د. نظمي لوقا، واحد من العظماء المصريين الكبار، بل إني أعتقد أنه أعظم ما أنجبته مصر في المائة عام الماضية. مفكر قبطي منصف وعادل، تعلم على يد كبار العلماء المسلمين، درس السيرة العطرة، وحفظ القرآن الكريم، مثله مثل أقرانه من المصريين المسلمين، وهو في سن العاشرة من العمر، ولكنه كان عبقريًا، يملك أدوات الكتابة بأسلوب مبدع ربما تفوق ملكات وأدوات العقاد وطه حسين والمازني وغيرهم، وضع عدة كتب كان أبرزها وأجملها وأرقها وأعذبها ما كتبه عن محمد صلى الله عليه وسلم: "محمد الرسالة والرسول" و"محمد في حياته الخاصة". وعندما شرع المفكر العراقي الكبير عماد الدين خليل، في إعادة اكتشاف "السيرة" وأن نجتاز دروبها وساحاتها فتمنحنا الدهشة، والإعجاب، وتفجرّ في عقولنا وأرواحنا جداول الحب.. والعشق.. واليقين.. أن تكهرب أوصالنا، بمفرداتها المتألقة، فتضعنا وجهًا لوجه قبالة الحقائق الإنسانية العارية التي لم يرِن عليها صدأ، على حد رؤيته المبدعة، عندما شرع في ذلك.. اقترح أن يقرأ "السيرة" من خلال الذين يتعاملون مع مفردات السيرة من الخارج.. من خارج دائرة الإسلام. كان خليل مقتنعًا بالقاعدة التي وضعها علم الجمال التي ترى أن الإلف والاعتياد يقتلان الدهشة، ويطمسان على ألق الحقائق والتجارب والأشياء، فتفقد بمرور الوقت قدرتها على الإثارة، وتساءل: فماذا لو حاولنا كسر الطوق، وتجاوزنا حصار الإلف والعادة، وتسطحّها باتجاه العودة كرّة أخرى إلى مواقع الدهشة والإعجاب والانبهار؟ د. خليل في هذا الإطار اختار رجلين "نموذجين" لفكرته الجميلة، وهم د. نظمي لوقا من أقباط مصر، ونصري سلهب من مسيحيي لبنان ولنستعرض معه ما كتبه المفكر القبطي الكبير نظمي لوقا عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتابيه الذين ذكرتهما في مستهل المقال: [ 1 ] " ما كان محمد - صلى الله عليه وسلم- كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل -عليهم السلام- وهِمّة البطل فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل ويُحيّي فيه الرجل" [ 2 ] " لقد تخطّف الموت فلذات أكباد الرسول - صلى الله عليه وسلم- ليكون ذلك إيذانًا بأن البشر الرسول ليس له امتياز على سائر بني آدم، فتسقط دعوى الناس في التقصير عن الاهتداء به" [ 3 ] " إن هذا الرسول، حينما وقعت له تجربة الوحي أول مرة، وهو يتحنّث في غار حراء، صائماً قائماًً، يقلّب طرفه بين الأرض والسماء .. لم يأخذ هذه التجربة مأخذ اليقين، ولم يخرج إلى زوجه خروج الواثق بها، المتلهّف على شرفها. بل ارتعدت فرائصه من الروع، وقد ثقلت على وجدانه تلك التجربة الفذّة الخارقة.. ودخل على زوجه، وكأن به رجفة الحمى.." [ 4 ] " إن لُباب المسألة كلّها أنك كنت يا أبا القاسم أكبر من سلطانك الكبير يدهش رجل بين يديك ويرتعش فتقول: هوّن عليك، لست بملك! إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة.. إن مجد هذه الكلمة وحدها يرجح في نظري فتوح الغزاة كافة وأبّهة القياصرة أجمعين. أنت بأجمعك في هذه الكلمة، وما أضخمها أيها الصادق الأمين!" [ 5 ] أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم، الذي حوّل الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان. ولم يفد من جهاده لشخصه شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام". وللحديث بقية إن شاء الله تعالى [email protected]