شكلت العملية النوعية التي نفذتها حركة طالبان الأسبوع الماضي منعطفاً حاداً في خارطة الأحداث الأفغانية والإقليمية. فهي من جهة ضربت مشروع أوباما لتوطين الاحتلال بخطته العسكرية القاضية برفع عدد القوات الأمريكية إلى 30 أالف مقاتل. ومن ناحية أخرى مثلت العملية ضربة لمشروع التحالف الإقليمي التي دخلت فيه إيرانوباكستان والحكومة العميلة بقيادة قرضاي لمواجهة مشروع المقاومة، والتي تقوده طالبان بكفاءة ناجحة ومكلفة للقوات الأمريكيةالمحتلة ولقوات الناتو المساندة. وأثبتت أن الحركة قادرة أن تضرب في العمق متى شاءت وكيف شاءت. العملية أذهلت قوات الاحتلال وشلت تفكير الحكومة العميلة. فقد كان مسرح الضربة فى نقاط محمية أمنياً وفي غاية الأهمية الرمزية للحكومة القائمة. حيث شمل الهجوم المفاجئ القصر الرئاسي ومقار وزارات ومراكز تجارية يقصدها كبار المسؤولين في الحكومة وضباط التحالف المقيمين في كابل. ولم تفلح جهود حكومة قرضاي في إقناع المراقبين بأن الهجوم "قد تمت السيطرة عليه" بتقليل عدد الخسائر الحكومية (خمسة قتلى بينهم طفل كما ادعى رئيس جهاز الاستخبارات الأفغاني أمر الله صالح).. لأن الهجوم استمر لخمس ساعات متواصلة، وظن الناس حدوث انقلاب عسكري لضخامة أصوات الانفجارات واستمرار التراشقات إلى حين انسحاب مقاتلي طالبان من مسرح العملية، بعد استشهاد عنصرين من منفذي الهجوم أحدهما كان يحمل حزاما ناسفا. كما كان توقيت العملية خلال اجتماع الحكومة برئاسة قرضاي نفسه، وهو اختراق أمني ناجح لطالبان وقدرة على الرصد. كما أن القيام بهذه العملية بهذه الضخامة في ذروة فصل الشتاء الأفغاني القارس أيضاً دليل على اعتماد عنصر التوقيت المفاجئ. إذ عادة ما تكون عمليات من هذا النوع في الربيع بعد ذوبان الثلوج وبعد تغير طول النهار. وكل هذه العناصر جعلت من الهجوم عملية ناجحة على أكثر من صعيد، وأهمها الصعيد الأمني. وأضافت إلى مسيرة الصراع مفهوماً جديداً هو توازن رعب حقيقي بين المقاومة الأفغانية بقيادة طالبان وبين قوات الاحتلال الأجنبي. تأتي هذه العملية أيضاً، خلال عشرة أيام من عملية خوست التي نفذها الأردني همام خليل البلوي ضد ضباط مخابرات أمريكية في قاعدة خوست وقتل فيها سبعة منهم. ثمة إشارتان أخريتان تلقي بها هذه العملية على مسار الأحداث. الأولى، أنها تأتي بعد معارك شاملة شنتها قوات الاحتلال الأمريكية بالتعاون مع الجيش الباكستاني ضد معاقل حركة طالبان الباكستانية. حيث أُعطت التغطية الإعلامية الأجنبية انطباعاً بتصفية الحركة وهزيمتها، خصوصا مع استمرار القصف اليومي في الجهة الباكستانية الواقعة فعليا تحت سيطرة طالبان الباكستانية. الإشارة الأخرى التي لا تقل أهمية عن الأولى، هي التعامل السريع مع مستجدات الصراع. حيث أرسلت طالبان إشارة قوية إلى كل من إيرانوباكستان وحكومة قرضاي بأنها ستقف ضد هذا التحالف الثلاثي الذي وُقُّع قبل أسبوع فقط من العملية وبرعاية أمريكية في كابول. التحالف الثلاثي يقضي بضرورة التعاون والتنسيق الأمني والمخابراتي ضد "الارهاب" والمعني فيه هنا طالبان. محللون أشاروا إلى أن هذه العملية ما كان لها أن تتم لولا دخول عنصر جديد ومخيف في نفس الوقت لكل القوى الفاعلة على الساحة الأفغانية. وهو دخول التحالف بين طالبان وبين الحزب الإسلامي بقيادة جلال الدين حقاني المسيطر فعليا على إقليم خوست شرقي أفغانستان حيز التنفيذ. وهذا يعني أن العمليات العسكرية الآن ستأخذ زخماً في الأحداث، لما يمثله جلال الدين حقاني من رمزية تاريخية خصوصاً وأنه من القادة التاريخيين لحركة الجهاد الأفغاني ضد الروس في الثمانينات. وإذا ما صدقت التوقعات بعودة القاعدة إلى ساحة العمليات في أفغانستان بعد التضييق في باكستان، فإن هذا بلاشك سيكون مرحلة شديدة الوعورة لحكومة قرضاي وللإحتلال الأمريكي ولقوات تحالف الناتو. ووأد لأحلام التحالف الإقليمي الذي دخلت فيه إيران تواً. ولو لاحظنا فإن طرفي التحالف الأمريكي والإيراني لديهما من المشاكل الداخلية ما يجعل الوضع بالنسبة لهما بعد العملية الأخيرة أكثر من بائس. * أكاديمي بحريني [email protected]