يؤلمني بشدة المشهد السياسي بما فيه من إجحاف لتاريخ دولة كبيرة وعريقة بتاريخها وجغرافيتها وحضارتها مثل مصر المحروسة. لقد اختزل الكثيرون مصر في شخصين اثنين وها هي رحى الحرب تدور بينهما غير عابئين لما قد يحدث من آثار اقتصادية واجتماعية ودينية على المستويين المحلي والإقليمي، بيد أنا نقر جميعًا مصلحة العم سام ومن خلفه عدونا اللدود والأوحد في كل ما تفرزه هذه الصراعات من سلبيات تنعكس على المجتمع المصري بالكامل. إن منظومة الوطن وما بها من توجهات قد تختلف في أشياء وتتفق في أخرى، لاسيما أن الجميع منوط به النهوض بالوطن سواء مواطنين أو أنظمة، فالمحصلة النهائية من المفترض أنها تقود للتقدم في شتى المجالات. أما أن ينسى الجميع الوطن ويبدأ الانشغال عنه بأطماع شخصية بحتة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إحراق الجميع فهو أمر مرفوض شكلًا وموضوعًا. على الجميع أن يحترم الرئيس الشرعي المنتخب، وفي الوقت نفسه على الجميع أيضًا أن يقر بفساد النظام السابق بدءًا من رأس هرم السلطة ومرورًا بالوزراء وكبار المسئولين وحتى الموظفين الصغار التابعين للجهاز الإداري بالدولة – إبان عهد المخلوع – فإن أقررنا بشرعية الرئيس المنتخب وفساد الرئيس المخلوع واستحقاقه للمحاكمة عن جرائمه بحق الوطن وبحق الشعب زالت مسائل خلافية كثرة بين الفرق المتناحرة. المشكلة ليست في الرئيس مرسي.. المشكلة في من لا يريد يريد أن يفهم سياسات مرسي الداخلية حتى بعد مرور 9 أشهر على وجوده في الحكم! الرئيس مرسي ليس رئيسًا ثوريًا ولكن رئيسًا إصلاحيًا همه الأول والأخير استكمال بناء مؤسسات الدولة و"ترميم" المؤسسات الموجودة وهي رؤية تختلف تمامًا عن الرؤية الثورية التي تعتمد على هدم جميع مؤسسات الدولة وبنائها من جديد. كل من كان مواليًا للنظام القديم وليس عليه تهمًا جنائية فهو شخص مرحب به في إدارة الرئيس مرسي، وهو في نظر الرئيس مرسي خسارة لمعسكر الثورة المضادة وتفريغ لها من قوتها.. أن يفهم سياسات مرسي الداخلية حتى بعد مرور أقل من عام على توليه الحكم، فالرئيس مرسي ذو توجهات إصلاحية أكثر منها ثورية، ما يعني أنه همه الأول والأخير استكمال بناء مؤسسات الدولة، وترميم المؤسسات الموجود وهو توجه يختلف كثيرًا عن التوجه الثوري الذي يقوم على مبدأ هدم كافة مؤسسات الدولة – كأشخاص وسياسات - وإعادة بنائها من جديد. وفي رأيي الشخصي فإن النظام السابق لم يفرز جيلًا جديدًا يكون بديلًا لقادته، بل على العكس تمامًا كنا نرى الرئيس ووزراءه يشيخون في السلطة دون الاستعانة بدماء جديدة تحدث تغييرًا جذريًا في سياسات الحزب البائد من شأنه الدفع بمصر للأمام، بل على العكس تمامًا.. فقد اغتالوا أي عقل مبدع أو فكر مستنير أو قيادة حقيقية خوفًا من أن تسرق الأضواء منهم. ولذلك فقد آثر الرئيس مرسي التوجه الإصلاحي وفتح الباب على مصراعيه لأي شخص كان محسوبًا على النظام السابق ولم يكن متورطًا أو مطلوبًا في قضايا جنائية أيًا كانت نوع تلك القضايا، والاستعانة ببعض من هؤلاء لإصلاح ما أفسده النظام السابق. وليس أعجب في نظري من تصعيد الأمور بهذا الشكل الخطير ومحاولة تزييف الواقع، وخلط الحق بالباطل والصالح بالطالح لتهيئة جو فوضوي يكون مصدرًا دائمًا لشيوع التوتر وغياب الاستقرار وانعدام الأمن. خلاصة القول.. أطمح في أن تختفي تدريجيًا تلك الأطماع السياسية والتي دائمًا ما يصاحبها مشاهد تخريب وترويع واعتصامات وعنف، ويحل محلها الحوار الهادئ الذي يخلو من "تظبيط" المصالح الشخصية. وألا نختزل مصر في شخص واحد.. سوف يفنى عاجلًا أو آجلًا.. وتبقى مصر حرة ً أبيَّة.