33 مليون مواطن مصابون بالضغط والسكر.. وفاتورة العلاج 7.2 مليار جنيه سنويًا في معهد السكر تجولت "المصريون" لتتعرف على مأساة المرضى من خلال شهاداتهم الحية، وكانت البداية مع شعبان عبد الناصر، 65 عامًا، حيث التقينا به أمام مبنى المعهد ليسرد لنا قصته مع الإصابة التي أكد أنها نتيجة الإهمال بعد إصابته بمرض السكري، الذي أصيب به في شبابه، والذي أجبره على التسول، بينما قال: "الحمد لله أنا أحسن من غيري..وحالتي أفضل بكثير من حالات أخرى موجودة بالداخل وبخاصة في القسم المجاني". وتطوع "عم شعبان" أن يأخذنا في جولة داخل المعهد ليدلل على صدق كلماته التي عبر بها عن سوء الوضع داخل المعهد، بينما هو يضيف: "المرض قضى على صحتي وعلى شقا السنين"، حيث توقف عن العمل عامًا كاملًا استنزف فيه كل أمواله، كما قضى ببتر جزء من قدمه على المتبقى منه. وصلنا إلى أحد عنابر القسم المجاني، وكان العنبر كبيرًا بحيث يضم ثمانية من الأسرّة، وكان مزدحمًا بالأهالي التي جاءت لزيارة المرضى في الوقت المخصص وقد افترش كثير منهم الأرض. في اللحظة الأولى لدخولنا العنبر علمنا أن هناك حالتين تم بتر أقدامهم، اقتربنا من إحداهن وكانت تنازع من الألم بقوة، وعرفنا منها أنها "عائشة إبراهيم"، وتبلغ من العمر 56 سنة، وقالت بكثير من الألم وبصوت ثقيل بسبب إصابتها بجلطة في فكها السفلي: "جابوني المعهد عشان يقطعوا صباعي الكبير.. ولما الدكاترة اتأخروا قطعوا المشط كله.. ودلوقتي قطعوا رجلي كلها.. والدكتور قال لي: إذا كان عندك واسطة يمكن يلاقي لك مكان فاضي في أحد المستشفيات، لأن المعهد كامل العدد"، وتدخلت ابنتها لتوضح أن أمها كانت بالفعل تحتاج إلى بتر صباع واحد وانتهى الحال بها إلى بتر القدم حتى تحت الركبة بقليل، لأنها اضطرت للانتظار أربعة أيام كاملة. تركنا الست عائشة وخرجنا من العنبر إلى أحد العنابر الأخرى، حيث كانت "فاطمة أحمد فؤاد" تشغل أحد الأسرة، علمنا منها أنها تبلغ من العمر 15 عامًا وتتلقى تعليمها بمدارس حدائق الأهرام، وقد أصيبت بالسكر منذ عام، بسبب العصبية الزائدة، حيث تعاني من القولون العصبي، ولا يمكنها احتمال كلمات زملائها في المدرسة، وقالت: رغم أن والدتي أخبرت المدرسين بمرضي إلا أن بعضهم لا يسمحون لي بالذهاب إلى المرحاض إلا بعد ما يزداد الألم وأبدأ بالبكاء. وتابعت: فجأة وجدت بطني ارتفعت فقلقت كثيرًا، ووجدت أصدقائي يتهمونني بأنني "حامل" وأن ارتفاع البطن لا علاقة لها بمرض السكر، عندما سمعتهم يقولون ذلك شعرت بالانهيار واندفعت أهاجمهم وأدافع عن نفسي، حتى عدت إلى المنزل لا أعلم ماذا أفعل غير أنني أخبرت والدتي حتى جاءت معي إلى معهد السكر لأعرف أنني مصابة بدهون على الكبد تقدّر ب3 سنتيمترات أورام. خرجنا من العنبر الثاني مع عم شعبان إلى صالة كبيرة تحتشد بالرجال والنساء الذين ينتظرون الكشف، لنلتقي ب "عم حسن شكري" الذي تعلن ملامح وجهه عن تجاوزه سن الستين بينما عرفنا منه أنه لا يزال في الثامنة والأربعين، فقد كان يستند على عكاز بيد، وبيده الأخرى يستند على شاب، إلا أن خطواته كانت حسيسة، فقدمه كانت ملفوفة بالشاش من كثرة الجروح الملوثة بالصديد. قال عم حسن: إنه مصاب بمرض السكر منذ 11 سنة، حيث كان يعمل نجارًا، وكان دائم التفكير في مصاريف