يمثل د.مصطفى الفقى فى حياتنا السياسية والثقافية حالة جديرة بلفت الأنظاروالاهتمام..ولا أخفى عليكم فأنا أحد من جذبتهم حالة د/ الفقى من بواكيرظهورة فى الحياة العامة حين أشرف على سكرتارية الرئيس للمعلومات فى منتصف الثمانينيات وكان هو ود/أسامه البازالجناحين اللذين يحلق بهما القرارالنهائى فى سماء السياسة..ووجدتنى أتتبع أخباره وسيرته وزاد اهتمامى به حين علمت أنه تخرج من نفس المدرسة الثانوية التى تخرجت منها(دمنهورالثانويه)وزاد الاهتمام والاعجاب حين علمت أن رسالته للدكتوراة كانت عن الاقباط فى السياسة المصرية –مكرم عبيد نموذجا - وحين طبعت فى كتاب أصدرته دارالشروق اشتريتها وقرأتها مرتين ..فلأقباط مصرفى نفسى منزلة كريمة . كانت أحاديث د.الفقى السنوية فى معرض الكتاب حدثا مهما للمثقفين والمتابعين وكان سميرسرحان رحمه الله يقدمه بوصفه أحد ألمع مفكرينا السياسيين فى العصرالحديث..والحقيقة أن د/مصطفى محدث من طرازبارع وأتصورأن هذه الصفة هى التى دفعت به للأمام فى المشهد السياسى ..فهى التى جعلته رئيسا لاتحاد طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وهى التى جعلته أحد المثقفين البارزين فى التنظيم الطليعى وهى الأماكن التى رشحته للعمل فى الخارجية بقرارجمهورى من الرئيس عبد الناصرشخصيا..وفى عهد الرئيس السادات كان قنصلا فى سفارتنا بلندن وقدم شهادته حول وفاة الليثى ناصف -القائد الأسبق للحرس الجمهورى فى أحداث مايو 1971م- والذى كان سفيرا بلندن على أنها انتحاروليست قتل..وهى الطريقة نفسها التى انتحربها أشرف مروان وإحدى الفنانات..سنوات عمل د. الفقى فى الرئاسة فى عهد الرئيس مبارك هى الأزهى والأبهى فى حياتة المهنية ففى بلداننا عملك الى جوارالرئيس لا يعكس كفاءتك فقط ولكن يعكس أشياء أخرى كثيرة..لم يلبث د الفقى إلا ان خرج من رئاسةالجمهورية بعد حادثةالجامعة الأمريكية الشهيرة ويقال انها ليست السبب الوحيد لإبعادة من الرئاسة.ثم أشرف بعدها على المعهد الديبلوماسى ثم سفيرا فى النمسا.وحين تقاعد خاض تجربةالعمل البرلمانى مرة بالتعيين ومرة بالانتخاب الذى صاحبه جدل صاخب حول تزويرالانتخابات لصالحة ذلك أن منافسه فى دائرة دمنهور–دجمال حشمت- صاحب شعبية كبيرة إضافة الى أنه المرشح الدائم للإخوان ودمنهورمن المدن الإخوانية العتيقة . فى مجلس الشعب رأس لجنةالشئون الخارجية.لكن اداؤة البرلمانى لم يكن بنفس مستويات أداؤه فى الخارجية..وفى كل الأحوال أضافت له التجربة البرلمانية بعدا مهما فى تجربتة السياسية..الصورة المعروفه عن د.الفقى فى دنيا الفكر والأيديولوجيا أنه قومى عربى ترعرع فى ظل التجربة الوحدوية ابان الرئيس عبد الناصر.وهو يفضل أن يكون دائما داخل دائرةالاحتمالات الممكنة ورقما صحيحا فى أى معادله..(وتعبرالأيام علينا فنصيرأخرين)...على خلفية هذا التاريخ العتيد نشرت إحدى الصحف المستقلة حوارا له عن مستقبل الحكم فى مصر..فقال إن من يأتى حاكما لمصرلابد أن توافق عليه أمريكا ولا تعترض عليه إسرائيل..وهى الجملة التى أثارت الأستاذ هيكل فوجه إليه فى اليوم الثانى عدة أدوات استفهام حول معنى هذه الجملة باعتبارة شاهد ملك.. لعمله السابق فى الرئاسة.وبدا للمتابعين أن الاستاذ هيكل بأسئلته هذة وضع د.مصطفى على مذبح الخطر..لاقترابه من موضوع يوصف دائما فى الحياة العامة بأنه الموضوع الأكثر حساسية وخطورة وهو موضوع انتقال السلطة إلا أن د.مصطفى دافع عن نفسه فى رد مختصر..لم يسمن ولم يغن. هذة الجملة التى قالها د مصطفى للناس فى الصحف دونما أى إعتابرلتأثيرها على إحساسهم الوطنى بالكرامة والشرف والعزة.كان أ/هيكل نفسه هو أول من رسخها فى الحياه السياسيه..