البنك المركزي المصري يعلن ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 46.1 مليار دولار    البورصة المصرية تربح 11.7 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    وزير الخارجية: مصر أغلقت معبر رفح بعدما أصبح مسرحاً للعمليات العسكرية    القبض على متهمين بمهاجمة أهداف أجنبية في العراق    وزارة الدفاع التركية: مقتل شخصين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    صباح الكورة.... أزمة طاحنة في ريال مدريد بطلها مبابي وبرشلونة يقترب من حسم صفقة الأحلام وموقف الأهلي من بيع أفشة    جوزيبي ماروتا رئيسًا جديدًا لإنتر ميلان    محافظ سوهاج يتابع الاستعدادات النهائية لانطلاق امتحانات الثانوية العامة    اختلال عجلة القيادة.. تفاصيل إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالجيزة    انطلاق الأنشطة الصيفية للأطفال بمكتبة كفر الدوار    ضياء السيد: النني مظلوم إعلاميًا.. وأتمنى انضمامه إلى الأهلي    «4 مراكز و3 أسماء».. كولر يحدد صفقات الأهلي الصيفية    بحوث الإلكترونيات يوقّع بروتوكول تعاون مشترك مع «سمارت سيستمز» للتحكم الآلي    وكيل «صحة الشيوخ»: حكومة مدبولي نجحت في البناء والتشييد بتوجيهات السيسي    «الداخلية» تواصل حملاتها على المخابز لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز    تعليمات عاجلة من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2024 (مستند)    الفرخة ب120 جنيهًا.. تعرف على أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء داخل منافذ وزارة الزراعة    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    الأعمال المستحبة في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة وأفضل الأدعية    قبل عيد الأضحى.. طرق تحضير الكبدة البلدي مثل المطاعم    غدا.. صحة المنيا تنظم قافلة طبية في قرية دير السنقورية بمركز بني مزار    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    الخشت يتفقد لجان امتحانات الدراسات العليا بكلية الإعلام    البنتاجون يجدد رفضه لاستخدام كييف للأسلحة الأمريكية بعيدة المدى داخل روسيا    قصة عشق مبابي وريال مدريد امتدت لأكثر من 15 عاما.. صور    انهيار أسقف عقار مكون من 5 طوابق فى الإسكندرية- صور    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها فى السوق السوداء    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    المرور على 36 مخبزا وتحرير 16 مخالفة بكفر الدوار    فاينانشيال تايمز: بايدن يعتزم تشديد إجراءات الهجرة إلى الولايات المتحدة    هل التغييرات الحكومية ستؤثر على المشروعات الصحية؟ وزير أسبق يجيب ل«المصري اليوم»    «القومي للمسرح والموسيقى» يحيي ذكرى ميلاد «الساحر» محمود عبد العزيز    توقعات برج الحوت على كافة الأصعدة في شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    أيمن عبدالرحمن يبدأ اختبارات ورشة التأليف بمهرجان المسرح المصري    صدم كل أبطاله.. رفع فيلم بنقدر ظروفك بعد أسبوعي عرض فقط (بالتفاصيل)    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    أمين الفتوى الرؤى والأحلام لا يؤخذ عليها أحكام شرعية    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم لحلق الشعر وتقليم الأضافر والحكم الشرعى    100 طفل بملابس الإحرام يطوفون حول مجسم للكعبة في بني سويف (صور وتفاصيل)    جامعة حلوان تحتفل بحصول كلية التربية الفنية على الاعتماد الأكاديمي    أخرهم أفشة.. الزمالك يسعى لخطف مطاريد الأهلي «الخمسة»    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    إحالة 26 عاملا للتحقيق في حملات تفتيشية على الوحدات الصحية بالمنيا    رئيس جامعة سوهاج يجتمع مع الشركة الوطنية للانتهاء من استلام وتشغيل مستشفي الجراحات التخصصية    قبول دفعة جديدة من طلاب المدارس الإعدادية الثانوية الرياضية بالقليوبية    رئيس جامعة بني سويف يستقبل لجنة قطاع الآداب لتفعيل الدراسات العليا بكلية الألسن    انطلاق أعمال القمة الكورية الأفريقية الأولى بمشاركة وزيرة التعاون الدولي    ردا على مبابي.. برشلونة يقترب من حسم صفقة الأحلام    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    الأمم المتحدة: الظروف المعيشية الصعبة في غزة تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    موعد تشكيل الحكومة الجديدة.. ومفاجأة عن الوزراء الجدد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عظيم من التربويين ؟!
