أكد الكاتب الصحفي جمال سلطان رئيس تحرير جريدة المصريون أن التحدي الحقيقي لأصحاب المشروع الإسلامي هو تحويل مصر لدولة مؤسسات حقيقية تتوازن فيها السلطات وتستقل فيها السلطات لأن بناء دولة عصرية متحضرة هو الضمانة الوحيدة لنجاح واستمرار التجربة الإسلامية وتحصينها من أي انقلاب أو إعادة للنظام السابق. وأشار سلطان خلال لقائه بنخبة من العلماء والمفكرين والمثقفين والأدباء في الصالون الفكري للدكتور عبد الحليم عويس للحديث حول الأوضاع الراهنة في مصر وكيفية الخروج منها أن علي الإسلاميين الوقوف مع أنفسهم لإجراء مراجعات عاجلة لمجمل هذه التجربة والنظر بأمانة شديدة لمجمل الأوضاع دون استخفاف بما يحدث وبردة فعل الشارع وباحباطات الناس العادية لأن التجربة في حالة خطر ولكن الوقت لم يمضي فالفرصة قائمة للإصلاح والتصحيح. وأشار سلطان أن الإشكال الحالي الذي تشهده البلاد هو إشكال سياسي في صميمه لأننا نحن أبناء الحركة الإسلامية والتيار الإسلامي بشكل عام كانت قضايانا لعقود طويلة قضايا فكرية إلى حد كبير وأحيانا شرعية وأحيانا قضايا كانت تولد جدل شكلي كاجترار الأفكار لأنه لا يوجد واقع حقيقي تتفاعل معه بحكم التهميش والاقصاء لأنهم لم يشاركوا في سلطة أو إدارة أو أي شيء وبالتالي أفكارهم كأنها حوارات داخلية مما كان له انعكاسات سلبية على تطور الفكر الإسلامي نفسه. واستطرد قائلاً: ومما يؤكد ماسبق أننا لاحظنا في السنتين الأخيرتين منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن أن أفكار الإسلاميين بدأت تتطور بما يعادل عشرات السنوات وبدأوا يتحملوا مسئوليات وطرحاً للأفكار وبناء رؤى دون أن يتترسوا بالمظلومية التاريخية من السجون والمعتقلات. وأوضح سلطان أن الأمر اختلف من فصيل لفصيل فجماعة الأخوان علي سبيل المثال كان عندها طموح حول وجود مشروع أو رؤية لإدارة الدولة على أحسن ما يكون وجاهز وكانوا يريدون الفرصة ولكن مع التجرية ظهر أن المشكلة معقدة وليس بالسهولة التي نظنها وبالتالي ظهرت سلسلة من الأخطاء في إدارة شئون الدولة. أما التيار السلفي والذي كان يستسهل الفتوى التي يتترس فيها في الحفاظ على كيانه ولكن عندما انكشف علي الواقع اختلفت الأمور فمثلا كان بعض الدعاة السلفيين عندما يُسألوا عن مشروعية السياحة يعطيك درسا طويلا عن حرمانية السياحة وأنها بوابة للتغريب واختراق لعالم القيم ومن ثما حرام في النهاية. ولكن عندما دخل البرلمان السلفيون ودخلوا في لجان السياحة وعلموا أن هناك 4 مليون يعملون بالسياحة وفيه 11 مليون يرتبطوا بالسياحة بدأوا يقولون أن السياحة عصب الدخل القومي فقد تغيرت أفكارهم لأنهم أصبحوا في مسئولية وانفتاح على عالم جديد كان مفاجئ لهم. وأرجع سلطان المشكلة السياسية الآن إلي كيفية استيعاب الحركة الإسلامية هذا التحول المفاجي والمباغت في الوقت ذاته، هذا التحول الأولى في تاريخ الحركة الإسلامية السنية في العالم العربي أن تصل للسلطة وليس فقط شراكة وفي بلد في حجم مصر فهذه لم تكن ولا في الخيال وبالتالي فرض مسئوليات كبيرة جدا على أبناء التيار الإسلامي. كما أن المشكلة الآن أن خبرات الإسلاميين كانت في إدارة الجماعات والتنظيمات وغالبا خبرة ادارية وتنظيمية خارج السياق القانوني فهو لا يهمه النظم والقوانين والمؤسسات وكان أقصاها التعامل مع جهاز أمن الدولة كجهاز قمعي، حتى سياسيا لم يكن يسمح لهم بالجلوس مع مستشار الرئيس مثلا فبالتالي لما دخل الإسلاميون هذا المعترك بدأت الخبرة تختلف لأن إدارة الجماعة تختلف عن إدارة الدولة لأن التنظيم أو الجماعة بطبيعتها فيها تجانس فكري ونهج واحد وفيه تجانس تربوي و حتى تجانس الرؤى والطموحات أيضا، لأن هناك قواعد في البنية التنظيمية