والتأريخ للفتره من 1950-54 19يورد أقاويل ومواقف كثيرة بهذا المعنى بعضها رواه أ/هيكل بنفسه فى كتبه خاصةكتاب(بين الصحافة والسياسة)لست من النوع الذى يثبت أحد عند فترة تاريخية واحدة ويجادل حولها ..خاصة أن أ/هيكل مربتجارب عميقة بعد وفاة الرئيس عبد الناصر وحقه علينا موصول بالشكرعلى أسئلته التى وجهها للدكتورالفقى.لكن الموضوع أكبرمن أ/هيكل ود/مصطفى الفقى ..الموضوع يتعلق بالكرامةالوطنية لثمانين مليون مواطن أغلبهم أدى الخدمة العسكرية فى جيش مصرالعظيم وكانوا كل صباح يقفون أمام العلم مرددين(رسمنا على القلب وجه الوطن)..أغلبهم يسددون الضرائب ويحترمون القانون والدستور..أغلبهم يرتادون المساجد ومنهم من يرتاد الكنائس يدعون ربهم أن يحفظ لهم وطنهم حراعزيزا. ما ذنب هؤلاء الناس الطيبين البسطاء فى البصق على جباههم بهذه الكلمات الصاعقات وبهذه الخفة المتناهية؟هل مطلوب منهم أن يسيروا فى الطرقات منخفضى الرؤوس ومطأطئى الجباة؟ هل مطلوب منهم أن يمروا من أمام السفارةالأمريكية والاسرائيلية راكعين؟هل مطلوب منهم حين يكونوا خارج وطنهم أن يتراجعوا ليتقدمهم الأمريكى والإسرائيلى أصحاب الحق فى اختيارمن يحكمون بلادهم ؟ . واذا كان ما ذكرة د.مصطفى به بقايا قديمة من تراث سحيق البعد..وأنا أقطع بأن الدنيا تغيرت ولم تعد هى دنيا ما بعد 1945م ..والمانيا واليابان وأوروبا الشرقية دلائل واضحة على ما أقول..فلما يذكره بهذا الوضوح المؤلم الموجع ؟ولماذافى هذا التوقيت تحديدا..؟هل مطلوب من المتنافسين_ صراحة_ أن يذهبوا أولاإلى هذة الأطراف ليضمنوا موافقتهم وعدم اعتراضهم ؟ واذا تم ذلك فهل سيكون فى اطار مفاوضات ومقايضات .؟ وعلى ماذا يفاوضون ويقايضون؟ دعونى أحكى لكم _للمرة الألف _حكاية الثعلب ومالك الحزين والطائرالمسكين ..الثعلب كان يهدد الطائرفى عشة بأنه سيهدم له عشه ويأكله هو نفسه إن لم يرسل له أحد أفراخه ليأكله فكان المسكين يصدقه ومن ذل خوف الموت كان يعطيه مايريد ..إلى أن مرعليه مالك الحزين ذات مساء فوجدة كسيرالنفس زائغ النظرات وحين علم منه القصة..قال له أن الثعلب لن يجرؤعلى تنفيذ تهديدة لأنه ببساطة لايستطيع صعود الآشجار..وها أنت تدفع له بأفراخك بين يدى أكاذيب وأوهام وضلالات استطاع ان يحبسك فيها..المرة القادمة قل له اطلع واقتلنى إن استطعت..وعمل الطائر بالنصيحه ونجا ونجت افراخه. أكذوبة أمريكا ..أمريكا ..أمريكا. أصبحت كريهة وباهتة ومملة..أصبحت أشبه بالبحيرة الضحلة الخالية من أى عمق ..هم يصرون على حبسنا خلف أوهام وضلالات وأكاذيب روجوها وصدقوها ويريدون لنا أن نحفظها لأجيالنا والأجيال التى تلى أجيالنا بل وأضيف إليها إسرائيل أيضا..أى نوع من الخيانات نقوم بة إن لم نحررأنفسنا ومن حولنا من هذا الهراء..أكاذيب فى أكاذيب يتوارثونها ويتواصون بها..وكل النماذج التاريخية تقول أنه ما أكثر المرات التى تم فيها لى ذراع أمريكا بأيدى الشعوب والحكام الشرفاء ..المشكلة الحقيقية أن أمريكا تستغل حالة التباعد بين الحاكم وشعبه بل وتغذيها..حتى تنفرد بالحاكم خارج حصنة الحصين _التأييد الشعبى_ وتتلاعب به وتلاعبه فى إطار مصالحها ومصالح إسرائيل..هذه هى الحقيقة العارية التى يجب أن نفهمها ونعيها..ومع ذلك ورغم ذلك وبعد كل ذلك دعونا نجرب ولو مرة واحدة ونقول لأمريكا واسرائيل اطلعوا الشجرة. فى أحد مشاهد مسرحية(عدو الشعب)للكاتب النرويجى(هنريك إبسن) يصرخ دكتور(إستوكمان) فى وجه رئيس البلدية الكذاب الفاسد :(أولئك الذين يريدون أن يعيش المجتمع فى أكذوبة يجب سحقهم والتخلص منهم.....) . وقبل إبسن وبعد إبسن وإلى أخرالدنيا (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير).