يمر طالب العلم في بداية طلبه بمرحلة أشبه بمرحلة الطفولة لدى البشر فيتصرف تصرفات مجانبة للصواب كما يتصرف الطفل تماما حينما يقع في خطأ أو محرم لكنه مرفوع عنه قلم التكليف لقول النبي صلى الله عليه و سلم "رفع القلم عن ثلات"...و ذكر منهم الصبي حتى يحتلم أما طويلب العلم فغالبا ما يكون قد جاوز سن التكليف فيصبح مسئولا عن تصرفاته ،لذا يجب عليه الحذر من هذه التصرفات و معالجتها سريعا حتى لا يقع في محرم أو مكروه فيصد عن سبيل الله في موضع الإرشاد إلى سبيله. و من هذه التصرفات: 1- التصدر للفتوى: فيظن طويلب العلم –إلا من رحم الله -أن بمجرد أن نبتت لحيته و قرأ كتابين أو ثلاثة أنه أصبح من أهل العلم ،و من العيب أن يٌسأل عن شيء فلا يجيب ،فهو –يظن نفسه- من أهل هذا الثغر و كأنه دخل تحت فرض من فروض الكفايات و هو لمّا يتأهل بعد ! و كان علماء المسلمين في السلف و الخلف يتورعون عن الفتيا رغم أهليتهم لها ،فهذا الإمام مالك روي عنه انه سٌئل عن أربعين مسألة فأجاب في أربع مسائل و قال في الباقي لا أعلم،و أما من المعاصرين ،فهذا العلامة محمد بن إسماعيل المقدم ،سألته عن حكم صاعق الناموس فقال :لم أقرأ فيه شيئا بعد. إن الفتيا توقيع عن رب العالمين فليراجع كل من طرق أبواب العلم نفسه قبل الإقدام على هذه المسئولية. 2-الإنكار في المسائل الاجتهادية: من الأخطاء التي قد يقع فيها طويلب العلم الإنكار في المسائل الاجتهادية و ذلك ناتج عن جهله بالخلاف في المسألة و مذاهب العلماء فيها و أدلتهم ،فتجد طويلب العلم ينكر في مسائل اختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم و الأئمة من بعدهم. يقول الشيخ المنجد - حفظه الله -: "النوع الثاني : مسائل لم يرد ببيان حكمها دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي ،و ورد بحكمها دليل من السنة ، ولكنه مختلف في تصحيحه ، أو ليس صريحاً في بيان الحكم ، بل يكون محتملاً أو ورد فيها نصوص متعارضة في الظاهر . فهذه المسائل تحتاج إلى نوع اجتهاد ونظر وتأمل لمعرفة حكمها ، ومن أمثلة هذا النوع : 1- الخلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا . 2- الخلاف في سماع الموتى لكلام الأحياء . 3- نقض الوضوء بمس الذكر ، أو مس المرأة ، أو أكل لحم الإبل . 4- القنوت في صلاة الفجر كل يوم . 5- القنوت في صلاة الوتر ، هل يكون قبل الركوع أم بعده ؟ فهذه المسائل وأمثالها مما لم ترد نصوص صريحة ببيان حكمها هي التي لا ينكر فيها على المخالف ، ما دام متبعاً لإمام من الأئمة وهو يظن أن قوله هو الصواب ، ولكن لا يجوز لأحد أن يأخذ من أقوال الأئمة ما يتوافق مع هواه ، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله . وعدم الإنكار على المخالف في هذه المسائل ونحوها ، لا يعني عدم التباحث فيها ، أو عدم التناظر وبيان القول الراجح بدليله ، بل لم يزل العلماء قديماً وحديثاً تعقد بينهم اللقاءات والمناظرات للتباحث في مثل هذه المسائل ، ومن ظهر له الحق وجب عليه الرجوع إليه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "... إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين: تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/80)" .انتهى كلام الشيخ المنجد من موقع الإسلام سؤال و جواب. 3-الاهتمام بعلوم الآلة و هجر العلوم الأصلية: من مظاهر الطفولة العلمية الاهتمام بعلوم الآلة مثل مصطلح الحديث و أصول الفقه و النحو و الصرف و التقصير في دراسة كتب الفقه والعقيدة و التفسير ونحوها و ذلك لجذب انتباه الحاضرين في المجالس بإلقاء القواعد الأصولية و الكلام في الرجال و الأسانيد و كأن المتحدث قد بلغ الغاية في العلم و لربما لو سُئل :ما الدليل على أن الله في السماء لما أجاب و لما أسعفته القواعد الأصولية و الأسانيد ،فالعلوم الأصلية إذا ذهبت ذهبت الحاجة إلى علوم الآلة و الانتفاع بها 4- التكلف في تقليد العلماء: من مظاهر الطفولة في طلب العلم أيضا ،التكلف في تقليد العلماء ،مثل الحرص على لبس الغترة في غير أهل لُبسها ، والتكلف في المشية و الحشمة و أرى –و الله أعلم- ان لا يتكلف التكلم بالعربية في كلمات أعجمية صارت دارجة في لغة الناس فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم –كما ورد في الصحيح- للحسن لما أكل من تمر الصدقة كخ كخ...و هي من لغة فارس كما نقل الإمام النووي في شرح مسلم، و ما كان هذا التكلف من هدي النبي صلى الله عليه و سلم. و أخيرا ينبغي لطويلب العلم الحذر من هذه الآفات و التي تضر بقلبه و تذهب ببركة العلم و تصد عن السبيل. و هذا ما تيسر سرده و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]