في اجتماعه مع مجموعة من ممثلي الجمعيات الأهلية في بريطانيا، بمن فيهم جمعيات إسلامية، استشهد نائب رئيس الوزراء البريطاني "نك كليج" بالآية القرآنية "من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعًا"، لكي يعلق بها على الجريمة البشعة التي ارتكبها شاب نيجيري الأصل بريطاني الجنسية في الشارع في وضح النهار عندما ذبح شرطيًا كذبح الشاة في وسط لندن وهرب قبل أن يلقوا القبض عليه وعلى شريكه، وهما مسلمان ممن انتسبوا لجماعة دينية نشطت في بريطانيا في السنوات العشر الأخيرة، في أعقاب هذه الحادثة رصدت الشرطة البريطانية وقوع أكثر من مائة وخمسين اعتداءً على مسلمين ومنشآت دينية إسلامية في بريطانيا خلال يومين فقط في مؤشر على زيادة الكراهية بصورة غير مسبوقة للمسلمين، لا أعرف وجه البطولة أو المجد الذي يبحث عنه هذا الشاب عندما يرتكب مثل هذه الجريمة الوحشية مع شرطي صادفه في الطريق وفي مجتمع لم يألف ذلك ويعرف مسبقًا أنه يستبشعه حتى لو كان مع قطة وليس مع إنسان، والذي يحيرك أن هذه الجريمة تحدث في الوقت الذي تتزعم فيه بريطانيا جهودًا أوروبية من أجل رفع الحظر على توريد السلاح إلى ثوار سوريا، والذي تندد فيه بريطانيا يوميًا تقريبًا بالمذابح التي يرتكبها بشار الأسد ضد الشعب السوري، ويمثل الموقف البريطاني الأفضل على الإطلاق حاليًا لصالح قضية الإسلام والمسلمين في سوريا، وهي قضية مفصلية للأمة حاليًا، لم يجد هذا "العاقل" إلا بريطانيا لكي يسدد لها ضربة الغدر هذه في قلب عاصمتها وهي الجريمة التي هيّجت الدنيا على المسلمين هناك وسيكون لها قطعًا مردود بالغ السوء على صورة المسلمين في الغرب، وعلى طريقة تعامل المؤسسات الأمنية والرسمية مع الوجود الإسلامي في مختلف مدن أوروبا وسيتضرر الملايين من توابع ذلك العمل الأخرق، وقبل عدة أشهر، كانت هناك جهود عربية رسمية وشعبية حثيثة أقنعت الدول الغربية برفع حظر السلاح عن الثوار السوريين وبدا أن هناك تضامنًا واسعًا من الجميع، وخاصة فرنسا وبريطانيا، وتراجع الموقف الأمريكي المتحفظ وقتها تحت الضغط وبدا أن الحصار سيكسر عن الثوار في مسألة التسليح، وفجأة قبل أسبوع تقريبًا من المؤتمر المقرر الذي تم التجهيز له والعمل المضني له على مدار أسابيع، يخرج أحد قيادات تنظيم "جبهة النصرة" التي تقاتل إلى جانب الثوار في سوريا ليعلن أن الجبهة تدين بالولاء لتنظيم القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، فما كان إلا أن تبخر المؤتمر وسحبت فرنسا تأييدها، وطالبت عواصم غربية بوضع تلك الجبهة على قائمة الإرهاب الدولي وحذرت أمريكا من إرسال السلاح إلى الثوار في سوريا لأنه سيصل إلى أيدي الإرهابيين، واحتفل نظام بشار الأسد وحلفاؤه في موسكو وطهران بهذا التصريح احتفالًا كبيرًا جدًا، وأبرزوه بشكل متتالٍ لعدة أيام وأصبح الشعار الذي يضعه شريك بشار في جرائم قتل الشعب السوري، بوتين، في وجه أي مسؤول غربي يتحدث معه عن الثورة السورية وعن مذابح بشار، معتبرًا أنه يذبح إرهابيين، فهل تبكي على إرهابيين؟! وفي تقديري لو أن بشار الأسد واستخباراته اعتصروا كل خيالهم وإمكانياتهم ومكرهم من أجل أن يضروا بالثورة السورية فما كان لهم أن ينجحوا بعشر ما نجح فيه "القائد الهمام" الذي أعلن ولاءه لأيمن الظواهري وتنظيم القاعدة. أحيانًا تضعك بعض التصرفات للإسلاميين على حافة الجنون، من فرط عدم التصديق بإمكانية أن يرتكب تلك الأفعال عقلاء أو من لهم أدنى بصيرة سياسية أو إحساس بالمسؤولية، وكثيرًا ما تفاجأ عندما تتكلم عن ذلك بالأوداج المنتفخة: هل نسيت ما فعلوه في كذا وكذا؟ ويظل يذكرك بالتاريخ والجغرافيا والمماليك والتتار والروم والحروب الصليبية، وعبثًا تحاول إقناعه بأن حسابات مصالح الأمم والشعوب لا يمكن أن تؤسس على مثل هذه العشوائية في التفكير، ولا يصح الهروب من الجريمة المحققة في حق الأمة الآن بالتترس خلف صراعات التاريخ وظلالها الكئيبة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.