"إن الحياة دقائق وثوان فإعمل لذكراك إن الذكرى عمر ثان" بيت رائع من الشعر وحكمة صادقة. فعمر الانسان مهما طال سوف ينتهى ويبقى للعبد عمله الذى يرافقه فى القبر وذكراه التى تبقى فى الدنيا. والانسان الفطن هو الذى يحرص ان يلقى ربه وهو راض عنه, ويترك ذكرى طيبة يتناولها الناس من بعده وتكون موضع فخر وعزة لذريته. والحقيقة أن الأحداث التاريخية والتى تحدث تغيرات جوهرية فى حياة الأمم والشعوب مثل الثورات تكون فرصة لاتتكرر لكثير من الذين يعايشونها لدخول التاريخ من اوسع ابوابه, ولكن على الشخص أن يختار من اى باب يريد ان يدخل التاريخ. إن الثورات تقوم فى حياة الشعوب عندما يصل الفساد والظلم الى درجة لاتستقيم معها الحياة ولذلك فبقيام الثورة انما هى اعلان بهدم ومحو كل ماقبلها وبدء صفحة جديدة فى حياة الأمة لبناء كل شئ على اسس جديدة قوامها العدل والإصلاح والمساواة. وان لم ينتج عن الثورة بدء مرحلة بناء جديدة, واستمر النظام القديم فإنها إما أنها ليست ثورة, أو ثورة فاشلة تموت ويموت معها أصحابها. أما إذا سارت الثورة فى طريقها, فالناس فريقان. فريق يفطن الى الحقيقة السابق ذكرها وانه هناك حقبة جديدة تماما فى حياة الأمة سوف تبدأ. وأن هناك بناء جديد تماما سوف توضع اساساته بعد نسف اساسات المبنى القديم المتهالك. هذا الفريق الفطن يعلم ان هناك فرصة سانحة له ليدخل التاريخ من اوسع ابواب التكريم والذكرى الحسنة والسيرة الخالدة الطيبة عندما ينحاز الى المظلومين لرفع الظلم عنهم وينحاز الى قافلة الإصلاح للقضاء على الفساد والمساعدة فى بناء نظام عادل وصالح جديد. هذا الفريق الفطن حتى ولو شاءت الظروف بأن جعلته فى قلب النظام القديم الفاسد والظالم ومن المستفيدين منه, فإنه بما يملك من سلامة صدر ونقاء سريرة وإخلاص لوطنه وفطنة يستطيع ان يتغلب على أهوائه وماتتنازعه نفسه مما قد يخسره من زوال النظام القديم وبدء نظام جديد نقي, طاهر, وعادل. وينحاز الى الحق والعدل والإصلاح والمساواة. والحقيقة انه بذلك يعيد اكتشاف نفسه الصالحة وجوهره النقى ويتذكره التاريخ بعد سنين عندما تسطر الثورة بكلمات من اجلال واحترام . أما الفريق الذى تغلب اهواؤه عليه ويأبى أن يرى ظلم النظام الذى قامت الثورة لتمحوه, وتسيطر على نفسه الأحقاد والأنانية فلا يشم رائحة الفساد التى ازكمت الأنوف ووجب تطهيرها, وهيمنت عليه مصالحه الخاصة فلا يشعر بمدى انهيار المؤسسات وبشاعة التفرقة واهدار الكرامة مما استدعى القيام بالثورة. ولذلك فينتهى به المطاف عند تمام نجاح الثورة وبعد سنين عندما يسطرها التاريخ إلا أن يذكره التاريخ فى خانة الخونة لشعبهم ووطنهم, وتصبح ذكراهم عار لذرياتهم. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]