في الوقت الذي تعم فيه أجواء التوتر والاضطراب وانعدام الاستقرار في مجمل أنحاء أفغانستان لاسيما المناطق الجنوبية والغربية بسبب تصاعد عمليات المقاومة التي تقاتل قوات الاحتلال الأجنبية والقوات الأفغانية الحكومية الموالية لها، تظهر بعض الجهود التي ترمي إلى خلق حالة من التحسن في الأوضاع ببعض المدن الأفغانية مثل محافظة هيرات التي بدأت تنمو كعاصمة تجارية للبلاد، وتقف إيران وراء العديد من هذه الجهود لأهداف خاصة بها. ويشير دافيد مونتيرو كاتب صحيفة كريستيان ساينس مونيتور إلى أن إيران الجمهورية الشيعية تحرص على البقاء كواحدة من أكبر وأهم شركاء حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الموالية للاحتلال على الصعيد التجاري والدبلوماسي. وقبل أن يخوض في الأجندة الحقيقية التي تقف وراء هذه التوجهات لدى إيران في أفغانستان يستعرض مونتيرو العديد من النشاطات التي تساهم من خلالها طهران في ترقية الأوضاع الاقتصادية والتجارية سواء من خلال بناء الطرق أو تشييد المدارس أو التسويق لتقديم خدمات الطاقة الكهربائية والسلع، لكن هذه الترقية والتطوير يكونان مقرونين دائمًا بالرغبة السياسية الإيرانية وفقًا للمتغيرات. ويلفت مونتيرو إلى أن المساهمة الأكثر أهمية لإيران في أفغانستان من مجرد المشروعات والخدمات هو مبلغ ال204 مليون دولار الذي تقدمه طهران كتبرعات داعمة لحكومة أفغانستان المساندة لقوات الاحتلال الأجنبية في مرحلة ما بعد الغزو أواخر عام 2001. ويبدأ كاتب صحيفة كريستيان ساينس مونيتر في استكشاف آفاق الدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذا الدور الإيراني للتأثير على الساحة الداخلية الأفغانية لاسيما وأن طهران ظلت طوال سنوات عديدة لا تعتبر أفغانستان سوى مسرح لإعداد المؤامرات والدسائس بغض النظر عن صالح المواطن الأفغاني العادي، خاصة إبان حكم حركة طالبان لأفغانستان. ويقول ديفيد مونتيرو: إن الولاياتالمتحدةوإيران ووفقًا للمعطيات الظاهرية على ساحة الأحداث الدولية تبدوان في حالة نزاع وصدام خاصة ما يتعلق بالأزمة المترتبة على البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل الذي تؤكد الولاياتالمتحدة وحلفاؤها من الدول الأوروبية أنه محاولة من جانب طهران لامتلاك القنبلة النووية، فيما إيران على أنه لا يهدف سوى لامتلاك الطاقة لخدمة الأغراض السلمية. لكن مونتير يضيف أن النزاعات والصدامات المعلنة بين إيرانوالولاياتالمتحدة لم تؤثر من بعيد أو قريب على حقيقة التعاون الكامل والتوافق في الرؤى ووجهات النظر على مدار سنوات عديدة في أفغانستان بين أمريكا وإيران، ذلك التعاون الذي اتضح بشكل ملحوظ لاسيما في السنوات القليلة الماضية وأكد أن أفغانستان باتت مسرحًا حقيقيًا لتلاقي المصالح الأمريكيةالإيرانية المشتركة. ويحذر المراقبون من أن احتمالات انفلات النزاع الدبلوماسي الدائر حاليًا بسبب البرنامج النووي الإيراني والذي وصل بالفعل إلى أروقة مجلس الأمن وتزايد الحديث عن إمكانية توقيع عقوبات على طهران بل وانتشار تقارير إعلامية عن تفكير الإدارة الأمريكية في توجيه ضربة نووية لإيران يمكن أن يسبب انتكاسة لجهود إيران التي تتم من وراء الستار والهادفة لمحاصرة العدو الأخطر للولايات المتحدة والمتمثل في الأطراف التي تسمها واشنطن ب"الإرهاب". ويقول محمد رضا إبراهيمي السفير