البيت، لأن "الحالة كانت على قد حالها"، وقال: "بطلب من الله ولا يكتر على الله، أنه يحنن قلب الدكاترة ويدوني تقرير إني ما بقدرش أقف على رجلي عشان أقبض مرتب من الشئون الاجتماعية وأعيش أنا وبناتي"، وأوضح أن الأطباء يرفضون إعطاءه تقريرًا يثبت أنه غير قادر على العمل دون مبرر واضح. انتهت جولتنا داخل معهد السكر، وبدأت رحلة البحث عن ما وراء المشهد، حيث أكد الأطباء أن مصر أصبحت إحدى الدول المرشحة لاعتلاء قمة العالم في مرضى السكر، موضحين أن عدد المصابين بمرض السكر في مصر عام 2030 سيصل إلى نحو 8 ملايين و600 ألف حالة، أي ما يعادل زيادة بنحو 83% عن عدد الحالات في عام 2010 لتتخطى بذلك المعدل العالمي طبقًا لإحصاءات اللجنة القومية للغدد الصماء والسكر بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا. الغريب أن الإحصاءات أكدت أن عدد المصابين بمرض السكر في مصر وصل في نهاية 2011 حوالي 5 ملايين مريض، وأن نسبة الإصابة وصلت إلى 11%, ويتوقع أن ترتفع إلى 14% من إجمالي السكان بحلول عام 2025, مبينة أن السبب الرئيسي لتلك الزيادة يعود لارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة, خاصة أن مصر من أعلى الدول في انتشار السمنة, والتي وصلت إلى70% للسيدات و50% من الرجال مصابون بزيادة في الوزن، وأن السبب في المقام الأول يعود إلى الاضطرابات السياسية وارتفاع الأسعار التي أصابت أكثر من 28 مليون مصري بضغط الدم وأكثر من 5 ملايين بالسكر. كما أوضحت الإحصاءات أن متوسط التكاليف التي ينفقها قطاع الصحة سنويًا على المريض الواحد بلغت حوالي 1600 جنيه، أي أن القطاع ينفق على جميع المرضى حوالي 8 مليارات جنيه سنويًا، نصيب الدواء منها لا يزيد على 10% فقط، والباقي والذي يصل إلى 7.2 مليار جنيه يتم إنفاقه على مضاعفات مرض السكر، وإن الحملات القومية للكشف المبكر على السكر هي إحدى الخطوات المهمة التي تتخذها الدول حاليًا لتعد نفسها لمواجهة التزايد الكبير لانتشار المرض في أغلب أنحاء العالم، ومن المتوقع تزايد الإصابة بالمرض بصورة أكبر خلال العقدين القادمين، حيث يتوقع أن تصل أعداد المصابين بهذا المرض إلى نحو 438 مليون مريض، بحلول عام 2030 بزيادة قدرها 54%، مقارنة بأعداد الحالات في عام 2010. وفي هذا الصدد، أكد الدكتور حسين السيد الدماصي - رئيس اللجنة القومية للغدد الصماء والسكر بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا: إن أمراض السكر أصبحت من الأرقام الخطيرة التي تهدد الاقتصاد المصري، موضحًا أن عدد المصابين بمرض السكر في مصر يبلغ حاليًا حوالي 8 ملايين مصري، مشيرًا إلى وجود نوعين من المرض الأول يصيب الأطفال وصغار السن وتبلغ نسبة الإصابة به 20% من إجمالي عدد المرضى أي حوالي مليون، أما النوع الثاني فيصيب البالغين وكبار السن وتتراوح نسبة الإصابة به ما بين 80 إلى 85%. وقال الدماصي: إن عدد المصابين بمرض السكر بلغ 300 مليون مريض في العالم وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، وأن الجميع يتوقع أن يتضاعف هذا الرقم خلال عام 2030، مشيرًا إلى أن مصر تعد من أكثر دول العالم التي تعانى من مرض السكر، ومشددًا على ضرورة وجود استراتيجية متكاملة لتحديد معدلات الإصابة بالمرض، من خلال دراسة