سامر العيساوى.. وجه أسير أطل فجأة على شاشات التواصل الاجتماعى مثل الصرخة أو للأسف مثل البصقة فى وجه أمة لم تعد تميز أعداءها، ومن بين القضبان الحديدية ومن خلف الأسوار الإسمنتية شاهقة الارتفاع تحاول صرخات سامر وزملائه من المعتقلين الفلسطينيين التسلل والهرب من سجانيها والخروج من محبسها داخل معتقلات وسجون الاحتلال الصهيونى التى تعج بآلاف الأسرى، لتنقل للعالم معاناتهم ومأساتهم وتصرخ فيهم على أمل إيقاظ ضمائرهم الغافلة، ومن بين هذه الصرخات صرخة الأسير سامر العيساوى ذى «34 عامًا» الذى أعلن إضرابه المفتوح عن الطعام لمدة زادت عن مائتى يوم متواصل حتى اللحظة ليكون صاحب أطول إضراب فى تاريخ البشرية. فى إحدى محاكم الاحتلال الصهيونى والتى تدعى محكمة «الصلح»، وعند باب إحدى قاعاتها وصل الأسير الفلسطينى سامر العيساوى للتظلم ضد قرار اعتقاله، وقد بدا ذلك الشاب الثلاثينى هزيل البنية ومتعبًا وفى حالة صحية سيئة يرثى لها فلا تقوى قدماه على حمل جسده النحيل، فتم الدفع به إلى قاعة المحكمة على مقعد متحرك يحركه أحد سجانيه وسط حراسة أمنية مشددة، لم يمنعهما عجزه عن التحرك.. من وضع القيود فى يديه وقدميه. وداخل القاعة انتظرت أسرة العيساوى وعلى رأسها والدته التى جلست دامعة العينين يمر أمامها صور أبنائها التى قدمت منهم شهيدا وأكثر من أسير، وكل ما أرادته فى تلك اللحظة هو مصافحة ابنها التى لم ترأه منذ شهور طويلة إلا أن قوات الاحتلال حالت دون ذلك بأن باعدت بينهما بل ألقت بالعيساوى على الأرض وانهالت عليه بالضرب هو واسرته تحت مسمع ومرأى قاضى المحكمة الذى اكتفى بالمشاهدة وأمر بطرد الأسرة خارج القاعة قبل أن يصدر قراره برفض الإفراج عن العيساوى. قريةالأسير فعلى مشارف مدينة القدس تقع قرية العيسوية حيث ينتمى سامر طارق أحمد وشهرته «سامر العيساوى» الذى ولد فى 16 ديسمبر 1979 لأسرة بسيطة اشتهرت بمقاومة الاحتلال الصهيونى على مدار عقود عدة، فالجد كان من أوائل الذين انضموا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، أما الجدة فقد استشهدت خلال سنوات الانتفاضة الأولى، بينما عانى والده ووالدته واخوته واخواته الستة مرار الاعتقال، كما استشهد شقيقه الأكبر عام 1994 جراء الأحداث التى تلت مجزرة الحرم الابراهيمي. وقد اعتقل العيساوى فى ابريل عام 2004 بتهمة الانتماء للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عامًا دون أى دليل أو محاكمة، قبل أن يتم الافراج عنه فى 18 أكتوبر 2011 ضمن صفقة الجندى الصهيونى جلعاد شاليط والمعروفة ب «وفاء الأحرار» التى تمت بوساطة ورعاية مصرية، ورغم الإفراج لم يسلم سامر العيساوى من مضايقات قوات الاحتلال حيث تم احتجازه أكثر من مرة لساعات طويلة تصل إلى 12 ساعة متواصلة داخل مراكز الشرطة دون أى مبرر يذكر. ظلام وفى ليلة حالكة الظلام من شهر يوليو عام 2012 وبالتحديد نهاية الأسبوع الأول، وعلى الطريق الواصل بين مدينتى القدسورام الله حيث يوحد كمين أمنى إسرائيلى معروف ب«حاجز جبع» وقفت قوات جيش الاحتلال على أهبة الاستعداد يفتشون سيارات المارة بحثا عن شخص ما