يقول مجدي عبد الحميد، رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، إن الأمن يريد توجيه رسالة، بأنه لن يعمل إلا بنفس الطريقة القديمة، ويفرض شروطه للعودة، مضيفًا أن مشكلة الجهاز الأمني معقدة، بسبب توغله في كل المؤسسات والملفات، موضحًا أن الصراع من أجل تغيير ثقافة الشرطة سيمتد خلال الفترة القادمة. من جانبه، يقول محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن جريمة التعذيب استشرت بشكل منهجي من جانب السلطة العامة في مصر، وشكلت خرقًا لكل المعاهدات الدولية التي صادقت عليها مصر وطبقًا للدستور المصري، والتي وصفت جريمة التعذيب أنها من الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم. ويضيف زارع أنه لابد من وجود إرادة سياسية للدولة لمنع التعذيب، وعلى أن تقدم الضباط المتهمين إلى القضاء العادل، موضحًا أن هناك سياسية ممنهجة للتعذيب في مصر. مشيرًا إلى أن سوء معاملة الأفراد داخل أقسام الشرطة وتعذيبهم وتحطيمهم معنويًا أو بدنيًا أصبح قدرًا مكتوبًا على المصريين خاصة بعدما أطلقت وزارة الداخلية أيدي ضباطها يعيثون فسادًا ويتحكمون في مصائر العباد وينتهكون حرمة البيوت. ويستطرد: يجب على الجميع الوقوف أمام "هوس" الضباط الصغار الذي يحلمون بشهوة القسوة المفرطة ورغبة الانتقام التي لا نعرف لها سببًا، وإخراج الكبت الذي يعانونه نتيجة قهر الكبار لهم وكل ذنب المواطن أنه مصري، فكرامة المصريين تداس داخل أقسام الشرطة بشكل يومي للدرجة التي أصبح "عهر الداخلية " مسلكًا عاديًا وقاعدة كتبت على جبين المواطنين.
حد الإجرام وتقول عايدة سيف الدولة - الطبيبة النفسية والناشطة والمسئولة عن مركز النديم للتأهيل النفسي لضحايا التعذيب إن التعذيب على أيدي أفراد الشرطة "بلغ حد الإجرام"، ويجب فضحه حتى تقوم الحكومة باستئصال المتورطين عنه. وتضيف أنه رغم ما تقوم به الجمعيات من فضح لممارسة هؤلاء إلا أن الدولة تحتضنهم وتدافع عنهم وأقسى ما تقوم به هو نقل ضابط مجرم لمكان آخر بعد تحقيق صوري بإدارة تفتيش الوزارة، ولذلك فإن العمل على مناهضة التعذيب لن يقضي بسهولة على هذه الممارسات التي أصبحت شائعة. وقالت إن مركز النديم استقبل ألف مواطن تعرضوا للتعذيب منذ تأسيسه قبل الثورة والمشكلة أن العاملين في المركز ليسوا مسلحين بما يكفي من آليات وإمكانيات لمواجهة عمليات التعذيب، حيث يتم حفظ كثير من البلاغات التي يتقدمون بها للنائب العام . وحول الخطوات التي تقترحها الناشطة المصرية للحد من التعذيب داخل أقسام الشرطة ترى ضرورة "إحداث فضيحة" لمن يرد اسمه في كشوف التعذيب التي تنشرها المنظمات الدولية والمصرية كمسئول عن حالات التعذيب، مشيرة إلى أن ذلك من شأنهم سيجعله مكروهًا من المحيطين به وربما يصل الأمر إلى قيام الداخلية بفصله لأنه أصبح يمثل تشوهًا في وجهها، وهي تحاول تحسينه بعد الضربات التي تلقتها نتيجة تعاملها مع المواطنين. ويضيف شريف الروبي، أحد شباب الثورة، عضو المكتب التنفيذي لحركة 6 إبريل الجبهة الديمقراطية، أن الداخلية تمارس الآن قمعًا أكثر منه قبل الثورة، مشيرًا إلى الاعتداء على المواطنين داخل الأقسام والسجون أصبح عادة من عادات وزارة الداخلية، موضحًا أن السكوت على ما يفعلوه سيزيد من انتهاكات الداخلية، ويدفع الضباط إلى ممارسات أكثر عنفًا بحجج عودة الأمن، وأوضح الروبي أن قيادات الداخلية قبل الثورة ما زالوا يمارسون عملهم دون تغيير.