كل مسببات المرض وعلى رأسها منظومة الغذاء، لإجراء إحصائيات دورية بالتعاون مع كافة الجهات المعنية لمعرفة المعدلات الحقيقية للمصابين بالمرض. كما حذر من تناول الوجبات الإصابة بالبدانة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإصابة بمرض السكر من النوع الثاني "الذي يصيب البالغين وكبار السن"، مبينًا أهمية ممارسة الرياضة البدنية بانتظام والابتعاد عن مسببات الإصابة بالضغوط العصبية والنفسية والقلق والتوتر تجنبًا للإصابة بمرض السكر ومضاعفاته، وأشار إلى أهمية دور وسائل الإعلام في نشر الوعي للمواطنين للوقاية والعلاج من مرض السكر والتعرف على مضاعفاته. أما الدكتورة إيناس شلتوت - أستاذ الأمراض الباطنة والسكر بطب قصر العيني - فأوضحت أن مصر بها خمسة ملايين من المرضى الذين يعانون من الإصابة بداء السكري، مشيرة إلى وجود نفس العدد ممن لديهم استعداد للإصابة، نظرًا للارتفاع الطفيف عن النسبة الطبيعية أو السليمة للسكر بالدم، مما يجعلهم معرضين للمرض خلال السنوات المقبلة. وأشارت شلتوت إلى أن نسبه انتشار مرض السكر بأفريقيا بلغ 9.4% سوف تصل إلى14% بحلول عام 2030، وفي مصر تمثل نسبة إصابة السكر 11%، وسوف تزيد إلى 14 % عام 2025، مبينة أن 50% من المرضى يفاجئون بالمرض، نظرًا لعدم معرفتهم بإصابتهم بمرض السكر هذا الأمر يمثل خطورة، حيث إن من لا يعلمون بمرضهم يتعاملون مع الحياة والأكل بشكل عادي، مما يسبب المضاعفات ويصيب أجهزة الجسم بالعديد من المشاكل والأمراض. وأكدت شلتوت على ضرورة الفحص الدوري لنسبة السكر بالدم بعد بلوغ سن الأربعين، وقياسه على فترات قريبة، وبالنسبة لمن لا يعانون مرض السكر فيجب أن تقل نسبة السكر عن 100 في تحليل صائم، أما إذا وصلت نسبه السكر ما بين 100 إلى 125 فيعتبر مؤشرًا لمرحلة ما قبل الإصابة أو الاستعداد للإصابة في وقت قريب أما النسبة التي تفوق 126 يعتبر مريض لديه سكر، وفي حالة عمل تحليل فاطر فإن المعدل يقل عن 140 أما إذا تعدى هذه النسبة وحتى 200 فتدل على مرحلة الاستعداد للمرض وفوق نسبة 200 تكون مصابًا بالسكر بالفعل. ويرى الدكتور شريف حافظ - أستاذ أمراض السكر والضغط بجامعة القاهرة- أن نسبة مرض ارتفاع ضغط الدم عند الإنسان في ارتفاع مستمر وذلك مع زيادة وطأة التوتر والقلق في حياتنا العصرية وخاصةً في المدن حيث الازدحام السكاني ومشاكل النقل وسوء التغذية وتلوث البيئة ومشكلات الحياة المتنوعة، موضحًا أنه هناك واحدًا بين كل عشرين شخصًا يعاني من ارتفاع ضغط الدم ويحتاج إلى علاج وللأسف فإن نصف من يعاني من هذا المرض في الغالب لا يعرف أن ضغط دمه مرتفع يحتاج إلى علاج، كما أن نصف الذين يعلمون بمرضهم لا يتلقون العلاج اللازم له، لذلك ينصح بقياس ضغط الدم لديهم كل ستة أشهر خاصةً بعد تجاوز سن الثلاثين من العمر أو في حالات زيادة الوزن أو في حالات توارث المرض بين أفراد العائلة الواحد. وقال حافظ إن أسوأ ما يعانيه مريض الضغط والسكر هو الحصول على أنواع كثيرة من الأدوية التي لن تساعد في علاجه، مبينًا أن إشكالية مرضى ضغط الدم أنهم يتعاملون مع 11 مجموعة دوائية مختلفة، وأن المرضى المصريين يتعاملون مع 245 دواءً للضغط، خاصة أن علاج السكر ليس الهدف منه ضبط السكر بقدر ما أن الهدف علاج الاثنين.