نشر في المصريون يوم 30 - 12 - 2009

فى أحد أيام أواخر عام 1966 أو أوائل عام 1967 ، إذ لا تسعفنى الذاكرة بتحديد اليوم بدقة ، كنا جالسين ، مجموعة معيدين ( لم تكن درجة مدرس مساعد قد ظهرت بعد ) فى تربية عين شمس ، عندما كانت فى شارع أمين سامى بمنطقة قصر العينى حيث شمس الشتاء الدافئة ، أمام قسم علم النفس التعليمى ، عندما جاءنا ضيف جديد ، مقدما نفسه بأنه الدكتور فؤاد أبو حطب العائد توا من بعثته بانجلترا ، فى علم النفس التعليمى، وبعد أن رحبنا به ، وبدأ كل منا يعرف نفسه ،وجاء دورى قائلا أن موضوع رسالتى التى حصلت عليها للماجستير هو ( الاتجاه التجريبى فى الفلسفة المعاصرة وأثره على الفكر والتطبيق التربوى ) ، سارع الضيف الجديد قائلا أنه قرأ ملخصا عنها كان منشورا فى أحد أعداد المجلة الرائعة التى كانت تصدرها وزارة الثقافة باسم ( المجلة ) والتى رأس تحريرها مفكرون عظام مثل يحيى حقى وعلى الراعى وفتحى رضوان وحسين فوزى .
الحق أقول ، أن هذا التعقيب أدهشنى وأعجبنى ، ذلك أن الشائع أن المتخصصين فى دوائر علمية ضيقة متعمقة ، كثيرا ما ينصرفون عن متابعة هذه النوعية من المجلات الفكرية المتعمقة ، فضلا عن أن يقرءوا فيها عن الفلسفة والتربية . كذلك ، فلم يكن يدور بخيالى أن يهتم طالب بعثة بأوربا بمتابعة مثل هذه المجلة محدودة الانتشار ، ويقرأ مثل هذا الموضوع ، وهو متوفر على البحث والتنقيب فى أغوار فرع بعينه من فروع علم النفس ، خاص بالقدرات العقلية والتفكير ، حيث أن الأمر هنا داخل مصر ، نادرا ما كنت أراه متوافرا لدى كثير من أعضاء هيئة التدريس والزملاء .
أكبرت الرجل ، من هذه الواقعة البسيطة التى أعدها مؤشرا مهما للنزعة الثقافية عند هذا أو ذاك ،وبالتالى مؤشرا لدرجة التقدير التى أشعر بأن هذا أو ذاك يستحقها ،وخاصة من بين العلماء المتخصصين ،وهو الأمر الذى ظللت ألاحظه لدى فقيدنا الراحل طوال مصاحبتى له ، ،وطوال هذه الفترة حرصت أشد ما يكون الحرص على أن تتوثق علاقتى به ،ويستمر التواصل بيننا لا على المستوى الثنائى فحسب ، بل امتد ليكون على المستوى العائلى كذلك ، خاصة ,أن رفيقة عمره هى الأستاذة الدكتورة آمال مختار ، القطب الآخر فى هذا القطاع من علم النفس فى جامعة حلوان .
وعندما حلت ظروف قضت بأن أخرج للعمل بالخارج معارا عام 1975 كان لدى عرضين ، أحدهما لكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض ،والآخر بكلية التربية بمكة المكرمة ، كان معيار تفضيلى لمكة ليس هو الدافع الدينى ، كما قد يسارع إلى القول بهذا كثيرون ،وإنما لأن ثلاثة من خيرة أساتذة التربية وعلم النفس ، علما وخلقا ، كانوا قد سبقونى إلى هناك ، وهم الدكاترة فؤاد أبو حطب ، وحامد زهران، وحلمى الوكيل ،ومن ثم يكونون خير جليس ورفيق فى هذه الغربة .
