كان من المفترض أن يلعب الإعلام بأدواته كافة دورًا مصيريًا في تهيئة الوعي المصري وطرح الرؤى الموضوعية بما يسهم في إثراء مرحلة ما بعد الثورة ورسم معالم التحول الديمقراطي أثناء المرحلة الانتقالية إلا أن حملة مشاعل الفكر والتنوير عجزت عن الصمود أمام حالة الانقسام السياسي الحاد التي تشهدها البلاد وسقطت في مستنقع الاستقطاب مثل باقي أفراد المجتمع ومؤسساته فالإعلام بحالته الراهنة قد أصبح بمثابة مرآة تعكس الحالة السياسية التي تشهدها البلاد والتي يسيطر عليها الارتباك وانعدام الثقة وإعلاء المصلحة الخاصة وأصبح لدينا إعلام إسلامي ليبرالي وفلولي واستثماري وآخر حكومي تراجعت شعبيته وفقد مصداقيته متأثرًا بما أصابه من وهن وانعدام ثقة جراء تبعيته للنظام الساقط وتفرغه لتزيين صورته أمام الرأي العام وغسل خطاياه ما أفقده شعبيته وانصرف عنه جمهوره ومنح الفرصة للإعلام الخاص أن يحتكر الساحة الإعلامية يصول ويجول فيها منفردًا يقتات على أشلاء الشائعات ويزيد من حدة الاستقطاب ويتصيد الأخطاء ويسلط عليها الأضواء ويخلط مفاهيم الثائر والبلطجي والتظاهر والتخريب والعدو والصديق حتى ترسخت لدى الكافة عقيدة راسخة بأن الإعلام هو المسئول الحقيقي عن كل أزمات المجتمع وما يعانيه من انقسامات حتى وصل إلى مرحلة جعلت القوى السياسية نفسها تستغل حالة الاستياء الشعبي من ذلك المشهد الإعلامي وألقت على المنظومة الإعلامية بالمسئولية عن الأزمات كافة وجعلت منها سببًا لعدم القدرة على حلها. بيد أن هذا الانعدام ينطوي على مغالطات كبيرة لأنه إذا أردنا علاج تلك الظاهرة فإن الخطوة الأولى هي التشخيص السليم حتى يتم تحديد الآليات المناسبة للقضاء عليها إذ أن اتباعها أساليب خاطئة سيؤدي حتمًا إلى نتائج خاطئة فالإعلام الموجه لا يصنع الحدث منفردًا ولا يعمل لحساب نفسه وإنما هو أداة تحركه قوى بذاتها تتبنى نظريات وأيديولوجيات تسعى نحو نشرها وسياسات وبرامج تعمل على تنفيذها ومن ثم فإن خط الدفاع الأول للتصدي لتلك الظاهرة هو تحقيق حد أدنى من التوافق السياسي لإعلاء المصلحة العامة فوق المصالح الحزبية الضيقة كافة والقضاء على هواجس الإقصاء العاجل والانتقام الآجل. إن طمأنة تلك القوى المتصارعة سوف ينعكس أثره الإيجابي على لغة الخطاب الإعلامي ويحولها من منصات تصوب آليتها صوب العقول تعزز الانقسام إلى أدوات وفاق وإنتاج وعلى الجانب الآخر فقد أصبح ضروريًا أن تتولى أجهزة الإعلام أعمال الرقابة الذاتية وتفعيل الضمير المهني فيما تقدمه من منتج إعلامي بالقدر اللازم لتحقيق التوازن بين حرية الرأي وحق المواطن في المعرفة بما يضمن تحقيق المصلحة العامة بعيدًا عن الشحن السياسي وتصفية الحسابات لأن فشلها في تحقيق تلك المعادلة هو المدخل الشرعي لعرض الرقابة الفوقية والقيود القانونية التي تكبل حرية الإعلام وتحد من نطاقها في وقت أصبحت فيه من أهم مؤسسات الديمقراطية الوسطية وحلقة التواصل بين الشعب والمؤسسات الرسمية وجميع القوى الفاعلة على مسرح الأحداث. المستشار أحمد الخطيب رئيس بمحكمة الاستئناف