ينص الدستور المصري علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، كما ينص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ، وفي الواقع فإن أول دستور مصري حديث وهو دستور 1923 قد نص علي أن دين الدولة الر سمي في مصر هو الإسلام ، ولم يقم مؤسس الليبرالية المصرية وعلمانييها الكبار أمثال أحمد لطفي ا لسيد وعبد العزيز فهمي أو سعد زغلول ليقولوا يجب علينا كدولة مدنية أن نلغي النص في الدستور علي هوية الدولة المصرية وهي أنها دولة مسلمة ، أي أن أغلبية سكانها يدينون بالإسلام ، بل الواقع يشير إلي أن الجماعة الوطنية المصرية قد قامت وتأسست علي أساس الاعتراف بهوية أغلبيتها كهوية للدولة المصرية ، فالدولة لا تعمل في فراغ أو فضاء وإنما هي مؤسسة معنوية تعبر عن أغلبية مواطنيها ، وفي نفس الوقت احترام حق الأقلية في أن تعبر بحرية عن معتقداتها الدينية ، فليس جامع الوطنية المصرية بديلا عن الإسلام كذلك قال الليبراليون المصريون الأوائل وعلي رأسهم كما أشرت أحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي ومحمود أبو النصر وغيرهم ، قالوا ذلك في المؤتمر المصري الأول الذي عقد في عام 1911 بضاحية مصر الجديدة ردا علي المؤتمر الطائفي الذي عقده الأقباط في أسيوط ، وأرسوا قاعدة أن التعدد في الأعراق أو الأديان المكونة لنسيج الجماعة الوطنية لا يعني تعددا في الدين فدين الأغلبية لا يقبل التعدد ويجب أن نوازن تلك العلاقة في إطار العدل وليس في إطار التسامح الذي قد يتحول لنوع من الاستكانة والغفلة . الجامعة الوطنية المصرية مكونها الرئيسي هو الإسلام وعليها قامت الدولة المصرية الحديثة ، ومن ثم فإن الحديث المخاتل والتافه من جانب مرتزقة المتاجرة بورقة الأقباط من التيارات الماركسية والعلمانية المتطرفة والذين تعلو جعجعتهم في سياق الفتنة والأزمات بالقول إن الدول لا هوية لها ، وأن الدولة المصرية أو البرلمان المصري أو مؤسسة القضاء المصري أو غيرها من مؤسسات الدولة هي مؤسسات لا هوية لها ، ولنتوقف قليلا فنحن نقول الدولة المصرية . أليس ذلك تعريفا لتلك الدولة وهذا التعريف أليس يعبر عن هوية تميز المصريين عن غيرهم ، ماذا سنسمي الدولة في مصر ؟ هل نقول دولة أي دولة ؟ أم أننا سنقول إنها دولة المصريين جميعا من حيث كونها تعبيرا عن العدل والمساواة في حركتها فلا هي تمارس التمييز ولا العنصرية ولا هي تمارس الفصل أو غيرها من المصطلحات المثارة في العلوم الاجتماعية والتي يزخر بها علم الأقليات وعلاقات الجماعات ببعضها . الدولة المصرية يعني أنها دولة مسلمة لأن غالب سكانها مسلمين ، وتواضع المصريون علي ذلك منذ إنشاء أول دستور مدني حديث لهم ، وليس الإسلام فقط دين ولكنه شريعة ومن ثم فإن نص الدستور المصري بعد ذلك في عصر السادات علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع هو تنبيه للقاضي والمحاكم علي أخذ الشريعة في حسبانهم أثناء الحكم وليس فرضا عليهم بالحكم بالشريعة . وفي الخبرات الغربية لدينا تعبيرات مختلفة في العلاقة بين الدين والدولة ، الأصل في تحديد تلك العلاقة هو المسار السياسي لتلك الدولة ، فبريطانيا علي سبيل المثال كانت كاثوليكية ولكن ملكها هنري الثامن اتبع البروتستانتية وأعلن انفصاله عن الكاثوليكية وهنا أصبحت البروتستانتية هي الدين الرسمي لبريطانيا وحتي اليوم لا تزال الملكية هي حامية البروتستانتية والكنيسة الإنجيلية ، وهناك صياغات قانونية لعلاقة الدولة بالكنيسة وبالكنائس المعترف بها كالكاثوليكية ، وعلي سبيل المثال فإن الدولة البريطانية تعين القساوسة وتلتزم بحماية العقيدة البروتستانية من التدنيس والإهانة وكبار رجال الكنيسة والأساقفة البروتستانت هم أعضاء في مجلس اللوردات ، وقانون الكنيسة لا يزال جزء من النظام القانوني الإنجليزي ، طبعا تنظيم العلاقة بين الدولة والكنيسة في بريطانيا جاء في سياق تاريخها والذي كان يمنع علي غير البروتستانت التمتع بالحماية الكاملة للدولة البريطانية . عندنا في مصر والتي كانت جزء من عالم الإسلام قبل غلبة المحتلين البريطانيين عليها لم تعرف مصر اضطهادا للمخالفين لعقيدتها ، ومن ثم ظل غير المسلمين موجودين لهم كافة الحقوق بل إن المبالغة في منحهم تلك الحقوق قادت لتوترات اجتماعية في مواجهة الدولة معروفة في كتب التاريخ الاجتماعي المصري ، كما أن غير المسلمين ليس عندهم شريعة مستقلة يتحاكمون إليها ، بينما عندنا نحن المسلمين شريعة وقواعد قانونية ، فما ذا يضير غير المسلمين من النص علي أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع الذي هو جزء من حياة المسلم وعقيدته شريكه في الوطن ، هنا يأتي العلمانيون ا لمتطرفون كالحواة ولا عبي السيرك ليقولوا لحماية غير المسلمين علينا إلغاء هوية مصر الإسلامية وهم ليسوا وكلاء عن الأقباط ، وليسوا وكلاء عن أحد من المصريين فهم يتحدثون باعتبارهم وكلاء للخارج ، بيد إن الطبعة العلمانية الأصولية في مصر تبدو متخلفة لأن أحدا لم يعد يقول في العالم كله نفصل بين الدين والدولة ، كما لم يعد أحد يقول الدول لا هوية لها وتعالوا نحذف هويات الدول ليتحرر الناس من الدين ، هكذا يرغبون ولكن ما حيلتنا إذا كان العالم كله يتجه لتأكيد هويته ، وفي الغرب الذي هو قبلتهم ومرجعيتهم كل يوم يتأكد في فرنسا هويتها المسيحية اليعقوبية ، وفي سويسرا المحايدة تؤكد هويتها بمنع بناء ا لمآذن وفي أمريكا تتعمق العلاقة بين الدين والدولة ، هوية مصر ستظل إسلامية متسامحة تتسع في عمقها الحضاري لغير المسلمين ، كما تتسع لقبول ماهو عالمي وإنساني في الحضارات الأخري لكنها ترفض الالتحاق بالغرب وترفض منطق العلمانية الأصولية ومتطرفيها الذين جاوزهم الزمن ولم تعد ألعابهم تخيل علي الناس .