كم حاولت أن أكتب شيئًا طوال هذه الأيام فكلما شرعت في كتابة كلمة واحدة، حتى أغلق الحاسوب، وأصرف النظر عن الكتابة، وأدخل في نوبة من التفكير، لم أعرفها قط في حياتي!. عندما يثور شعب ضد حاكم ظالم بحكومته ثم يطيح به ويدخله في غيابات السجون ثم تجد هؤلاء جميعًا يخرجون مرة أخرى ويقولون لأمهات الشهداء الثكالى (اذهبوا بثورتكم!) فهذا يشعرك بحسرة تجول في عقلك ليلًا ونهارًا ويدور في ذهنك سؤال لطالما تملك منك فلن تنام لحظة واحدة وهو.. هل نحن بالفعل أصبحنا كمصريين خطرًا على مصر في وقت لم يُعرف فيه أين الحق من الباطل أين المخطئ من المصيب؟!. وكأننا أول شعب يقوم بثورة, وكأننا أول شعب يكتب دستورًا, وكأننا أول شعب يدخل انتخابات برلمانية, وكأننا أول شعب يختار رئيسًا. فالتسول السياسي الذي تشهده مصر حاليًا رغم غناها البشري بمن هم علموا العالم بأسره معنى الحضارة والعلم في شتى المجالات ليس فقط السياسة يجعلني أسرد بعض الأمراض التي ظهرت جليًا في فترة ما بعد الثورة على سبيل المثال لم يعد لدينا فقط ذلك الشكل التقليدي للبلطجي الذي يقف عاري الصدر والظهر ويمسك بيده اليمنى سيفًا أو سنجة وباليد اليسرى مولوتوف، بل زاد عليه في البلطجة والإجرام أناس آخرون يلبسون أفخر الثياب ويظهرون في أبهى حالة ويقفون خلف الميكرفونات وأمام الكاميرات وممسكين بالأقلام يستخدمونها كالمولوتوف يحرق بها الأرض حتى لا يهنأ ذلك الحاكم لحظة واحدة، وميكرفونه يخيل إليك أنه سنجة أو سيف يلوح به لذلك الحاكم ومن حوله فيظل الحاكم ومؤيدوه دومًا في حالة دفاع عن النفس، لا يفعلون شيئًا سوى نفي الإشاعات ونفض الأكاذيب عنهم وعمن حولهم. تذكر معي أيها القارئ مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني عندما اعترف بهزيمته في خطاب مقتضب ألقاه أمام حشد كبير من أنصاره في بوستن، وشكر فيه جموع جماهير أمريكا التي صوتت لصالحه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقال بأنه سعى لأن يكون رئيس أمريكا الجديد لكن الشعب الأمريكي اختار شخصًا آخر، وتمنى له النجاح في عمله وطلب الدعاء لأمريكا بالتوفيق ثم قام بتهنئة منافسه أوباما بعد إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية 2012. هذه أمريكا التي تتشدق بها المعارضة في مصر ليلًا ونهارًا ما يحدث في مصر مع رئيس منتخب ( نعترف كلنا بأخطائه هو وحزبه) شيء تقشعر منه الأبدان عندما ترتسم صورة مصر عند البعض بأنها أصبحت ما هي إلا حظيرة يصدق فيها الخائن ويكذب فيها الصادق إذن فأنت خارج سيطرة الأخلاقيات التي تربى عليها هذا الشعب العظيم والتي لم نرها حتى أثناء الاحتلال الإنجليزي الدخيل!. مصر لم تشهد منذ ولادتها في العصر الحديث أي نهضة تذكر فقد صدعوا آذاننا من هم يدعون لكل الأنظمة الفاشلة سواء الاشتراكية أو الناصرية أو الملكية....إلخ لم أجد سوى النهضة التي أقامها محمد علي الوافد من تركيا وما غير ذلك فكله حبر علي ورق كنا نتسلى به في الصغر وأصبح سرابًا في الكبر.. وما يشفع لنا أمام الدول الأخرى هو معدن حضارتنا وقوة عزيمتنا كمصريين لكننا نبتلى دائمًا بمن لا يعرفون قيمتنا من حكام أوصلونا إلي أسفل سافلين!. فصائل التيار الإسلامي السياسي هي جزء من شعب مصر وحقيقة معبرة عن مزاجه السياسي بقدر ما.. هو تيار شعبي يعبر عن قناعات راسخة، وهو أكبر من أن يهمش أو يستبعد أو تنتزع منه "شرعية انتخابية" عنوة. وتبقى حقيقة حياتية – لا مراء فيها - أن مناصريه جزء من نسيج أهل مصر، فلابد أن يتقبلهم الجميع سياسيًا ومعيشيًا، فلا إقصاء بعد الثورة، وإلا فلا خير فيها. لقد أصبحنا خارج التاريخ أو كدنا أن نغدو هكذا في الوقت الذي يبحث فيه آخرون عن الماء في القمر أو ارتياد المريخ أو كيفية تطوير المخ البشري لتحسين مستقبل البشرية.. إلخ، مازلنا نحن نبحث عن آلية تنهي حالات التحرش وزحام المواصلات في وسط البلد!. هناك الكثير أمام مصر حتى تسترد عافيتها وسنواجه المزيد من الكبوات والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قبل أن يصلح الحال ولن نجد طريقنا إلا إذا احترمنا بعضنا البعض وأيقنا أن الحكم مسئولية والشعب هو صاحب الوطن وقوامه, وأن علينا محاورته ومجادلته ومصارحته بالمواقف والمعلومات والمبررات فهو صاحب الحق الأصيل في توجهات هذا البلد وقراراته، خاصة في هذه المرحلة التاريخية الحساسة والمعقدة. هذه بعض الحقائق التي يتعين على الجميع استيعابها توطئة لإنجاح أي حوار مجتمعي مقبل، والذي بات ضرورة آنية لإنقاذ مصر من المصريين من خلال تحقيق مصالحة وطنية شاملة، يكون قوامها الاحتضان وليس الاستئثار، ولنتذكر أن الشرعية الانتخابية لا تعني تفويضًا أو شيكًا على بياض لتغيير ما لا يجب تغييره أو بما ينتقص من حق الأجيال الحالية أو القادمة، ولنتيقن – في ذات الوقت – أن دفع الأمور إلى الفوضى عبر التغيير بالعنف قد يفتح باب الجحيم.. فسهل جدًا أن تبدأ العنف ومستحيل أن تتحكم في مساره فيما بعد. بتنظيم الصفوف وتحديد الأهداف التي تمس المواطنين، فلنخلق البديل السياسي المقنع والقادر على إدارة الملفات الحرجة للدولة والمجتمع، فلنعمل بشكل مباشر مع المواطن والقطاعات المتضررة والتخفيف من معاناتهم، لا تتركوا المواطن يئن بآلامه في صمت، وسط الهتافات الاحتجاجية؛ لجوئه إلى أطراف من خارج دائرة الكتلة الحرجة المؤمنة بالتغيير الحقيقي سوف يعيدنا إلى مربع ما قبل الصفر حتى لا نكون أعداء الوطن والمواطن الذي بات هو الضحية بين تلك الصراعات التي تشهدها مصر حاليًا. [email protected]