علامات استفهام وتعجب عديدة يضيفها ملف "مفقودى الثورة" إلى قائمة الاستفهامات التى لا تنتهى بعد مرور ما يقرب من عامين ونصف على خروج ملايين المصريين إلى مختلف ميادين المحروسة للمطالبة بالعيش والحرية والكرامة، فقد ظلت بلاغات الفقد والاختفاء التى بدأت تتوالى من الأهالى منذ انسحاب الشرطة فى "جمعة الغضب" وتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد، حبيسة الأدراج وفقيرة الاهتمام مقارنة بملفات أخرى تم فتحها بكل جرأة وحرص على الوصول بها إلى نتائج ملموسة، كالشهداء والمصابين وقضايا الفساد وغيرها. وفي حين تنفي وزارة الداخلية ومصلحة الطب الشرعي امتلاكها أية معلومات عن الأسماء التي ترد إليهما، وتؤكد الأجهزة الأمنية عدم وجودهم في سجونها ومعتقلاتها، يرجح نشطاء حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالملف، أن هؤلاء المفقودين الذين قدر مجلس وزراء الحكم العسكري عددهم بنحو 1200 شخص جرى التخلص منهم من قبل الأجهزة الأمنية أو أفراد الشرطة العسكرية بالقتل أو السجن بأسماء وهمية أو دون أوراق رسمية حتى لا يتم التعرف عليهم بعد اعتقالهم من داخل المستشفيات أو في كمائن، كما حدث في "كمين دهشور" الذي ألقت قوات الأمن خلاله القبض على بعض المدنيين واحتجازهم، أو خلال تظاهرات كانوا يشاركون فيها أو تصادف وجودهم في محيط أحداثها. على جانب آخر، يؤكد بعض أهالي المفقودين ونشطاء ومحامون أن بعضهم عاد أو تم العثورعليه بحالات صحية ونفسية سيئة جدًا، وفي ظروف غامضة لا تفسير لها، بينما يمتنعون عن الحديث بشأن اختفائهم تمامًا، وتتضارب أقوالهم في حال استجابوا إلى توسلات باقي الأهالي الذين شاركوهم أقسى لحظات حياتهم خلال البحث في الأقسام والسجون والمستشفيات والمشارح، وهو ما يظل لغزًا محيرًا يدفع بدفة الاتهامات إلى كل الاتجاهات ولا يستبعد تورط أحد. وبينما تصر الرئاسة على تأخير الكشف عن التقرير المقدم إليها من لجنة تقصي الحقائق في أحداث الثورة رغم الضجة التي أعقبت نشر صحيفة الجارديان البريطانية لتسريبات وصلت إليها وتتهم المجلس العسكري بممارسة التعذيب والقتل ضد الثوار وتحمله المسئولية عن جرائم الاختفاء القسري، كذلك رغم رفع العديد من الأهالي دعاوى قضائية ضد الرئيس لمطالبته بإعلان التقرير، واتهامه من قبل سياسيين ونشطاء بمحاولة تزويره وطمس ملامحه، حاولت "المصريون" الوصول إلى عدد من العائدين الصامتين والمقربين منهم لتحريك القضية والمساهمة في الوصول إلى خيط من الحقيقة قد يؤدي لكشف "الطرف الثالث" الذي نسبت إليه العديد من الجرائم والانتهاكات بحق الوطن وأبنائه، إلا أن عددًا منهم رفض الحديث تمامًا، معلنًا رفضه الإدلاء بأي معلومات لأي صحيفة أو وسيلة إعلامية بشأن عودتهم أو ذويهم، حتى أكد بعضهم أن ما لاقوه من ألم وتعب ويأس خلال البحث عنهم يكفيهم ويزيد، وأنهم "لا يريدون أن يفقدوهم أو غيرهم من أسرهم مجددًا". وفيما أكد مقربون من هؤلاء العائدين وبعض الأهالي والحقوقيين الذين كانوا يبحثون معهم عن أبنائهم، أنهم بالفعل تلقوا تهديدات من "جهات أمنية وعسكرية" لعدم الإدلاء بأية معلومات أو تفاصيل عن اختفائهم وعودتهم، استجاب بعضهم لإلحاحنا ومحاولاتنا ووافق على المشاركة مساهمة منه في نقل القضية إلى درجة اهتمام أكبر من قبل المسئولين، وشعورًا بمعاناة أهالي المفقودين وألمهم. فبعد أن اشترط "أ .