بَعدَ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 والغزو الأمريكي والعراقُ في حالةٍ من الفوضى والطائفية وعدم استقرار الحكم، ولعل من بين مؤشرات هذه الفوضى تعاقب ثلاث رؤساء للحكومة في العراق في فترة قصيرة، فمن إياد علاوي لإبراهيم الجعفري لنوري المالكي، وقبلهم كان بول بريمر الأمريكي، وكلهم لم يتم لَمّ شمل العراق على يديه أو لنَقُلْ لم تحلّ أزمة في عهدِه، بل زادت الأزمات واتسعت الفجوات بين جميع طوائف المجتمع العراقي، هذا فضلًا عن الانتخابات البرلمانية. فما بين ترقُّبٍ وتخوُّفٍ من الانتخابات البرلمانية العراقية المرتقبة على الشارع والمواطن العراقيَّيْن تأتي هذه الانتخابات لتزيد من متاعب هذا المواطن وذلك الشارع المنهكين سياسيًّا واجتماعيًا بما فيه كفاية، تلك المتاعب التي لا تعدُّ ولا تحصى, وما بين صراعات على السلطة وتجاذبات هنا وهناك بين الكُتل والأحزاب السياسية، إلا أن الكثير من تلك الكتل والأحزاب، وخاصة التي استولتْ على السلطة وصارت مطَّلعةً على واقِع العِراق، لها قوًى وميليشياتٌ مسلحة تستخدمها كيدٍ ضاربةٍ على المرشحين المنافسين بل على المواطنين المعارضين أنفسهم، مستخدمةً سياسة الترهيب للسطو على المقاعد البرلمانية في البرلمان العراقي. وقد برزتْ أشكال هذه التصفية من خلال ما يسمى ب "هيئة النزاهة واجتثاث البعث"، واستبعدت أسماء ما يقارب ألف مرشح من بين ستة آلاف وخمسمائة مرشح؛ بدعوى انتمائهم للنظام السابق –نظام صدام حسن- ولا يغيب على المواطن العراقي وحتى البسيط منهم أن وراء منع الكثير من المرشحين أيدٍ إيرانيةً، هذه الأيدي الإيرانية لا همَّ لها إلا منع مشاركة مَن يمثِّلون خطرًا على المصالح الإيرانية في العراق, وما هي إلا أيام قلائل حتى تدخَّل نائب الرئيس الأمريكي جورج بايدن ليضعَ الخطوطَ الحمراء لهذا الاستبعاد، مما حَدَا بالكثير من مسئولي عراق اليوم باللجوء إلى أمريكا وإيران لتجديد فروض الطاعة والولاء للأسياد, ثم يقال بعد ذلك: انتخابات عراقية!!! إن الواقع يقول أنها مناورات أمريكية–إيرانية في العراق لاقتسام الكعكة العراقية! نأتي الآن لأشكال من التصفية لكنها من نوع آخر؛ فهي تصفية جسدية، وخاصة من قِبل الكتل والأحزاب المرتبطة بإيران؛ فقد قام البرلماني جلال الدين الصغير (ضابط الاطّلاعات الإيرانية) بالاجتماع بتاريخ 28-12-2009 في منطقة أبو دشير بحي الدورة جنوبي بغداد؛ بمجموعات من قائمة شهيد المحراب، ومجموعة من التيار الصدري، ومجموعات من جيش المهدي المنشقّ عن التيار الصدري، والذي تدرَّب في إيران، وأخيرًا مجاميع سلام المالكي، وقام بإعطائهم التوجيهات الإيرانية القاضية بتصفية الكثير من المرشحين والشخصيات العشائرية والتركيز على مرشحي قائمة إياد علَّاوي وصالح المطلك وطارق الهاشمي مع تحديد المكافآت المالية التي ستُدفَع نظير هذه التصفيات على النحو التالي: أولًا: عشرة آلاف دولار لكل منفذ يقوم باغتيال مرشح من القوائم المذكورة أعلاه أو من الشخصيات العشائرية المعادية لإيران وعملائها. ثانيًا: خمسة آلاف دولار لكل منفذ يقوم بتصفية عناصر حزب البعث. ثالثًا: مائة ألف دولار لكل منفذ يقوم بتصفية رئيس كتلة أو قائمة. وقد صدرت التوجيهاتُ الإيرانية بإشراف الاطّلاعات الإيرانية للضباط المسئولين في العراق لمساعدة أولئك في تنفيذ مهامِّهم تلك، وتقديم كل وسائل الدعم المعلوماتي واللوجستي؛ لكي تتمكن إيران من تنفيذ مخططاتها في العراق, من جانبها دفعت إيران بالكثير من مجاميعها وسهَّلَت دخولهم إلى العراق في مناطق الحسينية والشعلة والحرية والكاظمية ومنطقة زيونة والحبيبية للقيام بأعمال الخطف والقتل والسطو المسلَّح. وقد جرى التنسيق بين المخابرات الإيرانية وبين محافظ كربلاء أمال الهرّ بإرسال خمسمائة عنصر من عناصر قوة (سباه) إلى محافظة كربلاء خلال هذه الأيام للتنسيق بخصوص تنفيذ تلك المهام الإيرانية في العراق قبل الانتخابات، وسيكون هذا الأمر بمساعدة قوة (سباه)، هذه القوة هي قوة إيرانية وأعضاؤها من جنسياتٍ مختلفة، حيث يتواجد فيها عراقيون من أصول إيرانية من زمن النظام السابق، ولبنانيون وعرب من خوزستان وبعض الأكراد، بينما القيادات العليا لهذه القوة من الضباط الإيرانيين الذين خدموا في الحرس الثوري الإيراني، هذه القوة مرتبطة بشكلٍ مباشرٍ بمكتب وليّ الفقيه الأعلى خامنئي، وتتسلّم معلوماتها الاستخبارية من وزارة الاطّلاعات، قسم التوجيه الثقافي والديني. إن من مهام قوة (سباه) تصفية القوى المعارضة لإيران في الداخل والخارج، ومن مهامها التي ستقوم بها في العراق اغتيالها للقوى المعارضة للوجود الإيراني، والتي سترشِّح نفسَها في الانتخابات القادمة، إضافةً إلى عمليات خطف وتفجيرات هنا وهناك لزيادة التوتر والتدهور الأمني في العراق. يُذكر أن الكثير من المدن والمناطق في بغداد وبعض المحافظات شهدت إغلاقًا لمنافذها وفتح منفذ واحد يقوم سكان المنطقة بالخروج والدخول من هذا المنفذ؛ تمهيدًا لعمليات التصفية تلك، خاصة في المناطق السُّنِّيَّة من العاصمة بغداد، كحي الجامعة ومنطقة الخضراء والغزالية والسيدية، وقد شَهِدت تلك المناطق اعتقالاتٍ للكثير من رجالها، والحجة أنهم إرهابيون، ويتم الإعداد لاغتيال مائة وخمسين شخصية سُنِّيَّة في منطقة السيدية (وهي من المناطق السنيَّة) بمساعدة المليشيات الشيعية في المناطق المحيطة بهذه المنطقة, أما المناطق المحيطة ببغداد والمحافظات فتجري عملياتٌ واسعة لاعتقال الكثير من رؤساء العشائر العراقية وشيوخها الذين يمثِّلون ثقلًا كبيرًا في تلك العشائر ولهم كلمتهم المسموعة في التأثير على أبناء تلك العشائر في التصويت في الانتخابات القادمة، ولعل الأمر ليس بالغريب أو الجديد؛ فقد انتهجت هذه الأحزاب والمليشيات نفس النهج قُبَيل انتخابات عام 2005، إضافةً إلى عمليات التزوير واستبدال الأوراق الانتخابية بأوراق أخرى كُتب فيها أسماء غير من أرادهم الشعب. وكانت النتيجة بعد ذلك هي وصول حكومة المالكي التي جاءت على العراق والعراقيين لتحمل وبالًا فوق وبال، وشكلت خيبة أمل حقيقية للعراقيين الذين اعتبروا أن هذه الحكومات ومن سيعقبها لن تكون إلا خادمةً للسيد الإيراني والأمريكي, أما الشعب فله الله تعالى وكفى به وكيلًا. المصدر: الإسلام اليوم