وكان فؤاد وزوجته هما اللذان تلقفانى ومعى أسرتى ، إلى أن استقرت أمورى من حيث السكن وتأثيثه ، فصدقت توقعاتى وظللت ممتنا لهذه الشهامة المصرية منهما ، فضلا عن أيام وليالى طويلة وكثيرة طوال ثلاث سنوات على وجه التقريب ،نسعد برفقة عائلية كأطيب ما تكون الرفقة وأثراها علما وثقافة واجتماعا ،وإذا بى أجد نفسى دائما ، طوال لقاءاتنا أمام مائدة ثرية قلما أخرج منها إلا وقد عرفت شيئا لم أكن أعرفه ،وخاصة من الثقافة النفسية التى كنت قد انقطعت عنها بعدما عينت معيدا فى قسم أصول التربية ، بعد سنوات طويلة بدأت من عام 1955 حيث أتاحت لنا الدراسة فى قسم الفلسفة بآداب القاهرة الكثير من المعارف النفسية ،وكذلك خلال دراستنا بالدبلومين العام والخاص .
ولعل ما يحضرنى الآن ، هو متابعتى لما رواه لنا فؤاد عن فضيحة أحد الأقطاب البارزين فى علم النفس الغربى " سيريل بيرت " وكيف أن الكشف والتحليل قد كشف عن تزوير بعض نتائج أبحاثه ،والتى كان قد سار وراءها مئات من علماء النفس فى مختلف أنحاء العالم .
كان فؤاد كتلة من النشاط العلمى البارز ، فكانت بحوثه وكتبه علامات حقيقية تركت بصماتها على مسيرة علم النفس التربوى ،وأبرزها كتبه عن القدرات العقلية ،وعلم النفس التربوى مع الدكتورة آمال ،والتفكير مع العظيم ، أمد الله فى عمره ، سيد عثمان ،وغير هذا وذاك من كتب وبحوث ودراسات ، يلمس القارئ لها أن فؤاد ليس مُكَرِّرا لما جاء به سابقوه ،وإنما هو دائما يجدد ويطور ، ثم يشعر القارئ بأن من وراء هذه الكتابات عقل عربى يتسم بالأصالة ، ثقافة وروحا ولغة ووجهة .
كان المعهد العالمى للفكر الإسلامى ، قبل أن يُضَيق عليه الخناق ، ظلما وافتراءا ، قد عقد ندوة عن علم النفس والإسلام عام 1989 ، فإذا بأصالة الدكتور فؤاد تبرز جلية عميقة ، عندما أصّل لمراحل النمو وغيرها من جوانب من القرآن الكريم ، فيمتزج العلم المعاصر الذى حصله فى جامعة لندن ، مع الحس الإسلامى لديه ، مع الهم القومى والوطنى فى قلبه ، مع قلم سيال يعرف الطريق بسهولة أمام حسن التعبير ودقته وطلاوته ، فتخرج لنا دراسة تعد علامة على الطريق حقا .
واستطاع فؤاد أن يجعل من الجمعية المصرية لعلم النفس منارة بارزة لا فى مصر وحدها وإنما فى العالم العربى ،وقد لمست هذا عمليا عندما دعانى مرة لندوة ضمن أنشطة مؤتمر الجمعية عام 2000 بالسويس ، حيث لمست قدرة هذا العالم العظيم على تجميع كل طاقات علماء النفس فى مصر وخارجها فى هذا التنظيم العلمى ، بينما كنت أرى عكس هذا على ساحة العلوم التربوية الأخرى ، حيث يسير الاتجاه نحو الانشقاق والتفرع ، بحكم العدوى الشهيرة ، بأن يكون كل واحد رئيسا لمجلس إدارة ورئيسا لتحرير مجلة ،ورئيسا لمؤتمر !