الإيراني في أفغانستان: "الخلافات التي تظهر على السطح بيننا وبين المجتمع الدولي لم يظهر لها أي أثر على الساحة الأفغانية حتى الآن، ونحن نعتقد أن أفغانستان يمكن بالفعل أن تكون النموذج المأمول للتعاون الحقيقي والمثمر بين طهران والمجتمع الدولي"، في إشارة ضمنية للولايات المتحدةالأمريكية. ويعتبر مونتيرو أن التأثير الإيراني في أفغانستان يتم وفقًا لأجندة خاصة بطهران تغيرت بطبيعة الحال بطبيعة الأحداث والحروب والمتغيرات التي شهدتها الساحة الأفغانية وهو تأثير مستمر منذ قرون وضارب بجذوره في عمق التاريخ بسبب الحدود المشتركة بين البلدين والمليئة بالثغور والتي تصل لآلاف الأميال والتي يعبرها يوميًا ما لا يقل عن ألفي شخص، وكذا بسبب وجود العديد من الطوائف الشيعية داخل أفغانستان قرب الحدود مع إيران تتشارك في اللغة والثقافة والميول والأهداف، وهو ما تجلى بشكل واضح في الدعم المتكامل الذي قدمته طهران لما يسمى ب"قوات تحالف الشمال" التي ظلت تناهض حكم طالبان [الإسلامي السني] في الفترة ما بين عامي 1996 و2001. ويقول مونتيرو: إن تحالف الشمال الذي كان يحصل على المساندة التامة من جانب إيران كان هو أحد أهم الأسباب التي ساعدت الولاياتالمتحدة في حملتها الرامية لغزو أفغانستان وإبعاد حركة طالبان عن الحكم في كابول. ويتوقع المراقبون أن إيران وبسبب رغبتها الأكيدة في الحفاظ على تقدمها الكبير في المجال النووي والذي يقابل بتشكك ورفض كاملين من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها، يمكن أن تسعى لتذكير الأمريكيين بمدى أهمية الدور الذي تلعبه في أفغانستان ويصب في نهاية المطاف في صالح خدمة الأهداف الأمريكية سواء على المدى القصير أو البعيد. ويرى المراقبون أنه وبينما ترتفع التوترات بين طهرانوواشنطن بسبب الأزمة النووية فإن إيران ستعمد إلى استغلال بعض من نفوذها المتزايد في أفغانستان لإحداث بعض المشكلات للولايات المتحدة على أمل أن تعيد واشنطن دراسة الأمر ومراجعة حساباتها، مثلما حدث مؤخرًا داخل الساحة العراقية حيث عمدت طهران إلى اللعب بمجموعة من الأوراق التي أظهرت حقيقة نفوذها الشيعي في العراق وتأثيرها على مجمل الأحداث الداخلية، فسارعت الولاياتالمتحدة بالدعوة إلى إجراء محادثات فورية مع الإيرانيين من خلال سفيرها في بغداد زلماي خليل زاد. وحذر دبلوماسي غربي رفض الإفصاح عن اسمه بسبب حساسية المسألة: "الإيرانيون قادرون بالفعل على إحداث العديد من المشكلات والأزمات في أفغانستان، لو ركزوا على إدراك حقيقة أن الحكومة الأفغانية تؤيد الغرب وتصوروا أن الجيش الأمريكي المتمركز في أفغانستان يمكن أن يسبب قلقًا للأوضاع الداخلية في إيران فالمؤكد أننا سنرى منهم العديد من المحالاوت لزعزعة الأوضاع وإحداث المشكلات". ويلمح مونتيرو إلى أن الأسمنت يعتبر أحد الأمثلة على حجم النفوذ الإيراني في أفغانستان، حيث تمتعت إيران باحتكار للأسمنت وتوريداته في أفغانستان، وعندما فضلت في الفترة الأخيرة تقليل حجم إمدادها من الأسمنت لأفغانستان لصالح العراق تضاعفت أسعار الأسمنت، وأصبحت العديد من الشركات العاملة في مجال المقاولات والبناء في أفغانستان معرضة لوقف نشاطاتها بالكامل بسبب الإرادة الإيرانية. وفي هذا السياق يقول الحاج كولام قادر أكبر رئيس الغرفة التجارية في محافظة هيرات: "إذا قررت إيران أن تتوقف