ركز عينيك على الصبية الذين كانوا يلقون الحجارة فى محيط كاتدرائية العباسية، ستجد أنهم الوجوه نفسها التى ظهرت فى المعارك السابقة ضد مؤسسات الدولة والمنشآت الحيوية. الأسلحة لم تتغير.. المولوتوف والخرطوش والحجارة. فى الخصوص مجهولون ينطلقون بدراجات بخارية ويطلقون الرصاص الحى على أى تجمع للأهالي.. مسلمين أو مسيحيين.. وعلى مسيرة تضم الاثنين معاً كانت تندد بالمعارك الطائفية التى راح ضحيتها 5 قتلى. إذن هو الهزيع الأخير من الحرب الشعواء ضد ثورة 25 يناير، ما يشير إلى فشل العنف السياسى الذى وصل إلى أعلى ما يمكن أن يصل إليه، دون أن ينجح فى القضاء على حكم الرئيس مرسى ويجبره على الاستقالة أو إعلان الانتخابات الرئاسية المبكرة. الهزيع الأخير كان هزيعا أولاً أثناء تولى المجلس العسكرى السابق إدارة الدولة. جربوا العنف الطائفى أكثر من مرة ونفخت فيه قنوات الفتنة، ووصل لأقصى درجاته باعتصامات ومظاهرات الأقباط فى ماسبيرو، حين شهدنا لأول مرة المجهولين الذين يتحركون بدراجاتهم البخارية ويطلقون الرصاص الحى الذى أردى العديد من القتلى وتناثرت الجثث فى محيط المنطقة. سينجلى هذا الهزيع أيضًا ولن يحقق هدفه. لكن ينبغى على القيادات الدينية فى الكاتدرائية أن تتفهم أن المسألة ليست حربًا طائفية من المسلمين ضد المسيحيين، بل حرب ممنهجة ضد الدولة واستقرارها واقتصادها، وعليهم أن يساعدوا على وأدها وإطفاء نارها وعدم الانجرار إلى عظات تؤجج الشباب المتحمس وتدفعه إلى الهتافات الطائفية، ثم الاشتباك مع الطرف الآخر.. وهذا هو المطلوب الذى يريده محركو الجماعات المجهولة التى تطلق رصاصها على الجميع دون تمييز. كان يجب أن يكون ذلك فى عقل القمص الذى كان يتحدث أثناء تشييع الجثامين من الكاتدرائية، فلم يكن ذلك هو وقت الحديث المشحون عن الشهادة والشهداء، مما استدعى استثارة هتافات الآلاف من الشباب ودفع إلى نفوسهم الحماس للثأر، ونزعة الغضب على الأمن وعلى رجال القضاء الذين جاءوا ليعاينوا مكان الاشتباكات، ومنعهم دخول أى مسئول والسيدة المسيحية عضو مجلس الشورى، باعتبارها متعاونة مع النظام. أى أن القمص – بحسن نية - ساعد الجماعات المجهولة على تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين وضد نظام الدولة باعتبارهم أعداء، ولو لم يفعل ذلك وامتنع عن تلك الخطبة وأسرع فى إجراءات تشييع الجثامين، لأمكن تجنب التصعيد الذى حصل. المجهولون الذى هاجموا بالمولوتوف والخرطوش والحجارة كانوا بالأمس القريب يهاجمون مرسى وحكومته على دستور يزعمون أنه لم يراع حقوق المسيحيين. إنها "فزورة" كبرى أمام أى محلل للصراع الذى تؤججه المعارضة السياسية، فقد برهنت على فشلها عندما تحالفت مع أنصار النظام المخلوع وحولتهم إلى ثوار، ثم تركتهم يرسمون خطة الحرب لانتزاع مرسى ويوجهونها ويبدلون معاركها الإستراتيجية بما ينفقونه عليها من مليارات. وجهوا ميليشيات البلطجية إلى غزو محيط مقر الإرشاد بالمقطم فى جمعة رد القلم أو رد الكرامة، وقبل ذلك حرق مقر اتحاد كرة القدم ونادى ضباط الشرطة.. وأخيرًا إضرام النار فى محكمة جنوبالقاهرة ومحاولة حرق دار القضاء العالى واللتين تضمان النظام السابق ورجال أعماله كقتل المتظاهرين وموقعة الجمل، سيما مع اقتراب إعادة محاكمة حسنى مبارك. إنها الميليشيات ذاتها التى حاولت حرق كنيسة مارى جرجس فى الخصوص والكاتدرائية فى العباسية. البلطجية لا يعرفون دينا ولا ذمة ولا وطنًا. أجراء لمن يدفع لهم.. والذين يدفعون لهم أمس واليوم وغدًا أنصار النظام السابق ورجال أعماله. [email protected]