تميز الاقتصاد الأمريكي في التسعة عقود الأولى من القرن العشرين باعتماده على الصناعة، ورأس المال، وخفض التكلفة في حين شهد العقدان الماضيان تحوله نحو الاعتماد على المعرفة، ويعني هذا التحول اعتمادًا متزايدًا على رأس المال البشري، وعلى تحسين جودة المعارف والمهارات البشرية، وعلى زيادة عدد سنوات الدراسة التي يكتسبها الفرد، وتتضمن المهارات اللازمة لاقتصاد القرن الحادي والعشرين: التفكير الاستثماري، وتنمية القدرات القيادية، والقدرة على العمل مع أفراد ينتمون لخلفيات متنوعة، والقدرة على التكيف مع بيئة سريعة التغير. وقد اهتمت استراتيجيات التنمية الاقتصادية بمراعاة التحولات الاقتصادية في المجتمع الأمريكي، ويمكن تصنيف التنمية الاقتصادية الأمريكية إلى 4 مراحل. وقد حدثت المرحلة الأولى في الثلاثينيات من القرن العشرين وتميزت بالزيادة الهائلة في عدد المصانع المتخصصة، وبالسعي إلى خفض تكلفة الإنتاج، وقد حدثت المرحلة الثانية في الثمانينيات من القرن العشرين وتميزت بالتركيز على تيسير إجراءات ممارسة النشاط التجاري من خلال تقديم الدعم الحكومي للبرامج التدريبية، وقد حدثت المرحلة الثالثة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين وتميزت بالتركيز على زيادة تنافسية الشركات من خلال توجيه الاستثمارات المالية إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة، وقد حدثت المرحلة الرابعة في التسعينيات من القرن العشرين ومازالت مستمرة حتى الآن، وتعتمد المرحلة الرابعة من مراحل التنمية الاقتصادية على التجارة والاستثمار، وتشجع إنشاء الشركات الحديثة وتجديد الشركات القائمة بالفعل، ويتميز الاقتصاد الاستثماري بالتركيز الشديد على تنمية رأس المال البشري، فلم يعد الاقتصاد يعتمد فقط على تقليل تكلفة الإنتاج بل على المنافسة القائمة على تعظيم القيمة المضافة. ويعتمد الاقتصاد القائم على المعرفة على الاستثمار والابتكار والذكاء بدلًا من الاعتماد على المواد الخام، ويتطلب ذلك زيادة الاستثمارات في تنمية معارف وقدرات الأفراد. وتشير الدراسات الاقتصادية إلى وجود ارتباط قوي بين التعليم الابتدائي والثانوي وبين النمو والتنمية الاقتصادية، وفي اقتصاد متزايد العولمة، يتوجب على النظم التعليمية الأمريكية أن تواكب بقية العالم الصناعي المتقدم، وتضع الدراسات التربوية المقارنة الولاياتالمتحدةالأمريكية في المرتبة ال 16 من بين 20 دولة من حيث مستوى التلاميذ الدراسي، وهكذا تأخرت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعليميًا عن بقية الدول المتقدمة، وتؤكد الشواهد أن تحديد المهارات المطلوبة لعمال القرن الحادي والعشرين هي الخطوة الأولى لتحديد نوعية التعليم والتدريب اللذين يجب تقديمهما للقوى العاملة في العقود القادمة، ولكن تقديم التعليم والتدريب ليس هو العامل الحاسم الوحيد في بناء الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث يجب أن تتسم القوى العاملة أيضًا بالمرونة والقدرة على التكيف مع التطورات في المجال المهني، والقدرة على أداء المهام غير الروتينية، ومن ثم، فإن كيفية تعليم أبنائنا تعد عاملًا آخر في غاية الأهمية، وعلى الرغم من أهمية التوسع الكمي في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي والتعليم فوق المتوسط، إلا أن جودة المعارف والمهارات التي يتعلمها الأفراد تعد عاملًا في غاية الأهمية أيضًا. ذلك أن اقتصاد القرن الحادي والعشرين لا يعتمد فقط على المعارف والمعلومات بل يعتمد بدرجة أكبر على