أو شيىء بعينه، حتى جاءت السيارة المعنية والتى كان يستقلها سامر العيساوى فى عودته من رام الله فقام جنود الاحتلال بإنزاله بالقوة وإلقاء القبض عليه ونقله إلى مركز تحقيق يدعى ب«المكسوبية» فمكث هناك 28 يوما، تعرض خلالها للتحقيق المستمر والمتواصل لمدة 22 ساعة يوميا حرم خلالها من النوم أو الراحة، ولمدة 23 يوما فى المسكوبية كان سامر ممنوعا من لقاء محاميه أو أى فرد كان بل ودون توجيه اتهام محدد له. وعقب شهر من الاعتقال وجهت قوات الاحتلال لائحة مطولة من الاتهامات بحق العيساوى كان اهم بنودها خرق شروط صفقة إطلاق سراحه ودخوله مناطق الضفة الغربية بالإضافة إلى شبهات ضده استنادا لمعلومات استخباراتية سرية، لا يسمح له ولا لمحاميه بالاطلاع عليها مطلقا، وليصدر بحقه حكم يقضى باستكمال ما تبقى له من سنوات فى حكمه السابق أى ما يقارب 20 عاما. إضراب «لن أنتظر «شاليطا» آخر لأنال حريتي، سأنتزعها بالإضراب عن الطعام».. هكذا أعلن ابن قرية العيسوسة اضرابه المفتوح عن الطعام والذى استمر لأكثر من مائتى يوم فى تحد واضح لبطش المحتل وليكون بمثابة لطمة على وجه من يدعو أنهم حماة لحقوق الانسان وللديمقراطية حول العالم، ففى الأول من أغسطس الماضى توقف سامر عن تناول الطعام مطلقا وحتى اللحظة الحالية ففقد الكثير من وزنه وبات سامر يعانى من أوجاع بجميع أعضائه حيث لا يستطيع النوم حتى وصل به الأمر إلى منحه حبوبًا منومة حتى يستطيع النوم هذا غير الآلام الحادة التى يعانى منها بجميع أنحاء الجسم وخاصة فى البطن والكلى، ويعانى ضعفا حادا بالنظر، وشعورًا بالدوار بشكل دائم وفقدان للوعى اكثر من مرة، واخضرارًا دائمًا بالقدم اليمنى ولا يستطيع الوقوف عليها وأوجاع بالرقبة والعمود الفقرى، ما استدعى نقله على الفور من مستشفى سجن الرملة إلى مستشفى «أساف هاروفيه» لخطورة حالته التى قد تعرضه للاصابة لجلطة دماغية أو توقف قلبه عن العمل، وقد انضم إلى سامر فى اضرابه المفتوح عن الطعام ثلاثة أسرى آخرين هما أيمن شروانة وجعفر عز الدين وطارق قعدان. . . حرية وأخيرًا فقد بعث سامر برسالة إلى أبناء شعبه خارج وداخل السجون أراد بها أن تكون بمثابة قنبلة موقوته ضد الاحتلال الصهيونى قائلا:» إننى أستمد قوتى من شعبي، ومن كل الأحرار فى العالم والأصدقاء وأهالى الأسرى الذين يواصلون الليل بالنهار هاتفين للحرية ولإنهاء الاحتلال، ومن أجلكم سأستمر حتى النهاية حتى آخر قطرة ماء فى جسدى حتى الشهادة، فالشهادة شرف لى فى هذه الملحمة، شهادتى هى قنبلتى الباقية فى وجه الطغاة والسجانين، وفى وجه سياسة الاحتلال العنصرية التى تذل شعبنا وتمارس بحقه كل وسائل البطش والقمع، أنا أقوى من جيش الاحتلال وقوانينه العنصرية، أوصيكم إن سقطت شهيدا أن تحملوا روحى صرخة من أجل كل الأسرى والأسيرات، صرخة حرية وخلاص من كابوس السجون وظلماته القاسية». يذكر أن حوالى 7400 أسير فلسطينى لا يزالون يقبعون فى سجون الاحتلال الصهيونى بينهم أطفال ونساء يعانون من التعذيب والإهانة، كما استشهد منهم داخلها 166 أسيرًا، ويعانى 1046 منهم من أمراض مزمنة ولا يتلقون العلاج اللازم.