عن تصدير السلع، فهذا سيكون كارثة كبيرة لنا هنا، لأن الكثير من المشروعات والمصالح التجارية سيتم تعليق نشاطها بسبب ارتفاع الأسعار". ويلفت محرر الصحيفة إلى أمر غاية في الخطورة وهو أن النفوذ الإيراني في الشأن الأفغاني لا يقتصر فقط على الجانبين التجاري والاقتصادي وإنما يمتد إلى الجانب الأمني حيث تؤكد العديد من المصادر الصحفية والإخبارية أن إيران تمارس تدخلاً لا محدود في تنفيذ عمليات مسلحة وأخرى تفجيرية لخدمة مصالح خاصة في أفغانستان، بل ويتحدث العديدون عن نفوذ كبير لقوات الحرس الثوري الإيراني بصورة سرية في محافظة هيرات على وجه الخصوص. وأخبر سيد أحمد أنصاري، رئيس شرطة بلدة شينداد في محافظة هيرات وكالة أسوشيتيد برس في فبراير الماضي: "المواد المتفجرة يتم جلبها من إيران إلى أفغانستان، لأن الإيرانيين يريدون أن يحتفظوا بالأوضاع تحت سيطرتهم في أفغانستان لموازنة القوى مع الولاياتالمتحدةالأمريكية". ويقول الجنرال أيوب سالانجي مدير شرطة هيرات: "حتى الآن لا يوجد دليل مباشر على ارتباط إيران بالأوضاع المتوترة على الصعيد الأمني في أفغانستان، ومن الأفضل أن ننأى بأنفسنا عن التعليق على مسألة حساسة مثل هذه إلا بالدليل القاطع". ومن ناحيته يصر السفير الإيراني في أفغانستان على أن دور بلاده في إيران كان دائمًا إيجابيًا، لكنه ينذر في الوقت نفسه من احتمالات أن يتغير هذا التوجه لطهران لو تعرضت لضغوط دولية تهدد استقرارها، في إشارة إلى المواجهة التي تخوضها بلاده مع المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي. وقال السفير الإيراني إبراهيمي: "إذا وجدنا أن هناك ظروفًا جديدة مفروضة علينا، فنحن سنتخذ قرارًا مختلفًا بشأن سياستنا حيال أفغانستان والأوضاع فيها، لكن لو ضبط الأمريكيون سلوكياتهم سواء فيما يتعلق بالوضع الأفغاني أو غيره فليس ثمة ما يدعو للقلق بشأن الدور الإيراني في أفغانستان". ويسوق مونتيرو أكبر الأدلة على توافق الإرادة الأمريكية والإرادة الإيرانية فيما يتعلق بأفغانستان وتلاقي العديد من المصالح المشتركة للبلدين من خلال الإشارة إلى أنه حتى في الولاياتالمتحدة، فإن العديدين وجدوا أنفسهم مضطرين للاعتراف بأن النشاطات والممارسات الإيرانية في أفغانستان تثبت أن طهران جار جيد جدًا ومفيد كذلك لأمريكا. وأقرت لجنة من الخبراء الأمريكيين أمام جلسة للكونجرس الأمريكي في مارس الماضي بشأن الأوضاع في أفغانستان بأن إيران تسهم بقوة في استقرار الأوضاع هناك، من المنظور الأمريكي بكل تأكيد. وأخبر سيث جونز أحد أعضاء اللجنة الكونجرس: "أنا لا أعتقد أن إيران لاعب سلبي في أفغانستان، بل إن دور الحكومة الإيرانية هام جدًا في تعزيز سلطة الحكومة الأفغانية والعلاقة بين الجانبين محترمة جدًا في الحقيقة." أما بارنيت روبن، الأستاذ في جامعة نيويورك فقد قال: "أية تقارير مخابراتية تتحدث عن أن إيران تسعى لزعزعة الأوضاع في أفغانستان على غير مراد الولاياتالمتحدة هي تقارير خاطئة ولا أساس لها". ويقول نافيد أحمد معز الناطق باسم وزارة الخارجية: "التوترات الحالية بين إيران والمجتمع الدولي أمر يسبب قلقًا عميقًا لدينا، لأنه لو تم توقيع عقوبات على إيران أو مورس ضدها أي لون من ألوان الضغط بسبب برنامجها النووي فستكون العواقب وخيمة بالنسبة لأفغانستان، وهذا أقصى ما نخشاه". المصدر : مفكرة الاسلام