في مقال سابق بعنوان "الأقباط وحافة الهاوية" نشر في جريدتي "المصريون" و"الحرية والعدالة" عرضت لإشكالية دفع البعض بالملف القبطي إلى نقطة الكتلة الحرجة التي يصبح لا مفر معها من المواجهة العرقية بين الأقباط ككتلة اجتماعية برزت بفعل توجيه رجال الدين ورجال الأعمال كواحدة من أكبر القوى المضادة لثورة 25 يناير وبين القوى الثورية التي تسعى إلى ترسيخ مبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية وتداول السلطة، وقلت إن ما بناه البابا السابق كان على شفا جرف هار لا يصلح للتعلية بحال، وكما هو معلوم فإن القوى التي حاولت الدفع بالملف القبطي إلى حافة الهاوية ولم تزل قائمة على المحاولة تلو المحاولة هي قوى أبعد ما تكون عن الشعور بآلام واحتياجات الأقباط الحقيقية، والتي تتمثل بكل تأكيد في المساواة أمام القانون بغيرهم سواء في إتاحة الفرص أو حرية العقيدة أو مكافحة الفقر والفاقة خاصة في الصعيد، وإنما هي في الغالب قوى لها مصالح وأعمال مهددة "ضريبيًا مثلًا" أو تخشى من المنافسة الحرة بين مفردات الشعب دون ضغط من السلطة لوضعها في صدارة الغانمين للفرص التجارية والسياسية، ورغم الرد غير المهذب على ذلك المقال من "نجيب جبرائيل" في عدة نقاط حاول فيها التعرض لنقاط المقال بالتفنيد إلا أنه لم يتعرض – ربما لقلة قراءاته في الموضوع – لمسألة الخلاف في الهوية التي يمكن أن تنشب بين المسلمين والأقباط وتكون مدعاة –لاسمح الله – لثمة احتراب أهلي بين عنصري الأمة. والحقيقة أن ما حدث في "الخصوص" على سبيل المثال يكشف عن ضحالة لإشكالية الهوية في مصر، وإن بدت عميقة في منطقة ما فالواضح أنها اكتسبت ذلك العمق بأيد مخصوصة جعلت من تأجيج الفتنة وإزكائها "سبوبة"، وأوهمت نفسها سواء في الجانب الإسلامي أو القبطي أنها تدافع عن قضية هوية، وهي ليست كذلك بكل تأكيد. نساء الأقباط لا ينازعن في الاحتشام في أزيائهن ولا ينكر عليهن ذلك أزواجهن ولا أبناؤهن في الريف والصعيد فيما يبدو أن الاحتشام هناك جزء من الهوية، كما أن كثيرًا من نساء المسلمين يظهرن متبرجات في إحياء الإسكندرية دون أن ينكر أحد عليهن ذلك في اعتراف واضح بضعف الهوية، ومثقفو الأقباط أكثر من المسلمين استعمالًا لألفاظ القرآن الكريم وتعبيراته حرصًا منهم على حسن تعاطيهم مع اللغة العربية، ويحرم الدين عند كليهما الزنا والخمر والربا والغش والكذب، ويحض على الرحمة والمغفرة والصفح وبر الوالدين والصدق، وأغلب العقوبات الجنائية في الإسلام تجد مثيلًا لها في العهد القديم، ولا يكاد ينازع في مسائل المواريث قبطي، وتبقى مسائل العقيدة يقر كل طرف للآخر بحريته فيها دون ضغط ولا إكراه ...... فما هو يا سيد جبرائيل الخلاف في الهوية الذي تدعيه اللهم إلا الكراهية والأزمة النفسية التي تعتور البعض في الطرفين . يا أقباط مصر في الأرياف وفي طول مصر وعرضها إن الأكابر الذين تعلمونهم لم يؤتوكم من أموالهم التي اغتنموها في غمرة الفساد والتمييز ولا تزال تعيش أغلبيتكم في فقر مدقع مثلكم مثل باقي إخوانكم المسلمين، فلا تنزلقوا خلفهم فقضيتهم ليست قضيتكم وفرصهم ليست بالضرورة مصلحتكم... ولرب جار مسلم يعرف حق الجوار في الإسلام أنفع من غيره.. فلا تميلوا كل الميل مع كل نائحة وكل منادٍ للفتنة واعلموا أن نارها ستطال الجميع دون تمييز وأن المنادين بها هم أول من يغادرون مصر ليقذفوا بالغيب من مكان بعيد، ولم يزل يراودني أمل كبير في أن يخرج البابا تواضروس بفلسفة جديدة تناسب الروح الجديدة في مصر يظهر بها كزعيم مصري وفارس نبيل يقهر الظلم بالقسط في القول ويقمع السفه في الجانبين بالحكمة، فإن لم تكن الحكمة من البابا فممن تكون إذن؟. [email protected]