سحل واغتصاب وقالت الناشطة الحقوقية داليا زيادة، المدير التنفيذي لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، إن سحل مواطن والتهديد باغتصابه داخل قسم شرطة "شبرا ثان" لا يجب السكوت عليه، مشيرة إلى أن المركز رصد حالات العنف التي حدثت في عصر وزير الداخلية الحالي، وجاءت النتيجة أنها زادت بشكل مفرط بعد إصداره تعليمات بضرب المواطنين وسحلهم. وأضافت زيادة: "كان يجب تهدئة الأوضاع بعد الثورة وليس إشعال الفتيل من جديد بين السلطة التنفيذية والشعب"، مشيرة إلى وجود مخطط للسيطرة على مقاليد الأمور عن طريق الشرطة كما كان يفعل مبارك. كما أوضحت الناشطة الحقوقية أن نهاية رئيس الجمهورية الحالي ستكون مثل السابق "مأساوية" – على حد وصفها، مضيفة أن الشرطة لو كانت قادرة على حماية مبارك ستحمي مرسي الآن.
انتهاكات حقوقية ومن جانبه قال حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن حوادث التعذيب تمثل عودة لنفس الانتهاكات القديمة، ويبدو أن هناك خلطًا بين استعادة الأمن وانتهاك حقوق المواطنين من قبل رجال الشرطة، وأضاف أبو سعدة أنه يمكن استعادة الأمن دون انتهاكات جسيمة وعلى الرئيس أن يدرك أنه مسئول عن ذلك، وهناك مسئولية قضائية تقع على الرئيس مرسي، لأنه رئيس السلطة التنفيذية وعليه دور في منع ارتكاب جرائم التعذيب. وأدان أبو سعدة ارتفاع وتيرة حالات التعذيب داخل أقسام الشرطة، مطالبًا النائب العام ووزير الداخلية بالتحقيق في واقعة تعذيب المواطن محمد السيد، على أيدي ضابط قسم شرطة ثان شبرا في تحدٍ واضح وسافر لدولة القانون وردة على مكتسبات ثورة يناير. وأضاف أبو سعدة أن الوقائع تعود إلى تعرض المواطن محمد السيد لحادث مروري بعد أن صدمه سائق ميكروباص من الخلف، وعليه قرر الاحتكام إلى القانون، وذهب إلى قسم شرطة ثان شبرا لاتخاذ الإجراءات القانونية، وبعد مداولات داخل القسم وافق على التصالح مع سائق الميكروباص، وهو الأمر الذي رفضه ضابط بالقسم وقام بالتعدي عليهما بألفاظ نابية، ما رفضه "السيد" واعترض عليه، وعليه قام الضابط باحتجازه داخل القفص وتطاول على والدته، مشيرة إلى أن "السيد" عمد لتسجيل وقائع الاعتداء، ما أدى إلى ثورة الضابط، فهاجمه بآلة حادة، واختطف منه الموبايل وهدده باغتصابه داخل القفص. مؤكدًا أن هناك استمرارًا لنفس الممارسات والأساليب التي اعتمدت عليها وزارة الداخلية قبل ثورة يناير، وكأن الداخلية غير مدركة لطبيعة التغيرات السياسية والمجتمعية داخل المجتمع المصري والرفض الشعبي لأي جريمة تغتال كرامة المواطن المصري. وأشار رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن استمرار رصد حالات التعذيب على هذا النحو، يعد مؤشرًا على أن شيئًا لم يحدث في سياسات وزارة الداخلية وتعاملها مع المواطنين، وأن ثورة يناير لم تأت ثمارها بعد، والتي كان من المفترض أن يكون أولها تغيير عقيدة وزارة الداخلية في التعامل مع المواطنين. وأوضح أبو سعدة أن هناك قصورًا تشريعيًا بالقانون المصري في تعريف جريمة التعذيب على النحو الذي لا يتلاءم مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، والتي تعرف التعذيب بأنه كل ألم أو عذاب جسدي أو عقلي، ولا تشترط أن يكون مستهدفًا انتزاع اعترافات فقط مثلما ينص القانون المصري. قانون الغابة ومن جانبه قال الدكتور مصطفى السعداوي، أستاذ القانون الجنائي بجامعة حلوان ورئيس مجلس إدارة المصرية للحكم الرشيد لحقوق الإنسان، إن هناك محاولة جادة لإرجاع الحكم بقانون الغابة إعمالًا بمبدأ القوة فوق الحق أحيانًا، بعد الواقعة المعروفة والتي مارس الملازم أول أحمد عطا "ضابط شرطة بقسم ثاني شبرا خلالها" عمل الخارجين عن القانون، فكانت لغة كلامه تبين دون لبس أو إبهام أن هناك بعض الضباط مازالوا في نوم عميق لم يستيقظوا منه بعد، فلم يعلموا أن الشعب المصري قام بثورة قدم فيها آلاف من الشهداء والمفقودين والمصابين لتحقيق الكرامة للمصريين، وأضاف السعداوي: "تابعنا عن كثب واقعة التعذيب التي تعرض لها سجين بسجن بورسعيد، والتي أودت بحياته في مخالفة صريحة لنصوص الدستور والقانون، وتم تشكيل لجنة لمتابعة الموضوع والتصرف قانونًا، ومخاطبة قطاع السجون لتعميم مفاهيم حقوق الإنسان أثناء تنفيذ العقوبة". إنه تم تشكيل وفد من "المصرية للحكم الرشيد" لمقابلة السيد اللواء وزير الداخلية لتقديم المسئول عن واقعة تعذيب المواطن محمد محمد درويش بسجن بورسعيد العمومي، ويهيب بالسادة ضباط قطاع السجون مراعاة القواعد العامة لحقوق الإنسان. وترجع أحداث الواقعة إلى أنه تم حبس المواطن "محمد محمد درويش" بسجن بورسعيد العمومي على إثر اتهامه في القضية رقم 4666 لسنة 2011 جنايات المناخ بتهمة خطف شخص ومقاومه السلطات وفي أثناء ذلك تعرض المواطن للتعذيب والضرب المبرح على يد ضابط شرطة بقسم شرطة بورسعيد. وذكر الدكتور مصطفى السعداوي أن المواطن أثناء التحقيق معه تقدم بشكوى لنيابة المناخ ببورسعيد متهمًا ضابطًا بقسم شرطة بورسعيد باستخدام الضرب المبرح والتعذيب ضده، والتي حققت في موضوع الشكوى، وأثبتت تعرض المواطن للتعذيب بعد الاطلاع على التقرير الطبي، وأثناء علاج المواطن توفي منذ يومين، بسبب الإصابات التي لحقت به أثناء التعذيب. وأضاف السعداوي أنه نظرًا لرصد بعض حالات التجاوزات والتي تحدث بصورة فردية وفي أماكن مختلفة تم مخاطبة مكتب وزير الداخلية بضرورة إصدار تعليمات بمراعاة ما أقره الدستور والقوانين المنظمة والاتفاقية الدولية المناهضة للتعذيب، وكذلك تفعيل وتيسير دور المنظمات التي تعني بحقوق الإنسان في مراقبة تطبيق هذه الآليات والحفاظ عليها.
ضحايا التعذيب يرفعون عشرات القضايا ضد وزير الداخلية أجلت محكمة جنح مدينة نصر، منذ يومين 20 جنحة مباشرة أقامتها المنظمة العربية للإصلاح الجنائي ضد وزير الداخلية بصفته، تطالب بعزله وحبسه لعدم تنفيذ أحكام قضائية بالتعويض عن التعذيب لصالح مواطنين مصريين، لجلسة 29 مايو الجاري. كانت المنظمة العربية للإصلاح الجنائي قد أقامت 20 جنحة مباشرة ضد اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، تطالب فيها بعزله وتقديمه للمحاكمة وحبسه؛ لعدم تنفيذه أحكام قضائية بالتعويض عن التعذيب لصالح مواطنين مصريين. وادعت المنظمة في دعاوى أقامتها ضد الوزير، أنه تم اعتقال المجني عليهم وتعرضوا خلال فترة الاعتقال لأنواع المتعددة للتعذيب البدني والمعنوي، من الضرب على أيدي رجال الشرطة، والسب، أثناء فترة اعتقالهم، دون وازعٍ من ضمير من أتباع المُدَّعَى عليه". وأكدت الدعوى أن تلك الجرائم تخالف كل المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها مصر، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من القانون المصري، خاصة اتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وأضافت الدعوى: "أنه بالإضافة إلى مخالفات وزارة الداخلية، لما نص عليه الدستور المصري، فقد نصت المادة 80 من الدستور المصري على أن "كل اعتداء على أي من الحقوق والحريات المكفولة في الدستور جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم وتكفل الدعوى تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الاعتداء".