بطبيعة الحال طرحت الغارة الأمنية أول أمس على عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أسئلة كثيرة ، بعضها كان مدار الحوار مع قنوات وصحف عربية وأجنبية اتصلت تسأل عن تحليل ما حدث وأبعاده ، هناك إدراك متزايد إلى درجة أنه أصبح تقليديا عن "الحسبة السياسية" وراء الإجراء الأمني ، هناك قناعة أصبحت راسخة لدى الرأي العام داخل مصر وخارجها أن الغارات الأمنية ذات وجه سياسي صريح ، وليست المسألة أمنية في المقام الأول ، ولم تكن قضية الإخوان المسلمين من قبل قضية أمنية ، منذ نشأة الجماعة ، لأنها تمثل تيارا شعبيا حقيقيا وليس مفتعلا في الواقع المصري ، وهو تيار سياسي وشعبي ممتد منذ الملك فؤاد الأول إلى فاروق إلى نجيب إلى عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك وممتد بالتأكيد لما هو بعد مبارك ، ومثل هذا العمق التاريخي لحركة سياسية لا يمكن أن نقنع أحدا بتبسيط التعامل معها كمشكلة أمنية ، صحيح أن بعضا من قيادات الجماعة التي ما زالت تعيش في خيالات ومشاعر وأفكار التنظيمات السرية لا تحسن التعامل مع تلك الحقيقة ، وربما لا تريد ، لأن العمل السياسي له التزامات واستحقاقات ومسؤوليات وقدر معقول من الشفافية تلزم قيادات الحركة أمام قواعدها ، وهي أعباء يتخفف منها عادة من يعمل في إطار تنظيمي سري ، من السهل أن يتخفف وبتهرب من كل ذلك بدعوى المطاردة الأمنية والتحديات الأمنية والحصار الأمني .. إلى آخره ، وأي خطأ وأي فساد وأي باطل يمكن التهرب منه بتلك الذرائع الدارجة ، غير أن السلوك الرسمي تجاه الجماعة يعطي الانطباع الأكيد بوعي "الدولة" بأنها أمام مشكلة سياسية وليست أمنية ، فالاعتقالات النوعية والمحسوبة بدقة والمهندسة بشكل واضح ، تؤكد هذا المعنى بما لا يقبل الشك ، فما معنى أن يتم اعتقال ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد دون غيرهم من أعضاء المكتب ، وإذا كان هؤلاء المقبوض عليهم ينتمون إلى تنظيم سري غير قانوني ، هل كان الباقون من أعضاء المكتب ينتمون إلى تنظيم آخر شرعي وقانوني بحيث يتم استبعادهم من الحملة الأمنية ، وفي الحسابات الأمنية والقانونية البحتة أيهم أولى بالمواجهة والاحتجاز ، العضو العادي في التنظيم أم أمير التنظيم نفسه ، المسألة واضحة ، والدولة تتعامل مع الإخوان كمشكلة سياسية ، ولكن أداة المواجهة السياسية معها أمنية في المقام الأول ، وأظن أن هذا الكر والفر والضربات الإجهاضية المحدودة ستظل هي صيغة التعامل بين السلطة والجماعة لسنوات طويلة مقبلة وحتى لو تغير النظام السياسي ، حتى يتم استيعاب الجماعة في إطار عمل قانوني مشروع ، كيف تكون صيغته ومدى قبول الطرفين به ، الجماعة والسلطة ، تلك قصة أخرى ، وفي الأحداث الأخيرة والتي أؤيد الرأي الذي يذهب إلى أنها مقدمة لأحداث أخرى ، أتصور أن المقصود هو إجهاض أي جهد إخواني للحضور السياسي في المرحلة المقبلة ، وخاصة بعد أن صرحت قيادات مسؤولة في الجماعة عن رغبة في مشاركة سياسية في صيغة تحالفات مع الأحزاب والقوى الأخرى في الفترة المقبلة ، وهي تصريحات للاستهلاك الداخلي في الجماعة ، ومقصود بها التخفيف من مخاوف القواعد من انسحاب الجماعة في طورها الجديد من العمل العام ، غير أن دوائر رسمية أرادت إرسال رسالة واضحة للجماعة بأن هذا الطريق مسدود الآن وحتى نهاية الانتخابات البرلمانية المقبلة ، حيث هناك رغبة جامحة لمنع تشكل أي قوى معارضة سواء في الشارع أو البرلمان المقبل حتى يتم حسم صيغة وصورة عرش مصر في المرحلة الجديدة . [email protected]