م ، من صعيد مصر" عدم ذكر اسمه، قال إن ابنه ذا الثمانية عشر ربيعًا شارك بأحداث الثورة شأنه في ذلك شأن كل شبابها الذين ثاروا ضد الفساد والإهانة والبطالة، حتى اختفى في السابع والعشرين من يناير في عام الثورة، وباءت كل محاولات البحث عنه بالفشل، حتى اتصل بأسرته في الرابع والعشرين من نوفمبر في العام نفسه من الإسكندرية وهو في حالة إعياء وبؤس شديدين. وأضاف: عاد ابني وحاله "يصعب على الكافر"، فنظراته كانت تائهة وشارد تمامًا ولا يستطيع الكلام، وكل كلامه عبارة عن "تمتمة" لا نفهم منها شيئًا، وعندما أسأله عن ما حدث معه يبكي ويتركني، حتى مر شهر من عودته واستعاد بعض من اتزانه وأخبرني أنه كان لدى صديق له. وأكد الأب "أ.م" أنه لم يصدق ابنه، لأن حالته كانت يرثى لها وملأها الكثير من الغموض، خاصة أن جسده كان مليئًا بآثار جروح، أبرزها جرح في رأسه تم التعامل معه طبيًا بسوء شديد فظلت آثاره واضحة كالشمس، وحين ضغط على ابنه وحاصره بالأسئلة أجابه بإجابات غاية في الخطورة، أكد لنا أنه لن يستطيع أن يفصح عنها خوفًا على ولده الذي قال إنه لم يعد يتحدث معه عما حدث حتى لا يذكره بما جرى. "أبو المفقودين" أما "عم سيد" ، فقد عرف ب "أبو المفقودين" ، حيث فقد ابنه "عمرو" في أحداث جمعة الغضب، ثم ابنته "سماح" بعد أيام قليلة من عودة عمرو ونقل تفاصيل اختفائه لبعض وسائل الإعلام المصرية والأجنبية، وهو ما يؤكد أنه تم لمعاقبته. وقال أبو المفقودين إن "عمرو، 21 سنة" عاد "مدمّر نفسيًا وضائع تمامًا" بعد سبعة أشهر من البحث والتردد على المشارح والمستشفيات والأقسام والجمعيات الحقوقية وغيرها، وكذلك بعد ضغط شديد منه في وسائل الإعلام وتهديده بالانتحار والانتقام لولده إذا لم تتخذ إجراءات جدية بشأن ملف المفقودين، حيث حكي له أنه كان معتقلًا في سجن "وادي النطرون" وأن بعض ضباط "أمن الدولة" كانوا يقومون بتعذيبه وغيره من المعتقلين، حتى أنهم كانوا يأمرون أحدهم بالاعتداء عليه جنسيًا بينما يقف أحدهم للمشاهدة والتأكد من تنفيذ الأمر. لم يحك عمرو لوالده هذه التفاصيل سوى بعد مرور أسبوعين من الصمت والهروب من نظرات أفراد الأسرة والأهل والجيران وبعد ضغط شديد من الوالد الذي يؤكد أن صدمته وألمه أجبراه على فضح المسئولين عن ذلك والتحدث لبعض نشطاء حقوق الإنسان الذين نقلوا بدورهم الأمر لوسائل الإعلام، مما دفع عمرو للهروب والاختفاء ثانية بعد اتهام والده بفضحه وتدمير ما تبقى لديه من شعور بالآدمية، فغادر المنزل وهو يقسم أن يثأر لنفسه وكرامته ورجولته المهانين. وأضافت سماح " 18 سنة" وهي شقيقة عمرو والابنة الوحيدة لعم سيد أنها كانت تنتظر والدها في ميدان التحرير خلال اعتصامه لمطالبة الحكومة بالتحقيق في اختفاء عمرو، وبينما هي واقفة أمام محطة المترو، فإذا بثلاثة أشخاص يوقفونها ويخبرونها بأنهم عثروا على شقيقها عمرو وأنه مصاب بطلق ناري في إحدى ساقيه وينتظرها بعيدًا عن الميدان، إلا أنهم اقتادوها إلى أحد شوارع منطقة "جاردن سيتي"، وأدخلوها إلى سيارة