وقد سارعت إلى تسجيل تقديرى لأنشطة المؤتمر فى مقال نشره الأهرام ،وبعد أسبوع من نشر المقال إذا بالدكتور فؤاد يحادثنى مبكرا صباح يوم جمعة ، متحدثا بانفعال غاضب آسف لمقال نشر بعد ذلك يهاجمنى ، حيث تعجب فؤاد ، كيف يكون رد الفعل هكذا على مقال أعرض فيه لجهد عظيم لجمعية علمية عظيمة ، بقيادة أستاذ عظيم ؟ وانتهى إلى تفسير لهذه الظاهرة أُمسك عن الإشارة إليه ، حيث لم يأذن لى الرجل وقد صار فى رحاب الله ، لكن ميزة هذا التفسير أنه قد أراحنى كثيرا ، حيث كنت بالفعل لا أدرى السر وراء هذه الحملة الذى يغاير ما يعلن عنه من أسباب .
ولم يكن فؤاد مجرد عالم يكتب ويبحث ويتحدث وينشر ،وإنما كان أيضا يُنشئ ويوجٍِد ، وأبرز ما سوف يذكره التاريخ حقا هو تأسيسه للمركز القومى للامتحانات والتقويم وفق أدق الأسس وأقواها وأنفعها وأحدثها ، لكن المحزن حقا أن يكون جزاء الرجل كأشد ما يكون عليه جزاء سمنار الشهير .
فبعقلية العالم الموضوعى الصادق ، قاد فؤاد فريقا ضخما من الباحثين ليقَيّم حال مئات المدارس بمحافظات مختلفة فى مصر ،وفق المعايير العلمية الدقيقة ،ولم يجامل أو ينافق ، كما فعل غيره ممن كان قريبا من سلطة التعليم طوال التسعينيات من القرن الماضى ،وخرج تقرير كبير ، لم يشهد له تاريخ التعليم فى مصر من قبل ذلك بعدة عقود ، ولا حتى الآن ، مثله صدقا وصراحة وعمقا .
ثم إذا بوزير التعليم يأمر بحجب التقرير ، حتى نظل لا ندرى شيئا عن حقيقة حال المدارس ، ونكتفى بما تعلنه السلطة من صور وردية مزيفة ، والتى رضيت ضمائر البعض ممن يُحشرون من الناحية الرسمية فى زُمرة العلماء ، لكن ما جاء فى التقرير تسرب إلى يد الدكتورة نعمات أحمد فؤاد ،ونشرت عنه بالأهرام ، فثار الوزير ،وكان لابد لفؤاد أن يخرج من المركز الذى أنشأه بحجة انتهاء فترة عمله ،مع أن غيره استمر رغم سنه، فأعطانى الرجل نسخة من التقرير ،ولما توفى سارعت إلى نشر ملخص له فى جريدة الوفد ، على صفحة كاملة ،ما أفزع سلطة التعليم ،وهرع من هرع للدفاع عن الوزير والهجوم على كاتب هذه السطور .
وفى أحد أيام عام 2000 كنا ننتظر فى جلسة لشعبة التعليم الجامعى بالمجالس القومية الدكتور فؤاد ، حيث كان موعده ليبسط علينا تقريرا أعده عن الجودة فى التعليم الجامعى ، وكان الحديث عنها الذى يملأ الدنيا الآن ، شحيحا فى ذلك الوقت ،ولم نتعود على تأخر الرجل عن مواعيده ، لكنه لم يأت ، حيث جاءنا النبأ الكارثى ...لقد انتقلت روحه إلى بارئها وهو ذاهب إلى الكلية مستعدا للمجئ إلينا ..الغريب أن دموعى لم تخرج من عينى ،وكأن المخزون فيها لم يكفى للتعبير عن الحزن على الرجل ، فآثر الانحباس ،وأصابتنى حالة من الكآبة شديدة ووجوم ثقيل الوطأة ، لم يخفف منهما إلا رحلة كتبها الله لى إلى الولايات المتحدة ، لأعود بعدها دائما ذاكرا للعالم العظيم ،عبقريته وإماميته العلمية، رحمه الله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.