها على الآخرين، أو أن يلقى بها على أفهام وعقول الآخرين.. وبحكم عملى الذى أحببته، تحولت الاندهاشة إلى عمل صحفى مهمته تتلخص فى طرح الأسئلة وتلخيص الإجابات.. وبمرور الوقت تحولت الأسئلة إلى ثعابين وحيات، تفتح أفواهها لتلقم الإجابات، فإن لم تجد.. فتنشب أنيابها فى جسم السلة، فتمزقها.. وتحولت بحكم العادة إلى الابتكار فى تصليح هذه السلة كى تحتفظ بأكبر قدر ممكن من الأسئلة.. المشروعة وغير المشروعة.. فقد امتنعت عن تحليل دمها، بعدما يئست من البحث عن إجابات لها. هذه المرة، تحتفظ السلة بمجموعة من الأسئلة عن حكاية الضباط الثلاثة وأمين الشرطة.. ((وأسطورة إيزيس المصرية الباحثة عن زوجها أوزوريس)) وهى زوجة أحد الضباط الثلاثة وقد أعيتها الحيل وطول البحث عن زوجها، وهى تطوف على كل القنوات والصحف والمجلات ومكاتب المسئولين. وتسأل ولا من مجيب شفتم جوزى..؟ ولادى بيسألونى بابا فين.. وأنا مش لاقية إجابة.. ساعدونى.. وقولوا لى زوجى فين؟ ومش لوحده.. ومعاه الضباط الباقيين وأمين الشرطة. فى ظل تلقيها أرتالاً من الإجابات الخادعة والكذوبة والمشوشة والمعطوبة.. القصة برمتها وقد حدثت ذات صباح من صباحات فبراير 2011م، أى قبل الثورة بأسبوع كامل.. واسمحوا لى أن أمسك بأسئلتى {ثعابينى وحياتى} وأفرغ ما فى بطونها من أسئلة واستفسارات.. هذه الاستفسارات قسمتها على مجموعات: المجموعة الأولى وهى موجهة إلى من يعنيه الأمر: • ما طبيعة عمل هؤلاء الضباط؟ • من كلفهم بهذا العمل؟ وهل كانت المهمة فى إطار وظائفهم؟ • أين كان توجههم؟ • ومَن صاحب المصلحة فى اختفائهم أو اختبائهم أو اختطافهم؟ • دفتر تحركات هذه (الكبسة المأمورية المهمة)، ماذا يقول وما المثبت فى دفاتر الداخلية؟ وهل كانت هى المهمة المعتادة كل يوم؟ وإن لم تكن فما طبيعة هذه المهمة الجديدة؟ • مع العلم بأن من كلفهم هم من رجال العادلى.. المجموعة الثانية من الأسئلة: وهى موجهة لزملاء المفقودين • ما معلوماتكم عن زملائكم؟ وما معلوماتكم عن طبيعة المهمة التى كلفوا بها؟ • بِمَ تفسرون صمتكم وعدم الإدلاء بشهاداتكم حول الموضوع؟ • ما احتمالات أسباب اختفاء زملائكم؟ • من المسؤول عن اختفاء الزملاء؟ • هل كان لهم أعداء أو خصومات من أى نوع؟ • ولماذا فى رأيكم عدم وجود جهة معينة تبنت مسؤولية اختطافهم؟ • هل هناك علاقة ربما بدت بعد ذلك بين اختفاء الزملاء وقيام الثورة؟ • هل هناك ثمة علاقة بين واقعة الاختفاء وقيام الثورة؟ • بحكم علاقاتكم المهنية، مَن صاحب المصلحة فى اختفاء زملائكم؟ • ما رأيكم فى الجهود التى قامت بها الجهات المسؤولة فى تتبع المخطوفين وإعادتهم إلى أحضان الوطن وذويهم؟ وأنا أتساءل بدورى: هل كُتب على إيزيس أن تعيش العمر كله تبحث عن أوزوريس؟ ونحن نعلم أنه فى كل حارة وشق.. يوجد ست.. ورجاله يعبثون فى الأرض.. ويخبئون الضباط الثلاثة وأمين الشرطة.. وربما غيرهم من المخطوفين أو الذين كتب عليهم الغياب القسري؟ ألهذه الدرجة باتت الأسطورة تتحكم فى حياتنا بعد مرور أكثر من خمسة آلاف سنة؟ أنا شخصيًا.. فى انتظار الإجابات لهذه الأسئلة حتى أتمكن من رتق الثقوب التى فى قعر السلة.. حتى لا تتسرب الثعابين وتسقط.. فتثير فزعًا وهلعًا نحن فى غنى عنه.. ومن ثم تحتفظ السلة بما فيها من حيات وقد شبعت بفضل ما التقمته من إجابات على الأسئلة المشروعة، تلك النائمة فى السلة المقطوعة؟ مع تحياتى إلى إيزيس المعاصرة.. والتى ما فتئت تبحث عن زوجها الضابط فى وزارة الداخلية.. وهى الجهة الوحيدة التى لا تطرح أسئلة.. ولكنها الوحيدة فى مصر التى تملك مستودعات هائلة للإجابات..؟!!