تتأسس على الطاعة والثقة وإحسان الظن والتفويض في القيادة كل هذه الدائرة ليس لها صلة بالواقع السياسي الذي تدار به الدولة، فالدولة عالم كله روافد مختلفة من كل صنف ومن كل تيار سياسي أطياف مختلفة والمناهج التربوية لكل واحد مختلفة وطموحات كل واحد مختلفة هذا على المستوى الشعبي، أما على مستوى الكتل الصامتة على مستوى المؤسسات نفسها فلديك مؤسسات بكاملها لها عالم مستقل ولها مصالح مثل القضاء والمؤسسة العسكرية لم يتخيل الإسلاميون أن قيادة هذا العالم المعقد يختلف عن قيادة التنظيم اختلافا كبيراً ونتيجه لكل ماسبق يؤكد جمال سلطان أن هذا الأمور سببت نوعا من الإحباط الشعبي تجاه التجربة الإسلامية بطبيعة الحال لأن هناك حالة من الترصد للحالة الإسلامية، وهناك من يكره هذا الدور الجديد للإسلاميين وهناك من يكره أن يحصد الإسلاميين ثمار الثورة وحدهم، وهذا يمكن أن نفهمه في إطار صراع سياسي مهما كان عنفه ولكن المشكلة أن اخطاء الإسلاميين هي من تعزز موقف الطرف الآخر لأنه في النهاية طرف ضعيف حتى على المستوى الشعبي والكل أخطأ بدرجة أو بأخرى ولكن الحمل الأكبر على الإخوان لأنهم هم من في السلطة. ويشير سلطان أن الدكتور مرسي من قبل تولية الرئاسة يعرف أنه سيواجه تحدي من قبل الفلول ومن قبل مؤسسة أمنية موالية للنظام السابق ومن جهة قضاء مخترق ومن جهة مصالح إقليمية ترفض سيطرة الإسلاميين والإخوان تحديدا على السلطة، وبما أنه يدرك ماسبق فكان يفترض أن يكون هناك رؤية وتخطيط دقيق وعاقل لتفكيك هذا الحائط والعداوات، ولكن للأسف بدلا من ذلك ونتيجه لبعض الممارسات زادت من رصيد العداوات حتى خسر بعض من حلفاؤه في التيار الإسلامي، فنحن الآن في مسيس الحاجة لتأمل ما يحدث بعقلانية شديدة وبعيدا عن العواطف لأن العواطف والحماسة وحدها بدون عقل وحكمة ورؤية موضوعية واقعية لا تفيد بل تضر. وعن تصوره للحلول وكيفية المخرج من المأزق الحالي فيري جمال سلطان أن الحركات الإسلامية بكل أطيافها في حاجة ماسة لإجراء مراجعات عاجلة لمجمل هذه التجربة والنظر بأمانة شديدة لمجمل الأوضاع والخروج من قصة المظلومية القديمة لأن التجربة في حالة خطر الآن ولكن الوقت لم يمضي فالفرصة قائمة للإصلاح والتصحيح. أما الاستخفاف بما يحدث وبردة فعل الشارع وباحباطات الناس العادية وتراجع الهيبة النفسية للإسلاميين في الشارع كأمل وطموح للتغيير فهذا سيضر ضررا فادحا ويجعلنا نواصل النزيف حتى نفيق على حقيقة أن كل شئ ينتهي. وفي الوقت ذاته لابد أن تتكاتف النخبة الإسلامية حول المراجعة السريعة والعاجلة ولا مانع أن تقدم حصاد هذه المراجعات لرئيس الجمهورية أو غيره على أمل انقاذ المسيرة الجديدة . كما حذر أبناء أن المشروع الإسلامي من اعتقادهم بأن الوصول للسلطة لوحده يكفي فهذا خطر لأن الدولة لو ظلت كما هي بنفس تركيبها وتوازناتها بدون تغيير مثل النظام السابق فمن الممكن لأي شخص يضرب رأس السلطة ويعيد إنتاج النظام السابق. وشدَّد سلطان علي أن الإسلاميين عليهم أن يستوعبوا ويدركوا أن أولويات بناء الدولة الآن هي تحويل مصر لدولة مؤسسات حقيقية تتوازن فيها السلطات وتستقل السلطات لأن ضمانات الحرية والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة تكمن في وجود توازن بين القوى واستقلال للسلطات واحترام للقانون فهذا إن ترسخ في الدولة فلا قلق حتى لو خسر الاسلاميين انتخابات الرئاسة هذه المرة فيمكنهم أن يكسبوا المرة القادمة لأننا لو نجحنا في صناعة دولة عصرية ومتحضرة لا يمكن أن نتخيل أن نصبح على انقلاب عسكري مثلاً فهذا التحدي الحقيقي للإسلاميين أن يساهموا بقوة في بناء دولة المؤسسات فاذا نجحوا في بناءها سيحكم المشروع الإسلامي لمائة عام.