" سامر العيساوي".. هل سمعَ أحد هذا الاسم يتردد في فضائية من فضائيات رجال أعمال مبارك؟ بالطبع لا؛ فهو ليس ناشطًا يُغرد على تويتر، ويرسم على الحيطان عبارات بذيئة، ويتشدق بالعدالة الاجتماعية، وحسابه متخم في البنك بالدولارات. عيساوي لا يملك لسانًا فصيحًا يحترف الكذب وقلب الحقائق رأسًا على عقب، ولا يُناضل بالعضلات والبذاءات والمولوتوف، وقضيته حرام الترويج لها وتسليط الضوء عليها في إعلام لا يكره المقاومة فقط، بل يُحرض ضدها ويشيطنها. قصة سامر العيساوي لا تصلح للعرض في فضائيات رجال مبارك؛ يصلح هناك فقط قصص النضال في الخيام التي يُشرب فيها الويسكي والترامادول والفياجرا، وتستضيف مناضلي فنادق الخمس نجوم المصطافين في شواطئ نيس وجزر الكاناري العاشقين لبارات نيويورك وأزقة كوبنهاجن، والمغموسين في نعيم السفارات الغربية والدولة الفارسية، المتحالفين مع كل النظم الفاشية والشمولية، النائمين في سرير واحد مع كل مستبد مغتصب، وبعدها يُفرش لهم الحرير وتُبسط السجاجيد ليجلسوا في الاستديوهات على كراسي هزازة يتحدثون ببجاحة وبرود عن الحرية والحقوق والكرامة الإنسانية! سامر العيساوي قصته هي قصة فلسطين التي يعملون على عزلها عن مصر بأي ثمن وإثارة الشحناء والكراهية بينهما، جده كان من أوائل من انضموا لمنظمة التحرير، واستشهدت جدته في سنوات الانتفاضة الأولى، وعاش والداه في مطلع السبعينات مرارة الاعتقال، لتفجع العائلة باستشهاد الابن البكر شقيق سامر عام 1994م بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي، ويتعرض أخوة سامر الستة للاعتقال. أما هو فقصته مع الصهاينة ملحمة، وقد تم اعتقاله عام 2003م بتهمة الانتماء للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحُكمَ عليه بالسجن لمدة ثلاثين عامًا، وبعدها تم الإفراج عنه في صفقة "جلعاد شاليط" ، ليُعاد اعتقاله بعدها من قبل السلطات الإسرائيلية في إخلال صارخ بشروط الاتفاق الدولي الذي لعبت فيه مصر دور الوسيط برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية. سامر الذي تعرضتْ أسرته للظلم الفادح ودُمر بيته واستشهد أخوه واعتقلت أخته المحامية لبعض الوقت، هو أشهر أسير عرفته البشرية إلى اليوم – ولم تعرفه فضائيات الكذب والتضليل – فهو الأسير الوحيد في تاريخ البشرية الذي استمر إضرابه عن الطعام أكثر من مائتي يوم، يرفعُ الأطفال في الشوارع صوره ويرسمونه جرافيتي على الجدران؛ ليس سمينًا ولا فارعًا ولا يُشبه تشي جيفارا، إنما عظامه هي أول ما تقع عليه عينك عند رؤيته ونقص وزنه إلى أقل من 45 كجم، ولم يعد قادرًا على الحركة وقلبه معرض للتوقف في أية لحظة ويمتنع اليوم عن شرب الماء، وتناول الفيتامينات ويرفض إجراء الفحوص، ويقول ببطء شديد وتحد وصوت خافت مشحون بالصمود، مبتسمًا للموت: إنني أستمد قوتي من شعبي ومن كل الأحرار في العالم والأصدقاء وأهالي الأسرى الذين يواصلون الليل بالنهار هاتفين للحرية ولإنهاء الاحتلال. صرتُ معلقًا بين الموت والحياة، وجسدي الضعيف المنهار مازال قادرًا على الصبر والمواجهة، ولسان حالي يقول سأستمر حتى النهاية، حتى آخر قطرة ماء في جسدي، حتى الشهادة، فالشهادة شرف لي في هذه الملحمة، شهادتي هي قنبلتي الباقية في وجه الطغاة والمستبدين والسجانين وفي وجه سياسة الاحتلال العنصرية التي تذل شعبنا وتمارس بحقه كل وسائل البطش والقمع. لا تخافوا على قلبي أن توقف، ولا تخشوا على يدي إن شُلت، فأنا ما زلتُ حيًا الآن وغدًا وبعد الموت؛ لأن القدس تتحركُ في دمي وإيماني وعقيدتي. فماذا لو قامت حماس من جديد بأسر شاليط ردًا على إخلال إسرائيل بالاتفاق الدولي، فماذا سيكون موقف أوباما والاتحاد الأوروبي والملوك والأمراء العرب وجبهة الإنقاذ في مصر وإعلام التضليل والبهتان؟ سامر ليس وحده ، لكنه أيقونة خمسة آلاف أسير فلسطيني يقاومون ظلم وعنصرية الاحتلال بأمعائهم الخاوية. هذا هو النضالُ إذًا وهذا هو التحدي، فمن يقدرُ عليه من قاذفي الحجارة والمولوتوف والبذاءات؟ وأين هو من الفضائيات ليتعرف جمهورنا العريض على رجل يتغذى ويتقوى من إيمانه بقضية القدس، بدلًا من تلك النماذج التي تتقوى وتتغذى على إيمانها العميق بالحسابات البنكية. خسئتم.. [email protected]