جُملة كبيرة من الأسئلة والتساؤلات تدلف على تبَوّء السفير الأردني الشاب، أحمد مساعدة موقع أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط، ترتبط في جلِّها بما يُمكن أن يخلقه هذا الاتحاد من مسار مُغاير للمسارات السابقة، لمحاولات التفاهم والتعاون العربية الأوروبية، التي لم تحقِّق أيّاً من النتائج المأمولة منها. فور تولِّيه موقع الأمانة العامة، سيجِد مساعدة نفسه أمام شَبح مسارِ برشلونة الضعيف والجامِد، بعد مرور 15 عاماً على محاولة بناء الشراكة الأورو- متوسطية، لذلك، من المتوقّع أن يسعى أحمد مساعدة جاهداً لدراسة أسباب تعثُّر هذه الشراكة إلى الآن وتجّنبها، منذ البداية وصولاً إلى إنجاح الفِكرة الجديدة. وعلى الرغم من أنّ فكرة الاتحاد من أجل المتوسط ولِدت من رحِم الضرورات ذاتها التي أتت بمسار برشلونة، وتتمثّل في مقدار القلق الذي تشعر به الدول الأوروبية من الأوضاع في جنوب البحر المتوسط، التي تؤثر بصورة حيَوية ومباشرة على الأمن الأوروبي ومصالح الدول هناك، إلاّ أنّ بعض المعلقين والباحثين يُراهن على ما قد يحمل المسار الجديد نحو النجاح. في هذا الصدد، يرى د. باسم الطويسي، أستاذ الإعلام والاتصال الدولي في جامعة الحسين بن طلال في تصريح خاص ب swissinfo.ch، أنّ الأهداف قد تكون مُتشابهة بين مسارَيْ برشلونة والاتحاد من أجل المتوسط، إلاّ أنّ الحيْثِيات والشروط التي ولِد فيها الاتحاد الجديد، تدفع إلى توقّع نتائج أفضل وأكثر جدية، حسب قوله. ويحدِّد الطويسي تلك الحيْثيات باستقرار القناعة في الدول الأوروبية، بأهمية الالتفات إلى الأوضاع في الشرق الأوسط - جنوب المتوسط - التي تؤثر جِذرياً على الأمن الأوروبي، وهو ما بدا واضحاً في التّفجيرات التي استهدَفت لندنومدريد ونُمو خلايا القاعدة والأفكار الجهادية لدى بعض العرب المُقيمين هناك في أوروبا. من برشلونة إلى وثيقة "ابن سينا" على الجهة المقابلة، لا يتّفق د. حسن البراري، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية والخبير في الشؤون الإسرائيلية، مع تفاؤل د. الطويسي بالمسار الجديد، إذ يقول في حديث خاص ب swissinfo.ch، إنّ وجود إسرائيل في مشاريع الشراكة، يُعطِّل من ديناميكيتها ويخلق مشكلات مبدئِية تحُول دون تطوير أوجُه التعاون وتحقيق الأهداف. ويعود البراري إلى تعثُّر مسار برشلونة، الذي جاء انعكاساً لتوقيع اتفاق أوسلو ومحاولة لتكريسه من خلال المسار التعدّدي والجوانب الاقتصادية والسياسية الموازية، وكان بمثابة محاولة أوروبية تكميلية للجهود الأمريكية، لخلق مناخات السلام في المنطقة ومحاولة بناء بيئة جديدة بهُوية أوسطية تدمِج إسرائيل في المنطقة، من خلال شبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي بشّر بها سابقاً شمعون بيريس في كتابه "الشرق الأوسط الجديد". إلاّ أنّ التعنُّت الإسرائيلي وتراجُع التسوية، كما يقرأ البراري "أزَّم مسار برشلونة وأحبَطه وأوصله في النهاية إلى طريق مسدود، بلا نتائج حقيقية"، ذلك يدفع إلى سؤال المليون: لماذا نتوقع الآن مساراً مختلفاً ناجحاً للاتحاد من أجل المتوسط، ما دامت العقَبة الإسرائيلية موجودة وما دام الأوروبيون لا يوافقون، مبدئِياً، على أي دعوة لاستبعاد إسرائيل من هذا الاتحاد، ولا يقدِّمون مقاربتهم الخاصة لمسار التسوية بعد تقهقُر المبادرات الأمريكية المتتالية خلال السنوات الأخيرة؟! الطويسي يتّفق مع البراري على أنّ إسرائيل تشكل عقَبة حقيقية في وجه الاتحاد من أجل المتوسط ويضيف إليها عقبات أخرى لا تقِل أهمية، وفي مقدمتها السؤال التركي ودور تركيا في الاتحاد الجديد وخشية أنقرة من أن يكون بديلاً عن انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، كما ألمَح مسؤولون أوروبيون سابقاً، وكذلك مدى إيمان القيادات العربية بهذا الاتحاد وما يترتَّب عليه من دفع باتِّجاه إصلاحات سياسية واقتصادية، لا توجد مؤشِّرات وبراهين إلى الآن على نِية الحكومات العربية خوْضها، ما هو أهَم من هذا وذلك، استمرار توسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً والتعامل مع الدول الجديدة وروسيا كأولوية رئيسية للدول الأوروبية، مقارنة بمدى أهمية العلاقة مع الدول العربية. أحمد مساعدة.. تجارب ناجحة ومهمة صعبة وعلى الرغم من كل ذلك، فإنّ الطويسي يؤكِّد أنّ ولادة الاتحاد من أجل المتوسط، تختلِف عن المسار السابق في أنّها تعكس اليوم ضرورة أوروبية ذاتية، وليست ثانوية أو تكميلية للجهد الأمريكي. ويدلِّل الطويسي على ذلك بوثيقة "ابن سينا" المعروفة، التي أعدّتها مجموعة متخصِّصة في الشرق الأوسط وتبنّاها الرئيس ساركوزي في دعوته لإنشاء الاتحاد من أجل المتوسط، إذ تقدِّم الوثيقة توصيفاً متشائِماً للغاية لمستقبل الشرق الأوسط، بين السلام الأمريكي والفوضى وسيطرة الإسلاميين، وأخيراً التدهْور البطيء. وِفقاً لهذا التصوّر، فإنّ نجاح الاتحاد من أجل المتوسط يدخُل في سياق المصالِح الحيوية وفي صلب الأمن الأوروبي، وهو مفتاح مختلف عن مفتاح مسار برشلونة، الذي اتّخذ طابعاً تكميلياً لمسار السلام العربي الإسرائيلي الذي انطلق في مدريد خريف 1991. إذن، يصل مساعدة إلى هذا الموقِع الجديد لأداء المهمّة الصعبة، المشتبكة باعتبارات سياسية ومصالح متضاربة، مزوّداً بخِبرة جيدة في العمل السياسي والدبلوماسي، فهو شاب (من مواليد عام 1969) حاصل على درجة الدكتوراه في القانون من كلية كينجز كوليج في لندن، وسبق أن شغل موقع وزير تطوير القطاع العام في حكومة بلاده بين عامي 2004-2005. ثم عُين مساعدة سفيرا للملكة الهاشمية الأردنية لدى كل من الاتحاد الأوروبي وبلجيكيا والنرويج ولوكسمبورغ، ربما لمجال تخصّصه الدقيق في القانون الدولي والمعاملات التجارية، بالإضافة إلى خبرته السياسية، ويرى مراقبون أن كل ذلك يساهم في تعزيز فرصِه بأداء دور متميِّز في هذا الإتحاد الجديد، الذي تلوح أمامه التجربة المتعثِّرة لمسار برشلونة. المصدر: سويس انفو