داكنة أوصلتهم إلى مكان محاط بأسوار وأشجار عرفت بعد ذلك أنه "مؤسسة الأحداث" التي بقيت فيها حتى أتمت عامها الثامن عشر ثم أطلق سراحها دون أن يخبرها أحد بالمؤسسة شيئًا عن سبب وجودها أو منحها الفرصة للاتصال بأسرتها. وقال "عم سيد" إنه اصطحب ابنته بعد عودتها والاستماع إليها إلى محيط مؤسسة الأحداث ليتأكد من تطابق وصفها للواقع الذي استنتجه منها، حيث قال إن المؤسسة كانت على رأس الأماكن التي بحث عن ابنته فيها لكنه لم يجد اسمها في الكشوف التي أطلعه المسئولون عليها، وكذلك لم يخبره أحد بالداخل عن وجود فتيات غير مدرجة أسمائهن ضمن الموجودين. بينما أكد عدم نيته التقدم ببلاغ للتحقيق في حادث اختطاف ابنته وإيداعها "الأحداث" بشكل غير قانوني، قائلًا إنه تعلم من "الدرس" ونال ما يكفيه من العقاب باختطاف ابنته وهروب ابنه الأكبر ولا يريد أن يعاني المزيد ويغامر بحياة ابنته مرة أخرى أو ابنه الأصغر كذلك. الأم الباكية قصة اختفاء محمد صديق الذي فقدته أسرته في أحداث "جمعة الغضب" معروفة، كما بات وجه والدته الباكي معروف كذلك لقطاع كبير من الشعب المصري، وربما العربي المتابع للأوضاع ولملف المفقودين بشكل خاص، فلم تتوقف الأم عن البحث والاتصال بالمسئولين والنشطاء والإعلاميين الذين تناول بعضهم القضية من منطلق مهني وعملي لم تمتد معه حماستهم لمتابعة تطوراتها ومساندتها لتحريك أي ساكن، إلا أن "أم محمد" تردد دائمًا أنها على يقين بأن ولدها لم يمت وأنه فقط في مكان ما لا تعرفه، كما ازداد يقينها وأملها بعدما عاد بعض المفقودين إلى ذويهم رغم أن غالبيتهم عادوا بحالة سيئة للغاية لم تضف للقضية سوى المزيد من الغموض والريبة والألم. وأكدت "أم محمد" أن أهالي بعض العائدين بعد فقدهم في أحداث الثورة يرفضون التحدث إليها أو باقي الأهالي والنشطاء والحقوقيين الذين كانوا يتابعون القضية ويبحثون معهم عن ذويهم، وكذلك صديق محمد الذي عاد بعد 8 أشهر من اختفائه وطلب منها عدم محاولة استدراجه في الإدلاء بأية تفاصيل عن احتجازه لأنه "لن يفيدها بقدر ما سيضر نفسه"، لافتة إلى أن اتجاهه الثوري قد تبدل بشكل ملحوظ ولم يعد يشارك في أية تظاهرات أو يتحدث في السياسة كما كان يفعل قبل اختفائه. وأضافت أن ضباط بالداخلية وجهاز أمن الدولة والمخابرات العامة أكدوا لها أن ولدها لايزال على قيد الحياة، بينما أخبرها ضابط أمن الدولة أنه يقضي عقوبة بالحبس ثلاث سنوات، وأنها لن تجد اسمه في كشوف مصلحة السجون أو الشرطة العسكرية، بينما حذرها أحدهم من استمرارها في الظهور على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد ونقل ما يقال لها "سرًا" لطمأنتها، مؤكدًا أن ذلك يضر بابنها ويؤجل إطلاق سراحه. وحملت والدة "صديق" قيادات المجلس العسكري والرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة مسئولية اختفاء ابنها وغيره من الشباب في أحداث الثورة، حيث أعربت عن شكوكها وعدد من أهالي المفقودين بأن الشرطة العسكرية لها يد فاعلة في الأزمة وبخاصة بعدما أكد لها بعض المرضى والأطباء وشهود العيان بمستشفى "قصر العيني" أن بعض أفراد الشرطة العسكرية كانوا يلقون القبض على المصابين القادمين من ميدان التحرير في أحداث الثورة إلى جانب ما نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية من تسريبات لتقرير تقصي الحقائق. كما أكد لها الرئيس خلال لقائه مع أهالي المصابين والشهداء والمفقودين عقب فوزه بانتخابات الرئاسة أنه سيعمل جاهدًا على العثور على هؤلاء الشباب، لكنه لم يقدم أي شيء، فيما طلب أحد قيادات حزب "الحرية والعدالة" منها وغيرها من الأهالي بأن يعتبروا أبناءهم وذويهم "أمواتًا" في تأكيد منهم على استحالة العثور عليهم. 25 ألفًا ل"الاطمئنان" شقيق المفقود "إبراهيم سعيد" أكد كذلك غموض موقف هؤلاء الأهالي الذين كانوا يجوبون معه أنحاء الجمهورية للبحث عن ذويهم في أقسام الشرطة والسجون والمستشفيات والمشارح، ويتوسلون معه للمسئولين في الداخلية والمجلس العسكري لمساعدتهم والإدلاء بأية معلومة تطمئنهم، مضيفًا أن منهم من تضاربت رواياته بشأن العودة وسر الاختفاء حتى ضاق ذرعًا من ملاحقة الأهالي له وقالها صراحة: "لا تسألوني لأنني لن أجيب". وقال "محمد ابراهيم" وقد كان ضمن أهالي المفقودين الذين شاركوا بلجنة تقصي الحقائق، إن أحدهم عاد وهو شبه فاقد للذاكرة، حيث تم العثور عليه في منطقة "الدويقة" وهو شبه غائب عن الوعي وغير متزن تمامًا ولا يقوى على الحركة أو الحديث، وعلى جسده آثار ضرب وتعذيب مبرح لم يفسرها لأحد، بينما والده يرفض الحديث كذلك ومشغول تمامًا بالسعي لمعالجة ولده على نفقة الدولة أو ضمن مصابي الثورة. وأكد شقيق ابراهيم أن هناك الكثير من العائدين يرفضون الحديث مع غيرهم أو التقدم بأي بلاغ للتحقيق في ما حدث معهم خوفًا من شيء ما لا يفصحون عنه ولكنه واضح تماما بعد تكراره مع العديد منهم، مشيرًا إلى أن أحدهم تراجع عن بلاغ قدمه إلى لجنة الحريات بنقابة المحامين قائلًا أنه لا يريد أن يفقده أولاده وأسرته مجددًا. في سياق متصل، أكد "محمد" أن أهالي المفقودين يتعرضون إلى ابتزازات كثيرة ومحاولات نصب ومتاجرة بقضيتهم وآلامهم، موضحًا أنه تعرض لمحاولتي نصب فلحت آخرتهما من شخصين أبرزا "كارنيهات" تثبت أنهما من "الأمن الوطني"، حيث طلب منه مبلغ من المال مقابل إعطائه "دليل" يؤكد أن شقيقه على قيد الحياة وأنه محتجز، وجاء الاتفاق على أن يكتب الأخ لشقيقه سؤالًا يثق أن لا أحد يعرف إجابته سواه، وهو ما تم بالفعل بينما الضابط لم يرد حتى الآن ويتعذر دائمًا بالأوضاع وصعوبة الأمر وانشغالاته رغم تلقيه المبلغ المتفق عليه، وإلحاحه في إبلاغ أهالي المفقودين الذين يعرفهم بذلك حتى "يساعدهم وتطمئن قلوبهم"، إلا أنه لم يحصل على أي دليل حتى الآن سوى تأكيد شفهي بأن شقيقه على قيد الحياة، وأنه محتجز في مكان لم يذكره. مسح ذاكرة الثوار على جانب آخر، أكدت الدكتورة رحاب عوض، الناشطة الحقوقية ومدير مؤسسة "أحرار" المعنية بملف شهداء الثورة ومصابيها والمفقودين في أحداثها، أن أعداد المفقودين في أحداث الثورة لا حصر لها، لكنهم بحسب بيان مجلس الوزراء 1200 شخص لم يتم التعرف على حقيقة حالهم من حيث الوفاة أو الاعتقال أو غيره، بينما أكدت أن هناك غموضًا في مواقف أهالي العائدين حتى إن أحدهم قد أخبرها بأنه سيقوم بتغيير أرقامه ومحل سكنه إن لم تكف عن محاولتها لمعرفة أي تفاصيل منه عن سر اختفاء ابنه وعودته، كما أكد لها آخر أنه لن يدلي بأية معلومات بشأن ذلك، لأنه يخشى على أولاده أن يفقدوه مجددًا. وأشارت إلى أن بعض العائدين فقدوا ذاكرتهم أو يعانون من اضطراب وعدم اتزان بشكل غريب وبدت عليهم أعراضًا نفسية لم تسبقها أي مؤشرات فيما مضى بحسب ما أكده ذووهم، وأكدت أنها قامت بمساعدة أحدهم وعرضه على طبيب مخ وأعصاب رجح لها بدوره أنه ربما كان يتناول طعامًا مضافًا إليه مواد تتسبب في إفقاد الذاكرة أو اضطرابها وعدم اتزان أصحابها. كما أكدت مها يوسف، مدير الوحدة القانونية بمركز النديم للشئون القانونية والتأهيل النفسي، أن هناك تهديدات من جهات أمنية يتلقاها أهالي المفقودين والعائدين منهم لعدم اتخاذ أي إجراء قانوني تصعيدي، أو التعامل مع أي من جهات الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني التي من شأنها فضح ممارسات غير قانونية أو أخلاقية تحدث من جهات بعينها. وقالت يوسف إن المركز تلقى اتصالات من بعض أهالي المفقودين والعائدين يطلبون المساعدة القانونية والنفسية، لكنهم لا يذهبون إلى المركز في الموعد الذي يتم تحديده لتلقي العلاج أو المشورة القانونية كما طلبوا بأنفسهم، وهو ما يفسر الوضع العام لهؤلاء العائدين الذين يتلقون تهديدات ويتم التضييق عليهم لعدم الإدلاء بأي معلومات قد تعرض المسئولين عنها إلى المساءلة الشعبية والقانونية. زلزال المحامين وقال ممدوح الشويحي، المحامي ورئيس اللجنة العامة لحقوق الإنسان بنقابة المحامين: "تلقينا بلاغات من أهالي المفقودين خلال أحداث الثورة وقمنا بالإجراءات القانونية ومتابعة محدودة لكل حالة، ولم نستطع التقدم بالملف خطوة واحدة، نظرًا لانشغالنا بالعديد من القضايا المتعلقة بالوضع الحالي بالبلاد في الوقت نفسه ومعظمها لا يحتمل التأجيل وفي غاية الحساسية وعلى رأسها أزمة القضاة". وأشار إلى أن عدم استقرار القضاء وكذلك عدم تعاون مؤسسات الدولة وبخاصة الشرطة حال بين اللجنة وبين تتبع كل حالة بالشكل الأمثل، مؤكدًا أن كل البلاغات التي قدمت إلى النيابة كان مصيرها الضياع وعدم العثور على أي أثر لها في عهد النائب العام السابق عبد المجيد محمود، أو تعنت بعض أعضاء النيابات في التحقيق وعدم التعاون منهم مما يؤدي إلى ضياع الحقوق. وأضاف الشويحي: لجنة حقوق الإنسان وغيرها من لجان نقابة المحامين تنتظر صلاح حال المرفق القضائي للبدء في سلسلة ملاحقات قضائية، لأننا توصلنا إلى معلومات تؤكد تورط "الجميع"، ولا يمكن الكشف عنها الآن لأننا لو أعلناها فستؤدي إلى "زلزال" لن تحتمله البلاد في ظل الأوضاع الحالية والأزمات المتفاقمة. وعن تكتم العائدين بعد فقدهم في أحداث الثورة وأسرهم ورفضهم الإدلاء بأي معلومات عن فترة اختفائهم قال: كثيرون رفضوا الاستمرار واستكمال التعامل مع اللجنة والمحامين بشكل عام بعد تقديم البلاغات وبدء الضغط للتحقيق فيها بشكل جاد، بسبب عدم وجود الحماية وما يراه من مسلسل البراءات والأزمة التي يشهدها القضاء، فعلى سبيل المثال نحن في قضية تعذيب المعتقلين فوجئنا بتنحى الدائرة وإحالة القضية لدائرة معروف عنها أن القاضي فيها هو المستشار عادل عبد السلام المعروف أنه من رجالة أمن الدولة. مخاوف "تقصى الحقائق" من جانبه، رفض أحمد راغب، المحامي وعضو الأمانة العامة للجنة تقصي الحقائق في أحداث الثورة، الإفصاح عما توصلت إليه اللجنة بخصوص ملف المفقودين قبل إعلان التقرير كاملًا من قبل الرئاسة، مطالبًا إياها بسرعة الكشف عنه، ومؤكدًا أن ذلك سيعد اعتراف منها بالمسئولية عن نتائج التقصي، وإلزام لها باتخاذ الإجراءات اللازمة لرد حقوق الجميع واعتبارهم وكرامتهم. وعن التسريبات التي نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية، والتي تؤكد تورط المجلس العسكري في قتل المتظاهرين واختفاء بعضهم واعتقالهم في سجون سرية، قال راغب إنها "غير دقيقة" والحديث بشأنها قبل إعلان التقرير يساهم في زيادة حالة الاستقطاب السياسي التي تعيشها مصر، بينما لم ينف أن التقرير يكشف عن مفاجآت، وأن أطراف عدة متورطة بأحداث العنف في الثورة. كما قال راغب إنه تم الضغط على بعض أعضاء اللجنة لتسريب بعض المعلومات التي تضمنها التقرير المعد والذي تسلمته الرئاسة والنيابة العامة إلا أنهم رفضوا رغبة منهم في أن ينشر التحقيق من قبل الرئاسة، الأمر الذي يعد واجبًا عليها ويؤكد كذلك مسئوليتها عما ورد فيه من جرائم تمت من قبل بعض أجهزتها. وأشار إلى أن أعضاء اللجنة كانوا قد طلبوا من رئيس الجمهورية نشر نسخة "مجهلة" للتقرير لا توضح أي أسماء أو تفاصيل مراعاة لحق المصريين في المعرفة، وكذلك حرصًا على عدم التأثير في مسار التحقيقات إلا أنها لم تهتم، مؤكدًا أن ذلك يشير بقوة إلى محاولات ممنهجة لتزوير التقرير وطمس ملامحه الحقيقية. "أبعاد نفسية للأزمة" من جانبه، حذر الدكتور إسماعيل يوسف، أستاذ ورئيس قسم الأمراض النفسية والعصبية بكلية الطب في جامعة قناة السويس، من استمرار الغموض الذي تساهم فيه الأجهزة التنفيذية للدولة، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، والتي تزيد من ريبة المواطنين وشكوكهم في أسلوب وطريقة إدارة الدولة، وهو ما يزيد من الخلافات والانقسامات التي لا تنذر بأي انفراجة تجاه أي أزمة. كما حذر من إهمال الجهات المسئولة لملف المفقودين، وعدم إعطائه نفس الدرجة من الأهمية التي يحظى بها ملف المصابين والشهداء خلال الثورة وغيرهم، مشيرًا إلى أن التأثير النفسي على هؤلاء يكون مضاعفًا، لأنه يدفع الأهالي الذين لا يعرفون طريق أبنائهم وذويهم إلى الجنون والاضطراب النفسي الشديدين. وسمى يوسف المرحلة التي يعيشها بعض العائدين العازفين عن الحديث والتوضيح بمرحلة "اضطراب ما بعد الكرب"، التي يصيب المريض خلالها رغبة شديدة في الانعزال والصمت واجترار الذكريات، إضافة إلى قلق مزمن وبخاصة مع تلقيهم التحذيرات والتهديدات الضمنية والصريحة لعدم التواصل مع أي جهة قد تكشف أمرهم. كذلك حذر أستاذ الطب الأمراض النفسية والعصبية من اتجاه هؤلاء إلى الثأر والانتقام لأنفسهم مع استمرار شعورهم بالقهر والظلم والاستضعاف الذي يفاقمه سوء الأوضاع وينقله استمرار الانفلات الأمني إلى حيز الفعل، مشيرًا إلى أنه على أبسط الفروض سيتحول أهالي المفقودين وغيرهم من العائدين المتضررين والمهددين إلى عناصر سلبية وربما هادمة في مجتمع هو في أشد الحاجة لإيجابية كل منا ومساهمته في البناء.