المسيحيون ليسوا شعبًا مختلفًا في مصر لهم حقوق وامتيازات خاصة. كذلك الأمر نفسه بالنسبة للمسلمين. إنهما تركيبة شعب واحد يعاني من التدهور الأمني والانفلات السياسي والإعلامي والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولا ينبغي النظر إلى أحدهما فقط بأنه مجني عليه أو مستهدف. ما حدث في الخصوص عقب كتابة عبارات نازية على معهد أزهري كان سيثير غضبًا وردة فعل مماثلة لو كتب على كنيسة أو دير أو جمعية للشبان المسيحيين. لقد قُتل شاب مسلم في البداية فتم الثأر له من خلال معركة أودت بحياة 4 مسيحيين، وهذه عادة معروفة ومتعمقة في التاريخ عند الصعايدة الذين يسكن كثيرون منهم في الخصوص، وهم يمارسونها في محافظاتهم الأصلية بغض النظر عن الديانة، وكثيرًا ما وقعت مجازر بسببها لأن الطرف الذي يريد الأخذ بثأره سيقابل بهجوم مضاد. في أثناء الأحداث ضبطت الكمائن الأمنية عددًا من المسيحيين الصعايدة قادمين من أسيوط ومعهم أسلحة آلية للانضمام إلى أقاربهم في الخصوص للأخذ بثأر القتلى، وبالطبع لم يأتوا للنزهة في القاهرة. حوادث الثأر لا يجري تشييع ضحاياها بوصفهم شهداء ولا بهتافات طائفية من نوعية "انس القبطي بتاع زمان إحنا حنضرب في الميدان" أو هتاف "بالطول بالعرض إحنا أصحاب الأرض" و"بالروح بالدم نفديك يا صليب". الضحايا لم يكونوا يدافعون عن دينهم وعقيدتهم في مواجهة عدو، لكن خطبة القسيس بالكاتدرائية منحتهم الشهادة فاستثارت آلاف المشيعين وأطلقت العنان لحماستهم الدينية. لا يعقل أن تقتصر الشهادة على القتلى المسيحيين في الخصوص دون الشاب المسلم الذي قتل في البداية ولا يعرف أحد اسمه ولا أين تم تشييع جثمانه! إذا كان الأخوة المسيحيون يتحدثون عن تفرقة في المعاملة ويطالبون مرسي بإثبات أنه رئيس لكل المصريين، فأهل ذلك الشاب المسلم يشعرون بأنهم ضحية تمييز وخصوصية انتزعها الطرف الآخر اعتمادًا على الضجيج الإعلامي المنحاز وردة فعل البابا الذي اعتكف دليلًا على الغضب من الدولة ثم وصف رئيس الجمهورية بالإهمال، علمًا أن الرئيس نفسه لم يستطع حماية بعض مساجد المقطم من اقتحام البلطجية وتدنيس المصاحف، ولم يملك منع حرق مقرات حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، ولا الحيلولة دون حصار بعض المتظاهرين لمسجد القائد إبراهيم في محاولتهم الوصول إلى الداعية الكبير الشيخ أحمد المحلاوي للاعتداء عليه، وأخيرًا لم يستطع أن يمنع طُلابًا غاضبين من التظاهر أمام مقر مشيخة الأزهر ومحاولة اقتحامها. مطالبة الدولة ببسط حمايتها الخاصة على الكنائس والمسيحيين تمييز لا تجيزه المساواة في المواطنة. السلاح في أيدي الجميع لا فرق بين مسلم ومسيحي وفي حالة كتلك لا نتوقع أن يتصرف أحد بحكمة مع الزناد، وقد اعترف شاب مسيحي في لقاء مع قناة الجزيرة مباشر بأنهم جلبوا أسلحة خلال أحداث الكاتدرائية، وذلك لم يستسيغه المفكر القبطي جمال أسعد عبد الملاك، فمن شأنه أن ينطبق على المسلمين أيضًا، فيجلبون أسلحة للدفاع عن أنفسهم. المجتمع يعيش فترة انتقالية صعبة لا يقتصر ضحاياها على المسيحيين أو المسلمين، ويجب على الطرفين كشعب واحد أن يتقبل هذه الحقيقة، وعلى البابا الجديد ألا ينفخ في الرماد بالاعتكاف الغاضب الذي اعتدناه من سلفه في بعض المواقف ولم يأت بخير، إذ كان رسالة سلبية ساعدت على المزيد من الفتنة والبغضاء. كما يجب أن يتوقف كبار رجال الدين المسيحي عن غمزهم في رئاسة مرسي لكل المصريين، فما وقع لا علاقة له بكون الرئيس جاء من مرجعية إسلامية، فقد تعرضت مصر لحوادث طائفية أشد وأعنف خلال عصور الرؤساء السابقين، وآخرهم حسني مبارك. الحديث عن إلقاء حجارة على الكاتدرائية من العمارات المجاورة في العباسية لا يأتي بجديد على صورة العنف خلال المرحلة الانتقالية، خصوصًا أنه متوقع من السكان نتيجة قيام الشباب المسيحيين المشيعين بتحطيم السيارات الخاصة المتوقفة أمام تلك العمارات. لماذا ننسى أن أهالي المنطقة ذاتها دخلوا في اشتباكات عنيفة مع المتظاهرين من حركة 6 إبريل أو غيرها أثناء حكم المجلس العسكري دفاعًا عن محلاتهم وسياراتهم وعقاراتهم؟! [email protected]