بعد أن بينا أن الدول الغربية الآن تكتوي بنيران الفوائد والربا، وما يحدث الآن في قبرص ليس ببعيد منا على الإطلاق، فإن العجب العجاب أن الدول الغربية التي وقعت في وحل هذا النظام، تسعى الآن جاهدة إلى الخلاص منه أو على الأقل تقييده، أو حتى توفير بدائل إسلامية له في بلادها، لكننا هنا في مصر نفتح الأبواب على مصراعيها للبنوك حتى توسع من إقراضها لكافة الفئات وتأكل الربا من العامل والموظف البسيط الذي يحلم ولو مرة أن يمتلك سيارة أو حتى ليكن معه بطاقة ائتمان بدون رقيب أو حسيب، إن السوق في مصر مرتع خصب للبنوك الأجنبية فلا يوجد عليها أي قيود حتى تلزمها.. ناهيك عن أن القانون عندنا في مصر والعالم العربي يقف مع المرابي أو البنك فيمكنه من حبس المدين طالما أنه عجز عن دفع الشيكات المستحقه عليه. إن التاريخ خير شاهد على دور البنوك الأجنبية في وقوع مصر فريسة الدين والاحتلال، ففي عهد الخديوي إسماعيل ضغطت البنوك الأجنبية والمرابين الدوليين على حكوماتهم من أجل الضغط على مصر، فكان أن أرسلت كل من إنجلترا وفرنسا بعثة كييف 1875 م من أجل سداد الديون الربوية التي تراكمت فيما بعد، وجعلت للدائنين سيطرة على وزارة المالية المصرية، وكانت سببًا في ضغط كل من إنجلترا وفرنسا على السلطان العثماني لعزله، وتم عزل الخديوي إسماعيل ووقعت مصر فريسة الاحتلال الإنجليزي، وقامت الحكومة ببيع حصة مصر من أرباح القناة، وقدرها 15% لاتحاد الماليين بباريس وفاءً للديون فأصبحت مصر لا تملك شيئًا من قناة السويس. إن الناس قد عانت البؤس والفقر والشقاء جراء هذا النظام الربوي الكالح، إذا لماذا لا نفكر جيدًا في نظام جديد يعلي من قيم المشاركة في المجتمع بين الأفراد والبنوك والمستثمرين بما يدفع روح وعجلة الإنتاج إلى الإمام، هذا النظام قائم على أن تتمتع البنوك بحرية في المشاركة في المشروعات وفق معايير مدروسة بما تشجع الصناعات الوطنية التي تتكامل مع بعضها البعض بما تقلل من حجم الواردات إلى أدنى حد ممكن، وهذا يتمثل إلى حد كبير في فكرة الصكوك الإسلامية التي يمكنها أن توفر التمويل المناسب لقيام المشروعات الضخمة من أجل توفير فرص عمل مناسبة للطاقات العاطلة في المجتمع، ولست في حاجة إلى التأكيد مرة أخرى أن على الحكومة أن تراقب وبصرامة الأداء الاقتصادي من أجل التمكين لوضع اقتصادي يدفع إلى الازدهار ونمو في المدخرات والاستثمارات. إن تلك النظرة عكس فكرة انتظار البنوك لفوائدها، وهي جالسة تقف موقف المتفرج على المقترضين، إن فكرة الانتظار دعت البنوك إلى أن تلعب لعبة جميلة جدًا هي بالمصري "تلبيس الطواقي" فكل بنك ينقل عبء الدين من على كاهله إلى بنك آخر طالما حظي بالعمولات لموظفيه ومديريه بغض النظر عما يحدث للاقتصاد كله، وكان ذلك من أهم أسباب التراجع والانكماش في الاقتصاد الأوروبي والأمريكي. إن أخوف ما أخاف منه، أن يقع المصريون فريسة للديون نتيجة حالة الشراهة في الكماليات وحب التقليد والحرمان الاستهلاكي والإعلانات، مما يؤدي في النهاية إلى أن تكون مصر مرتعًا للسلع الأجنبية، إننا في حاجة إلى زيادة الإنتاج الوطني، والذي سيدفع إلى مزيد من الدخول ودحر البطالة بدلًا من الوقوع في دائرة الدين.. والدين هم بالليل وذل بالنهار. [email protected]