الإبداع الإنساني والقدرة على التفوق على المنافسين. ويجب على طلاب التعليم العالي مثلًا أن يكونوا قادرين على توظيف المعارف التي تعلموها في حل المشكلات، كما يجب أيضًا أن يكونوا قادرين على دمج المعارف القديمة مع المعارف الجديدة المستحدثة بسرعة، وعلى تحليل المشكلات من مناظير مختلفة وغير مألوفة، وعلى تطويع المعارف بسبل غير تقليدية لإيجاد حلول إبداعية وفريدة للمشكلات، ومن ثم، يجب أن تركز النظم التعليمية في القرن الحادي والعشرين على استراتيجيات التعلم الحقيقي مثل: حل المشكلات، والتعلم القائم على المشروعات، وتطبيق المعلومات في مواقف حياتية حقيقية، ويحتاج الطلاب أن يصبحوا قادرين على تحليل ودمج وتفسير المعلومات لاتخاذ قرارات عقلانية مستنيرة. وتتنوع المهارات والمعارف المطلوب اكتسابها في القرن الحادي والعشرين وإن كانت تتمحور حول 4 مجالات رئيسة هي: التكنولوجيا، و التفكير الناقد، والتواصل الفعال، والإنتاجية المرتفعة. و على الرغم من الجهد الهائل المبذول لتحسين جودة النظام التعليمي على المستوى الدولي، نجد أن العديد من الباحثين ينتقدون النظام التعليمي الأمريكي. ويرى " كنت فرانزورث" أستاذ الإدارة والسياسات التعليمية بجامعة ميسوري أن التلاميذ في الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يدركون حجم الخسارة التي لحقت بالولاياتالمتحدةالأمريكية عندما فقد النظام التعليمي صدارته على المستوى العالمي؛ الأمر الذي يهدد عرش الاقتصاد الأمريكي، ويبدو أن تناسى هؤلاء التلاميذ للسبب الرئيس لتدهور جودة القاعدة الصناعية الأمريكية وجودة برامج التدريب الوظيفي والتنمية المهنية مقابل تحسنها السريع والمطرد في دول أخرى نجحت في تقديم تعليم أفضل لقواها العاملة الأرخص أجورًا هو السبب وراء تدهور القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي، وتشير الأرقام إلى الانخفاض النسبي - مقارنة بعدد السكان- لأولئك الذين يحصلون شهادة إتمام المرحلة الثانوية مسلحين بالمهارات اللازمة للمنافسة والتفوق في الاقتصاد العالمي. وفي حين يتم إجراء الدراسات التشخيصية لنظام التعليم الأمريكي، وتتعالى الصيحات لإصلاحه وتطويره، تتغافل كثير من الدول النامية عن تشخيص أوجه القصور الهائلة في نظمها التعليمية، فالواقع يشير إلى أن النظم التعليمية في مصر لا تدرس هذه المهارات الجديدة، حيث تفتقر مدارسنا المصرية إلى تدريب طلابها على مهارات حل المشكلات، والقيادة، والإبداع، وإدارة الاستثمارات، ومازال هناك تعليم حكومي ضعيف الجودة للفقراء، وتعليم عالي الجودة للأغنياء. وفي حين يقضي التلاميذ في الدول النامية ساعات طويلة لاستذكار وإتقان المهارات الأساسية في القراءة والرياضيات، يمضي أقرانهم في فنلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة أوقاتهم في قراءة الشعر وتذوق الروايات والمسرحيات الأدبية وإجراء التجارب العلمية في تخصصي الكيمياء والفيزياء وتحليل القضايا التاريخية الكبرى. وما تزال البيانات التعليمية في العديد من الدول الإفريقية تعاني من ضحالة التحليل، وترسم صورية وردية غير حقيقية عن الواقع، وتقدم نظرة مفرطة في التبسيط دون أن تراعي السياق الاجتماعي والاقتصادي المؤثر على النظام التعليمي، وتتجاهل رصد وتوثيق الجوانب الإدارية والتنظيمية والمالية لعمليات ومخرجات النظام التعليمي. إن على نظامنا التعليمي أن يتخذ مسارًا مغايرًا تمامًا يحقق تكافؤ الفرص التعليمية، ويتسم بالشجاعة الأخلاقية، ويعد أبناءنا للقرن الحادي والعشرين.